المنشورات
نهي عن الإفراط في البكاء وإظهار الجزع
دخلَتْ أعْرابيّةٌ الحَضَرَ فسمعت بكاءً من دارٍ فقالت: ما هذا! أراهُمْ من ربِّهم يَسْتغيثون، ومن اسْتِرْجاعِه يَتَضَجّرون، ومِنْ جَزيلِ ثوابِه يَتَبَرّمون. . وقال أبو سعيدٍ البَلْخِيُّ: مَنْ أصابتْه مصيبةٌ فأكثرَ الغمَّ جعلَ اللهُ عقوبتَه غَمّاً مثلَه، قال الله تعالى: {فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ}. . . الآية. . .
وعن عبد الله بنِ مسعود رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (ليس منّا من لَطَمَ الخُدودَ، وشَقَّ الجُيوبَ، ودَعا بِدَعْوى الجاهلية). . . ودعا بدعوى الجاهلية: أي مِنْ نحوِ قولهم: واأبَتاه، واأمّاه، واوَلَداه، وامُصيبتاه، ونحو ذلك من ضروبِ النّياحة والنُّدْبة. . . أمّا البكاءُ والجزعُ دون إفراطٍ فَمُرَخَّصٌ فيه، حدَّث أنسُ بن مالك قال: (دَخَلْنا على أبي سيف القين - وكان ظِئْراً لإبراهيمَ عليهِ السلامُ، فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إبراهيمَ، فقبَّله وشَمَّه، ثُمَّ دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيمُ يجودُ بنفسِه، فجعلت عينا رسولِ الله تَذْرفانِ فقال له عبد الرحمن ابنُ عوفٍ رضي الله عنه: وأنت يا رسولَ الله! فقال: يا ابنَ
عوفٍ، إنّها رحمةٌ، ثمَّ أتبعها بأخرى - أي أتبعَ الدمعةَ الأولى بأخرى - وقال صلواتُ اللهِ عليه: إنّ العينَ تدمعُ، والقلبَ يحزنُ، ولا نقول إلا ما يُرضي الله، وإنّا بفِراقِك يا إبراهيمُ لمَحْزونون). . قوله صلوات الله عليه: ولا نقول إلا ما يُرضي اللهَ وفي رواية: ولا نقول ما يُسخِطُ الرّب: أي من النّياحة والصُّراخ وما إلى ذلك ممّا يُوجب سُخْطَ الله عز وجل وقيل لأعرابيٍّ: اصبر فالصَّبرُ أجرٌ، فقال: أعلى اللهِ أتَجَلَّد! واللهِ: لَلْجَزَعُ أحبُّ إليه، لأنَّ الجزعَ استكانةٌ والصبرَ قَساوة. . . وقيل لفيلسوف: أخرجِ الحُزنَ من قلبك فقال: لم يَدْخُلْه بإذْني فأخْرِجُه بإذني. . . وأفرطت امرأةٌ في الجزعِ على ابنها، فعُوتبت في ذلك، فقالت: إذا وقعَ حكمُ الضَّروريّات لم يَقَعْ عليها حكمُ المُكْتَسبات، فأمّا جَزعي فليسَ في الطَّاقةِ صرفُه، ولا في القُدْرَةِ مَنْعُه، ولي عُذْرٌ للضّرورة، فإنّ اللهَ تعالى يقول: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}. . .
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
9 نوفمبر 2024
تعليقات (0)