المنشورات
لا يَمدحون إلا إذا أُعطوا
واعتذارهم عن ذلك
قالت بنو تميم لسلامَةَ بن جندل: مَجِّدْنا بِشِعْرِك، فقال: افْعَلوا حتّى أُثني، ونحوُه قولُ عَمْرو بن معد يكرب:
فلَوْ أنّ قومي أنْطَقَتْني رِماحُهُمْ ... نَطقْتُ ولَكِنّ الرِّماحَ أجَرَّتِ
أجرَّت: قطعت، يقول: لو قاتل قومي أو أبلَوْا لذكرت ذلك وفخرت به، ولكن رماحَهم أجرَّتني: أي قطعت لساني عن الكلام بفِرارهم، أراد أنهم لم يقاتلوا.
وقال بعضُ الأكابر لأبي هفّان: مالك لا تمدحني؟ فقال:
لِسَانُ الشُّكْرِ تُنْطِقُهُ العَطَايا ... ويَخْرَسُ عند مُنْقَطَعِ النّوالِ
وعاتب يوماً محمد بن عبد الملك الزيات الوزير أبا تمّام على مدحه سواه فاعتذر إليه بأبياتٍ يقول فيها:
أمّا القوافي فقَدْ حَصَّلْتَ عُذْرَتَهَا ... فما يُصابُ دمٌ منها ولا سَلَبُ
مَنَعْتَ إلا مِنَ الأكْفَاءِ ناكِحَها ... وكان منْكَ علَيْهَا العَطْفُ والحدَبُ
ولو عَضَلْتَ عن الأكْفَاءِ أيِّمَهَا ... ولَمْ يكُنْ لك في أطْهارِها أرَبُ
كانَتْ بناتِ نُصَيْبٍ حينَ ضَنَّ بها ... على المَوالي ولم تَحْفِلْ بها العَرَبُ
العُذْرة: البَكارة، والحَدَب: الإشفاق، وعضل الأيِّم: فالأيِّم: التي لا زوجَ لها بكراً كانت أو ثيّباً والجمع: أيامى وأيايم، وعضل الرجل أيِّمَه يَعْضُلها ويَعْضِلُها عَضْلاً: منَعَها الزَّواجَ ظُلماً قال تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}، نزلت في مَعْقلِ بنِ يسار المُزَني - وكان زوَّج أختَه رجلاً فطلّقها، فلما انقضت عدَّتُها خطبَها، فآلى أن لا يزوِّجَه إيّاها ورغبت فيه أختُه فنزلت الآية. . . وكان نُصيْبُ الشاعر الأسودُ له بناتٌ وكان يرغب عن أن يزوِّجَهن من الموالي، والعرب لا ترغب فيهن، فبقين بلا زواج، قيل له يوماً: ما حال بناتِك؟ فقال: صببت عليهِنَّ من جِلْدي فكَسَدْنَ عليَّ. . . وكتب هذا الوزير الزيات إلى أبي تمام يوماً يحتجُّ عليه بأنّه يمدح غيره وأنّه لو اقتصر عليه لأغناه وأنَّ كثرةَ مدحِه الناسَ
زهَّدته فيه:
رَأيْتُكَ سَمْحَ البَيْعِ سَهلاً وإنّما ... يُغالي إذا ما ضَنَّ بالشَّيْءِ بائِعُهْ
هُوَ الماءُ إنْ أجْمَمْتَه طابَ وِرْدُه ... ويَفْسُدُ منه ما تُباحُ شَرائِعُهْ
فكتب إليه أبو تمام:
أبا جَعْفرٍ إنْ كنتُ أصْبَحْتُ شاعِراً ... أُساهِلُ في بَيْعي له مَنْ أُبايِِعُهْ
فَقَدْ كُنْتَ قبْلي شاعِراً ذا رَوِيَّةٍ ... تُساهِلُ مَنْ هانَتْ عليه بَضائِعُهْ
وصِرْتَ وزيراً والوِزَارةُ مَشْرَبٌ ... يَغَصُّ به بعدَ اللَّذاذةِ كارِعُهْ
وكَمْ مِنْ وزيرٍ قد رأيْنَا مُسلَّطاً ... رأيْناه قد سُدَّتْ عليه مَطالِعُهْ
وللهِ قوْسٌ لا تَطِيشُ سِهامُها ... وللهِ سَيْفٌ لا تُفَلُّ مَقاطِعُهْ
يقول: إنّ سهامَ اللهِ مصيبةٌ لا تُخطئ وسيفَه لا يثلم البتّة، فهو الذي جعلك وزيراً ولو شاء لأنزلك عن دستك.
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
5 نوفمبر 2024
تعليقات (0)