المنشورات

المسرّة من حيث تُخشى المضرّة

قال أبو عمرو بن العلاء: طلب الحجّاجُ بن يوسف الثقفيّ أبي، فخرج منه هارِباً إلى اليمن، فإنّا لَنسيرُ بصحراءِ اليمن إذْ لَحِقَنا لاحقٌ ينشد:
رُبَّما تَكْرَهُ النُّفوسُ مِنَ الأمْ ... رِ له فَرْجةٌ كحَلِّ العِقالِ
فقال أبي: ما الخبرُ؟ قال: ماتَ الحجّاج، قال أبو عمرو: فأنا بقوله: له فَرْجةٌ أشدُّ سُروراً مني بموتِ الحجّاج، قال: فقال أبي: اصرِفْ رِكابَنا إلى البصرة، قال: وكنت يومئذٍ قد خَنَّقْتُ بِضْعاً وعشرين سنة. . . ربّما تَكره النفوسُ. . . البيت هو لأميّةَ بنِ أبي الصَّلت وقبله:
لا تَضِيقَنَّ في الأمورِ فَقَدْ تُكْ ... شَفُ غَمَّاؤُها بغيرِ احْتيالِ
ومن بديعِ هذه اللُّغةِ العربية الكريمة أنّها تفرِّق بين فَرْجة بفتح الفاء وبينها بالضّم، فالأولى: التفصّي من الهَمِّ، والأخرى، أي الفُرْجة بالضّم: كلّ منفرجٍ بين جبلين ونحوِهما. والغمّاء:
الكرب وقالوا: خَفِ المَضارَّ مِنْ خَلَلِ المَسار، وارْجُ النَّفعَ مِن مَوضعِ المَنْع، فأكثرُ ما يأتي الأمنُ مِنْ مَحَلِّ الفَزَع، وقالوا: أعناقُ الأمورِ تتشابه، فرُبَّ مَحبوبٍ في مكروهٍ ومكروهٍ في محبوبٍ ومغبوط بنعمةٍ هي داؤُه ومرحومٍ مِنْ داءٍ فيه شفاؤُه. . . وقالوا: ربَّ سلامةٍ تكونُ للتَّلفِ سبباً، ومكروهٍ يكون للنجاةِ مُفْتاحاً:
وقد يَأسَفُ المَرْءُ مِن فَوتِ ما ... لَعلَّ السَّلامةَ في فَوْتِهِ
وقال حكيم: لله مصالحُ في مكارِه عبادِه، وقالوا: العاقلُ لا يجزعُ لأوَّلِ نكبةٍ ولا يفرحُ بأوَّلِ نعمةٍ فربّما أقلعَ المحبوبُ عمّا يَضُرُّ وأسفرَ المكروهُ عمّا يَسُرُّ. . . وقال سيّدُنا رسولُ الله (اشْتدّي أزمةُ تَنْفَرجي) الأزمة: الشِّدّةُ والقَحْط ويُقال في ذلك: إنَّ الشدَّةَ إذا تتابَعَتْ انفرجَتْ وإذا توالَتْ تولّت. . والأصلُ في هذا المعنى قولُ اللهِ جلَّ شأنُه {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}. 










مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید