المنشورات
إنكار ذمِّ الدَّهر
رَوَوْا لنا عن سيدِنا رسولِ اللهِ (لا تسبّوا الدَّهْرَ فإنَّ الدَّهْرَ هو الله)، وفي روايةٍ: (فإنَّ اللهَ هو الدَّهر) يقول صلوات الله عليه: إنّ ما أصابك من الدَّهرِ فاللهُ فاعلُه ليس الدَّهر، فإذا شتمت الدَّهرَ فكأنّك أردت به اللهَ: وكان من شأنِ العربِ أن تَذُمَّ الدَّهرَ وتسبّه عند الحوادثِ والنّوازلِ تنزل بهم من موتٍ أو هَرَمٍ ويقولون: أبادَهم الدهرُ وأصابتهم قوارِعُ الدّهرِ وحوادثُه، فيجعلون الدَّهْرَ الذي يفعل ذلك فيَذُمّونه، وقد ذكروا ذلك في أشعارِهم وأخبرَ اللهُ تعالى عنهم بذلك في كتابه العزيز ثم كذَّبهم فقال: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ
وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، قال الله عز وجل: {وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، والدَّهر: الزمانُ الطويل ومُدَّةُ الحياةِ الدنيا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبّوا الدهرَ، على تأويل: لا تسبّوا الذي يفعل بكم هذه الأشياء فإنكم إذا سببتم فاعلَها فإنّما يقع السبُّ على الله تعالى لأنّه الفاعلُ لها لا الدهر. . . وقد تقدم ذلك.
وقال أبو بكر الخوارزمي قريباً من هذا المعنى الذي نُعالجه:
وكم نَكْنِي وكَمْ نَهْجُو اللَّيالي ... وليسَ بِخَصْمِنا إلا القَضاءُ
وقال رجلٌ للأصمعيّ: فَسَدَ الزمانُ، فقال:
إنّ الجَديدَينِ في طُولِ اخْتِلافِهِما ... لا يَفْسُدَانِ ولَكِنْ يَفْسُدُ الناسُ
والبيت المشهور في هذا هو قول بعضهم:
نَعيبُ زَمانَنا والعيبُ فينا ... ولو نَطَقَ الزَّمانُ بِنا هَجانا
وقال المتنبّي:
ألا لا أُرِي الأحْداثَ حَمْداً ولا ذَمّا ... فما بَطْشُها جَهْلاً ولا كفُّها حِلْما
وقال بعض الصالحين لأبي العتاهية: أيُّ خلقِ اللهِ أصغرُ عندَه؟ قال: الدُّنيا، لا تساوي عندَ اللهِ جناحَ بعوضة، قال: أصغر منها مُحِبُّها. . .
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
5 نوفمبر 2024
تعليقات (0)