المنشورات
الاستبداد وكراهة المشورة
ومن الناس من آثر الاستبدادَ برأيِه وكَرِه أنْ يستشيرَ، قال المُهلّب بن أبي صفرة: لو لمْ يكنْ في الاستبدادِ بالرأيِ إلا صونُ السِّرِّ وتوفيرُ العقل لوجب التَّمسُّكُ به. . . وقال عبد الملك بن صالح: ما اسْتَشَرْتُ أحداً قطٌّ إلا تكبَّرَ عليَّ وتصاغَرْتُ له، ودخلَتْه العِزّةُ ودَخلَتْني الذِّلَّةُ، فعليكَ بالاسْتِبْدادِ، فإنَّ صاحبَه جليلٌ في العُيون، مَهيبٌ في الصُّدورِ، واعْلمْ أنّكَ مَتى اسْتَشَرْتَ تَضَعْضَعَ شأنُك، ورَجَفَتْ بكَ أركانُك؛ وما عزَّ سلطانٌ لم يُغْنِه عقلُه عن عقولِ وزرائِه، وآراءِ نُصَحائه؛ فإيّاك والمشورةَ وإنْ ضاقَتْ عليكَ المذاهبُ، واشتبَهَتْ لديكَ المَسالك.
ورَوَوْا: أنّ أبا جعفرٍ المنصور كان يَستشيرُ أهلَ بيتِه حتّى مدَحَه ابْن هَرْمة بقوله:
يَزُرْنَ امْرأً لا يُصْلِحُ القومُ أمْرَه ... ولا يَنْتَجي الأدْنَيْنَ فيما يُحاوِلُ
فاستوى جالِساً وقال: أصبْتَ واللهِ! واستعادَه، وما اسْتَشار بعدها.
وقال بعضُ جُلساءِ هارونَ الرشيد. أنا قتلتُ جعفرَ بنَ يحيى البَرْمكي وذلك أنّي رأيْتُ الرشيدَ وقدْ تَنفَّسَ تَنفُّساً مُنكراً فأنشدت في إثْر تَنَفُّسه:
واسْتَبدَّتْ مَرّةً واحِدةً ... إنّما العاجِزُ مَنْ لا يَسْتَبِدْ
فأصْغى إليه واسْتَعادَه، ثم قتل جعفراً. . . .
وكانتِ الفرسُ والرومُ مختلفينَ في الاستشارة، فقالَتْ الرُّومُ: نحنُ لا نُمَلِّكُ من يَحْتاجُ إلى أن يستشيرَ، وقالت الفرسُ: ونحنُ لا نُمَلِّكُ مَنْ يَستَغْني عَنِ المُشاورة، وقَدْ فُضِّلَ الفُرْسُ لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}.
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
12 نوفمبر 2024
تعليقات (0)