المنشورات

ملوك لا يُستحى من مَسألتهم

ولِمناسبةِ السُّؤالِ نوردُ عليكَ مايلي: كانَ لبيدُ بنُ ربيعةَ الشاعرُ المخضْرمُ شريفاً في الجاهلية والإسلام، وكان نذرَ أنْ لا تهُبَّ الصَّبا إلا نَحَرَ وأطْعمَ حتّى تَنقَضي، فَهبَّتْ بالإسلامِ وهْوَ بالكوفةِ مقتِرٌ مُمْلقٌ،فعلم بذلك الوليدُ بن عقبة بنِ أبي مُعَيط - وكان واليها لعثمان بن عفَّان - وكان أخاه لأمه - فخطب الناسَ وقال: إنَّكم قدْ عَرفْتمْ نَذْرَ أبي عقيلٍ وما وكَّد على نفسه، فأعينوا أخاكم، ثم نزل، فبعث إليه بمِائةِ ناقة وأبياتٍ يقول فيها:
أرَى الجَزَّارَ يشْحَذُ شَفْرَتَيْهِ ... إذا هَبَّتْ رِياحُ أبي عَقيلِ
أشمُّ الأنْفِ أصْيَدُ عامِرِيٌّ ... طويلُ الباعِ كالسَّيْفِ الصَّقيلِ
وَفى ابْنُ الجَعْفريِّ بما نَواه ... على العِلاّتِ والمالِ القليلِ
بِنَحْرِ الكُومِِ إذْ سُحِبَتْ عليه ... ذُيولُ صَباً تَجاوبُ بالأصيلِ
فلمّا أتَتْه قال: جزى اللهُ الأميرَ خيراً، قد عَرفَ الأميرُ أنّي لا أقولُ شِعْراً ولكنِ اخْرُجي يا بُنَيَّتي، فَخَرَجَتْ خُماسِيَّةٌ فقال لها: أجيبي الأميرَ، فأقْبلتْ وأدْبَرتْ، وبعثَ الناسُ، فقَضى نَذْرَهُ، ففي ذلك تقول ابنةُ لبيد:
إذا هبَّتْ رِياحُ أبي عَقيلٍ ... دَعَوْنا عندَ هَبَّتها الوَليدا
طويلَ الباعِ أبْيضَ عَبْشَمِيّاً ... أعانَ عَلى مُروَءتِه لَبيدا 

بِأمْثالِ الهِضابِ، كأنَّ رَكْباً ... عَلَيْها مِنْ بَني حامٍ قُعودا
أبا وَهْبٍ جزاكَ اللهُ خيراً ... نَحَرْناها وأطْعَمْنا الثَّرِيدا
فعُدْ إنّ الكَريمَ لهُ مَعادٌ ... وَظَنِّي بِابْنِ أرْوى أنْ يَعودا
فقال لها لبيد: أحْسَنْتِ يا بُنَيَّتي لولا أنكِ سألت! فقالت: إنّ المُلوكَ لا يُستَحى من مَسْألتهمْ! ولو كان سُوقةً لم أفْعلْ. . . فقال لها: وأنتِ في هذا أشْعرُ!
 








مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید