المنشورات
تصوُّر الموت
كان الحسنُ البصريُّ إذا خوَّف من الموتِ يقول للشيوخ: الزَّرْعُ إذا بلَغَ ما يُصْنَعُ به؟ قالوا: يُحْصد، ويقول: للشبّان: يا معشرَ الشُّبّان كَمْ مِنْ زَرْعٍ لم يبلغ أدركَتْه الآفةُ!
وقال بعضُ الخُلفاء لابنِ السّماك: عِظْني وأوْجِزْ، فقال: اعْلَمْ أنّك أوَّلُ خليفةٍ تموت؛ وهذا كما سألَ أرْدَشيرُ بعضَ الحكماءِ عن دارٍ بناها وقال: هل ترى فيها عيباً؟ قال الحكيم: نعم، عَيْباً لا يُمكِنُك إصلاحُه، فقال وما هو؟ قال: لكَ مِنها خرجةٌ لا عودَ بعدَها أو دَخْلةٌ لا خُروجَ بعدها. . . وقالوا: من ضاقَ به أمرٌ فليتذكَّرِ الموتَ فإنّه يَتَّسِعُ عليه. . . ونحوه: من أحسَّ بأنّه يموتُ فليس ينبغي أن يغتَمَّ لأمرٍ صعبٍ ينزل به.
وشكا رجلٌ إلى سيِّدنا رسولِ الله قساوةَ قلبِه فقال صلواتُ الله عليه: (أكثِرْ من ذِكرِ هاذِمِ
اللَّذّات، فإنّه ما ذكَرَه أحدٌ في ضيقٍ إلا وَسَّعه عليه ولا في سَعَةٍ إلا ضيَّقَها عليه). . وقال بعضُ الصالحين: نِعْم نصيحةُ القلبِ ذكرُ الموت، يطرد فضولَ الأمل، ويكفكِفُ غَرْبَ المُنى ويهوِّن المصائبَ، ويحول بين القلب وبين الطُّغيان. . وقال الحسن البصريُّ - وقد قعد عند رأسِ مَيِّتٍ: إنَّ أمراً هذا آخِرُه لأهلٌ أن يُزْهَدَ فيما قبلَه، وإن أمراً هذا أوَّلُه لأهلٌ أن يُحذرَ ما بعدَه، ونظر الحسنُ إلى صبيَّة بينَ جِنازةِ أبيها تقول: يا أبتِ مِثلَ يومِك لَمْ أرَه، فَضَمَّها الحسنُ وقال: أيْ بُنَيّةُ، وأبوك مثلَ هذا اليومِ لَمْ يَرَه؛ فبكى الناسُ. . . ومرَّ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه بمقابرِ الكوفةِ فقال: السّلامُ عليكم أهلَ الدِّيارِ المُوْحِشة، والمَحالِّ المُقْفرة، أنتم لنا سلفٌ ونحن لكم تَبَعٌ، أمّا الأزواجُ فقد نُكِحَتْ، وأمّا الدِّيارُ فقد سُكِنَتْ، وأمّا الأموالُ فقد قُسِمَت، هذا خبرُ ما عِندنا، فما خبرُ ما عِندَكم؟ ثُمَّ التفت إلى أصحابِه فقال: أما إنّهم لَو تكلَّموا لقالوا: إنّا وجَدْنا خيرَ الزاد التقوى.
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
8 نوفمبر 2024
تعليقات (0)