المنشورات

إنكارهم الشماتة في الموت

قال عدي بن زيد العِبادي:
أيُّها الشَّامِتُ المُعَيِّرُ بالدَّهْ ... رِ أَأَنْتَ المُبَرَّأُ المَوْفورُ
أمْ لَدَيْكَ العَهْدُ الوَثيقُ مِن الأيّ ... امِ بلْ أنْتَ جاهِلٌ مَغرورُ
وقد تقدَّمت هذه الأبيات. . . وقال شاعر:
تَمنَّى رِجالٌ أنْ أموتَ وإنْ أمُتْ ... فتِلْكَ سَبيلٌ لَسْتُ فيها بأَوْحَدِ
ولمّا مات الحسنُ بن عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنهما دخل عبدُ الله بنُ عبّاس على
معاويةَ، فقال له معاويةُ: يا ابنَ عباس، مات الحسنُ بنُ علي؟ قال: نَعَمْ، وقد بلغني سُجودُك، أما واللهِ: ما سَدَّ جُثمانُه حُفْرَتَك، ولا زادَ انقِضاءُ أجلِه في عُمُرِك، قال: أحْسَبُه تركَ صِبْيةً صِغاراً ولَمْ يَتْرُكْ عليهم كثيرَ مَعاش؟ فقال: إنّ الذي وَكَلَهم إليه غيرُك،. . . وقال الفرزدق:
فقُلْ لِلشَّامِتينَ بِنا أفيقُوا ... سيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَما لَقينا
وحكى المبرّد عن بعضهم: أنّه شَهِدَ رجلاً على قبرٍ وهو يُكثر البُكاءَ، فقلتُ: أعلى قريبٍ أو على صديقٍ؟ فقال: أخصُّ مِنهما، قد كان لي عَدُوّاً، فخرج إلى الصيد، فرأى ظَبْياً فتَبِعَه، فَعَثَرَ بالسَّهم، فخَرَّ هو والظّبْيُ ميِّتين، فدُفِنَ، فانْتَهَيْتُ إلى قبرِه شامِتاً به، فإذا عليه مكتوب:
وما نَحْنُ إلا مِثلُهمْ غَيْرَ أنَّنا ... أقَمْنا قليلاً بَعْدَهُمْ وتَرَحَّلوا
فها أنا ذا واقِفٌ أبكي على نَفْسي. . . ولمّا ماتَ الفَرزدقُ بكى عليه جريرٌ ورثاه، فقيل له: أبعدَ تلكَ العَداوة! فقال: لَمْ أرَ اثنينِ بلَغَا الغايةَ ومات أحَدُهما إلا ولَحِقَه الآخرُ عن كثَبٍ، فكان كذلك. . . وقال سيِّدُنا رسولُ الله: (لا تُظْهِرِ الشَّماتةَ لأخيك فيعافيه اللهُ ويَبْتليك) - أقول: يبدو أن الشَّماتةَ - وهي أنْ تَفْرحَ بالبليَّةِ تَنْزلُ بِمَنْ يُعاديك - من الغَرائِزِ الإنسانية اللّئيمة، ومِنْ ثَمَّ لم ينْهَ سيدُنا رسولُ الله عن كونِها - وجودِها - وإنّما نَهى عَنْ إظْهارها، لأنَّ ذلك هو الذي في استطاعةِ المَرْء، مِثْلها مثلُ الحَسدِ والظنِّ والطِّيرة، ولذلك ورد في الأثر أيضاً: (إذا ظنَنْتُمْ فلا تَحَقَّّقوا، وإذا حَسَدْتُمْ فلا تَبْغوا، وإذا تطيَّرْتُمْ فامْضوا، وعلى اللهِ فتَوكّلوا). . . يقول صلواتُ اللهِ عليه: إذا حَسَدْتم: أي تمنَّيْتُمْ زوالَ نعمةِ اللهِ على مَنْ أنْعَمَ عليه فلا تَتََعدّوا وتَفْعلوا ما يَقتضيه هذا الخلقُ الذَّميم، وإذا ظنَنْتُم سوءاً بِمَنْ ليس مَحَلاً لسوءِ الظنِّ به فلا تَتَحقّقوا ذلك باتِّباعِ مَوارِدِه والعملِ على مُقْتضاه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} والظنُّ أكْذَبُ الحَديثِ، ومَنْ أساءَ الظنَّ في غيرِ موضِعِه دلَّ على عدمِ استقامتِه في نفسِه كما قال المتنبّي:
إذا ساَء فِعْلُ المَرْءِ ساَءتْ ظُنونُه ... وصَدَّقَ ما يَعْتادُه مِنْ تَوَهُّمِ
أمّا مَنْ كان مَظِنَّةً للظنِّ، بأن كان رجلاً شرّيراً فالحَزْمُ سوءُ الظنّ والاحتراس والحذر، ثم قال صلواتُ الله عليه: وإذا تَشاءَمْتُمْ بشَيْءٍ فامْضوا لِطيّتِكم ولا يلتفت خاطِرُكم لذلك. . . وسيمرُّ عليك كلُّ هؤلاء في كتاب الطبائع المذمومة. . . ومما يتصل بما نحن فيه من
الشماتة بالميت ما يُروى: أنه لمّا أتى عبدَ الله بنَ الزُّبَيْر خبرُ قتلِ مُصْعَبٍ أخيه احْتَجَبَ أيّاماً، فخُبِّرَ بِمَجيءِ قومٍ للتّعزيةِ، فقال: أكْرَهُ وُجوهاً تُعزّي ألسِنتُها وتَشْمَتُ قلوبُها.
 












مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید