المنشورات
الرياء
الرياء: ترك الإخلاصِ في العملِ بملاحظةِ غيرِ اللهِ فيه؛ ومن عبقريّاتهم فيه: قال سيدنا رسول الله: (إنّ أخوفَ ما أخافُ على أمّتي الرياءُ الظاهرُ والشهوةُ الخفيّة). وقالوا: أعظمُ الرياءِ حبُّ المَحْمَدة. وقالوا إذا عمل الرجلُ العملَ وكتمَه وأحبَّ إعلامَ الناسِ أنّه كتمَه، فذلك أقبحُ الرّياء، وقال أبو نواس:
وإذا نَزَعْتَ عَنِ الغَوايةِ فليَكُنْ ... للهِ ذاكَ النَّزْعُ لا للنّاسِ
وقال لقمانُ لابنه: اتقِ اللهَ ولا تُرِ الناسَ أنّك تخشاه ليُكْرِموك. . . وقال بعضهم: كان الناس يراؤون بما يفعلون فصاروا يراؤون بما لا يفعلون. وقالوا: ما الدُّخان بأدلَّ على النارِ من ظاهرِ أمرِ الرجلِ على باطنِه. . . وقالوا في وصف المُرائي: له سَمْتُ أبي ذرٍّ على قلب
أبي جهل، وقال صلى الله عليه وسلم فيمن تنسّك طمعاً في عرَضِ الدنيا: (أكثرُ منافقي هذه الأمّة قُرّاؤها) قال ابن الأثير: أي أنّهم يحفظون القرآنَ نفياً للتُّهمة عن أنفسِهم وهم معتقدون تضييعَه، وكان المنافقون في عصر النبي بهذه الصّفة. وقال الزّمخشريُّ: أراد بالنفاقِ الرياءَ، لأنَّ كلاً منهما إرادةُ ما في الظاهر خلافَ ما في الباطنِ. وقال الغزاليُّ: احذر من خِصال القرّاءِ الأربعة: الأمل والعجلة والكِبر والحسد، قال: وهي عِلَلٌ تعتري سائرَ الناس عموماً والقرّاءَ خصوصاً، ترى القارئ يطوِّلُ الأملَ فيوقعُه في الكسل، وتراه يستعجل الخيرَ فيُقْطعُ عنه، وتراه يحسد نظراءَه على ما آتاهم اللهُ من فضلِه فربَّما يبلغ به مبلغاً يحملُه على فضائحَ وقبائحَ لا يقدم عليها فاسقٌ ولا فاجر. وقال الفضيل بن عياض لابنه: اشتروا داراً بعيدةً عن القُرّاء، ما لي والقوم! إن ظهرت منّي زلّةٌ قتلوني، وإن ظهرت عليَّ حسنةٌ حَسدوني، ولذلك ترى الواحدَ منهم يتكبّر على الناس ويستخفُّ بهم مُعْبِساً وجهَه كأنّما يمنُّ على الناسِ بما يصلي زيادةَ ركعتين، أو كأنما جاءَه من اللهِ منشورٌ بالجنة والبراءةِ من النار، أو كأنّه استيقن السعادةَ لنفسِه والشقاوةَ لسائر الناس، ثم هو مع ذلك يلبَسُ لباسَ المُتواضعين ويتماوت، وهذا لا يليقُ بالتكبُّر والترفُّع ولا يلائِمُه لكنَّ الأعمى لا يبصر. . . أقول: كل ما قالوه في القُرّاء ممّا يصح أن يقال في علماء الدين وفي المتنسِّكين، لأنه يقال تقرّأ فلانٌ أي تفقّه، ويقال: تقرّأ: أي تنسّك، قال زيد بن تركي الزُّبيديُّ: وقال الفراء: أنشدني أبو صَدْفة الدبَيْري:
ولقد عَجِبْتُ لكاعِبٍ مَودُونةٍ ... أطرافُها بالحَلْيِ والحِنَّاءِ
بيضاَء تصْطادُ القَويَّ وتَسْتَبي ... بالحُسْنِ قلْبَ المُسْلِمِ القُرَّاءِ
مودونة: مليّنة وأطرافها نائب فاعل مودونة، ورووا أن بلال بن أبي بردة وفد على عمر بن عبد العزيز فجعل يديم الصلاةَ فقال عمر: ذلك التصنُّع، فقال له العلاءُ: أنا آتيك بخبرِه، فجاءه وهو يصلّي فقال له: ما لي عندك إنْ بعثْتُ أميرَ المؤمنين على توليتِك العراقَ؟ قال عُمالتي سنةً أي وظيفتي ومُرتّبي - وكان مبلغُه عشرين ألف درهم، فقال: اكتب به خطَّك، فكتب إليه، فجاء العلاءُ إلى عمر فأخبرَه، فقال: أراد أن يغرَّنا بالله. . . ودخل على أبي جعفر المنصور رجلٌ بين عينيه كرُكْبةِ البعير - وذلك يكون من أثرِ السُّجود - يريد القضاءَ، فقال المنصور: إن كنت أبْرَرْتَ اللهَ بهذا فما ينبغي أن نشغلَك عنه، وإن كنت
أردْتَ خِداعَنا فما ينبغي أن ننْخَدِعَ لك. وقال شاعر:
لا تَصْحَبَنَّ صحابةً ... حلَقوا الشوارِبَ لِلطَّمَعْ
يَبكي وجُلُّ بُكائِه ... ما لِلْفَريسةِ لا تَقَعْ
وقال آخر:
عَمَّرُوا مَوْضِعَ التَّصَنُّعِ منهُمْ ... ومكانُ الصلاحِ منهُمْ خَرابُ
ويروى هذا البيت على وجه آخر. . . .
ورووا أن بعض الناس كان يبيع زكاتَه من الفقيرِ ويسترجعُها منه بدرهم أو درهمين. ويروى أغربُ من ذلك وأقعدُ في باب الحيل الشرعية المحرّمة، وذلك أنّ أحدَ مشيختنا الذين تولّوا مشيخةَ الإسلام والإفتاء في الجيل الغابر بمصر - وكان غنيّاً مثرياً - كان يحتال في زكاة المال بأنْ يضعَ قيمةَ ما يجبُ عليه أن يزكيه عن ماله في العِياب الزكائب المملوءة قمحاً ثم يُفهمُ الفقراءَ أنَّ هذه هي زكاتُهم ثمَّ يشتريها منهم بثمن مُغْرٍ، وبذلك يظن أنّه قد قام بفريضة الزكاة {يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}.
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
29 أكتوبر 2024
تعليقات (0)