المنشورات
الموت يسوّي بين الأفاضل والأراذِلِ
قال المتنبّي في رثائِه أبا شجاع فاتكاً: وَصَلتْ إليْكَ يَدٌ سَواءٌ عِندَها ... ألبازُ الاشْهَبُ والغُرابُ الأبْقَعُ
البازُ الأشهب: الذي غلبَ عليه البياضُ، والأبقعُ: الذي في صدره بياضٌ يقول المتنبي: وصلت إليك يدٌ - يريد المنية - الشريفُ والوضيعُ لديها سواء، فِعلُها مع الباز الأشهبِ مع كرمِه كفعلِها بالغرابِ الأبْقَعِ مع قبحِه ودمامتِه، وهذا على المثل. . . ويُروى أنّ الإسكندر المقدونيَّ مرَّ بمدينةٍ قد ملَكَها غيرُه من الملوكِ؛ فقال: انظُروا هل بقيَ بها أحدٌ من نَسْلِ مُلوكِها؟ فقالوا: رجلٌ يسكنُ المقابِرَ، فأحضرَه وسألَه عن إقامتِه هذه؛ فقال: أرَدْتُ أنْ أميِّزَ عظامَ الملوكِ من عظامِ عبيدِهم فوجدتُها سواءً، فقال: هل تتَّبِعُني فأحْيي لك شرفَك إن كان لك همَّةٌ؟ فقال: هِمَّتي عظيمةٌ إن أنَلْتَنيها، فقال: ما هي؟ قال: حياةٌ لا موتَ معها، وشبابٌ لا هرمَ معه، وغِنًى لا فقرَ معه، وسرورٌ لا مكروهَ فيه، فقال: ليس عندي هذا، فقال دَعْني ألْتَمِسْه مِمَّن هو عندَه، فقال: ما رأيتُ مثلَه حكيماً؛. . . وقال مالك بن دينار: قدِمَ علينا بِشرُ بنُ مروان أخو الخليفة - عبد الملك بن مروان - فطُعن - أصابه الطاعون - فماتَ فأخْرَجْناه إلى القبر، فلما صِرْنا إلى الجبّان - الجبّانة - إذا نحنُ بِسودانٍ يَحمِلون صاحِباً لهم إلى القبر، فدَفَنّاه ودَفَنوا صاحبَهم، فعُدْتُ قبل الأسبوعِ فلَمْ أعرف قبرَ الأسودِ من قبرِه؛ وفي هذا يقول الشاعر:
ولَقَدْ مَرَرْتُ على القُبورِ فما ... مَيّزْتُ بينَ العَبْدِ والمَوْلى
وقال صالحُ بنُ عبد القدّوس:
فيا مَنْزِلاً سَوَّى البِلَى بينَ أهْلِه ... فلَمْ يَسْتَبِنْ فيه الملوكُ مِنَ السُّوَقْ
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
8 نوفمبر 2024
تعليقات (0)