المنشورات

الدنيا هموم وغموم

سمع حكيم رجلاً يقول لآخر: لا أراك اللهُ مكروهاً، فقال: دعوتَ عليه بالمَوْت، من عاشَ لا بدَّ له من مكروه، وقيل للنظّام - إبراهيم بنُ سيّار المُعْتزلي - وفي يده قدحُ دواء -: كيف حالك؟ فقال:
أصْبَحْتُ في دارِ بَليّاتِ ... أدْفَعُ آفاتٍ بآفاتِ
وقال أبو الحسن عليُّ بن محمّد التّهامي المتوفى سنة 416هـ يصفُ الدنيا -:
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنْتَ تُريدُها ... صَفْواً مِنَ الأقْذاءِ والأكْدارِ
ومُكَلّفُ الأيّامِ ضِدَّ طِباعِها ... مُتطَلّبٌ في الماءِ جُذْوةَ نارِ
وإذا رَجَوْتَ المُسْتحيلَ فإنّما ... تَبْنِي الرَّجاَء على شَفِيرٍ هارِ 

الجُذْوة: الجَمْرة، والشَّفير: ناحيةُ الوادي من أعلاه، وهارٍ: يقال: هار الجرف والبناء: انهار وانهدم.
وقال شاعر:
أَمَرَّ الزَّمانُ لنا طَعْمَهُ ... فَما إنْ تَرى ساعَةً عَذْبَهُ
وقال آخر:
أُفٍّ مِنَ الدُّنيا وأسْبابِها ... فإنّها للحُزْنِ مَخْلوقَهْ
هُمُومُها ما تَنقَضي ساعَةً ... عَنْ مَلِكٍ فيها ولا سُوقَهْ
وقال آخر:
تأتي المَكارِهُ حين تأتي جُمْلةً ... وتَرى السُّرورَ يُجيءُ في الفَلتَاتِ
وقال ابن نُباتة السّعدي:
وما خَيْرُ عَيْشٍ نِصْفُهُ سِنَةُ الكَرَى ... ونِصْفٌ به نَعْتلُّ أو نَتوَجّعُ
مَعَ الوَقْتِ يَمْضِي بُؤْسُه ونَعِيمُه ... كأَنْ لَمْ يكُنْ والوَقْتُ عُمرُك أَجْمَعُ
وقال الشريف الرضي:
يا آمِنَ الأقْدارِ بادِرْ صَرْفَها ... واعْلَمْ بأنَّ الطَّالِبِينَ حِثَاثُ
خُذْ مِن ثَرائِكَ ما اسْتَطَعْتَ فإنّما ... شُرَكاؤُكَ الأيَّامُ والوُرَّاثُ
لمْ يَقْضِ حَقَّ المالِ إلا مَعْشَرٌ ... وَجَدوا الزّمانَ يَعيثُ فيه فَعَاثوا
تحْثُو على عَيْبِ الغَنيِّ يدُ الغِنى ... والفقرُ عَنْ عَيْبِ الفَتى بَحَّاثُ
المالُ مالُ المَرْءِ ما بلَغَتْ به الشَّ ... هواتُ أو دَفَعَتْ به الأحْداثُ
ما كانَ منه فاضِلاً عَنْ قُوتِه ... فلْيَعْلَمَنَّ بأنَّه ميراثُ
ما لي إلى الدُّنيا الغَرورَةِ حاجةٌ ... فليَخْزَ ساحِرُ كَيْدِها النَّفَّاثُ
سَكَناتُها مَحْذورَةٌ وعُهودُها ... مَنْقوضَةٌ وحِبالُها أنكاثُ 

أُمُّ المَصائبِ لا يَزالُ يَرُوعُنا ... منها ذُكورُ نَوائِبٍ وإناثُ
إنِّي لأعْجَبُ مِن رِجالٍ أمْسَكوا ... بِحَبَائلِ الدُّنيا وهُنَّ رِثاثُ
كنَزُوا الكُنوزَ وأغفَلوا شَهواتِهم ... فالأرْضُ تَشْبَعُ والبُطونُ غِراثُ
صرفُها: حدَثانُها ونوائبها، وحِثاث: سِراعٌ، وحثا التراب: صبّه، يقول في هذا البيت: إن الغِنى يغطّي عيوبَ الأغنياء أمّا الفقرُ فإنّه يحمل الناسَ على أن يُفتّشوا عن عيوبِ الفقراء ويُلصقوا بهم العيوبَ إلصاقاً. ونكث الحبل: نقضَه، ورِثاث جمع رِث: بالٍ، وغِراث: جائعات. . .
 













مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید