المنشورات

مثلُ الدنيا وآفاتها والخوف من نهايتها

جاءَ في كِتاب كليلةٍ ودمنة: وجدتُ مَثلَ الدُّنيا والمغرورِ بها، مع امتلائها بالآفات، مَثَلَ رجلٍ ألْجأهُ خوفُ فيلٍ هائجٍ إلى بِئرٍ، فتَدلَّى فيها وتَعلَّق بغُصنينِ نابِتينِ على شفيرِ البئر، فوقعت رجلاه على شيء في طيِّ البِئر، فَنَظر فإذا بحيَّاتٍ أربعٍ قدْ أطلعْنَ رُؤسَهُنّ من
جُحورِهنَّ، ونظر إلى أسْفلِ البئرِ فإذا بتِنِّينٍ فاغرٍ فاهُ نَحْوَه، مُنتظرٍ له لِيقَعَ فيأخذَه، فرفع بَصره إلى الغُصنينِ فإذا في أصْلهما جُرَذان أسْودُ وأبيضُ، وهما يَقرِضانِ الغصنين دائبين لا يَفْتُرانِ، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمامِ لنفسه، إذْ أبصرَ قريباً منه كِوارةً فيها عسلُ نحلٍ؛ فذاق العسل؛ فشَغلَتْه حلاوتُهُ وألهتْهُ لذَّتُهُ عن الفكرة في شيءٍ من أمره، وأن يلتمسَ الخلاصَ لنفسهِ؛ ولم يذَّكرْ أنَّ رجليه على حيَّاتٍ أربعٍ لا يدري متى يقع عَليهِنَّ، ولم يذَّكرْ أن الجُرذينِ دائبانِ في قطع الغُصنين؛ ومتى انقطعا وقع على التنِّين. فلم يزل لاهياً غافلاً مشغولاً بتلك الحلاوة حتى سقط في فم التنين فهلك. فشَبَّهْتُ بالبئرِ الدُّنيا المملوءةَ آفاتٍ وشروراً، ومَخافاتٍ وعاهات، وشبَّهتُ بالحيَّات الأربعِ الأخلاطَ الأرْبعةَ التي في البدن: فإنّها متى هاجت أو أحدها كانت كَحُمة الأفاعي والسُّمِّ المُميت، وشبَّهتُ بالغُصنين الأجلَ الذي لابُدَّ من انقطاعهِ؛ وشبَّهتُ بالجُرذين الأسودِ والأبيضِ الليلَ والنهارَ اللذينِ هُما دائبانِ في إفناء الأجل؛ وشبَّهتُ بالتنينِ المصيرَ الذي لابُدَّ منه؛ وشبَّهتُ بالعسلِ هذه الحلاوةَ القليلةَ التي ينالُ منها الإنسان فيَطْعَمُ ويسمع ويَشمُّ ويَلْمسُ، ويتشاغلُ عن نفسه، ويلهو عن شأنه، ويُصَدُّ عن سبيلِ قَصْدِه. . . 










مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید