المنشورات

من اجتُهد في إغْضابِه فَحَلِمَ

خاطر رجلٌ آخرَ على أنْ يُغْضبَ الأحْنفَ بْنَ قيس، فجَاءَه فخَطَبَ إليهِ أمَّه، فقال: لَسْنا نردُّك انتقاصاً لِحَسَبِك، ولا قِلَّةَ رغبةٍ في مصاهَرَتِك ولكنَّها امرأةٌ قدْ علا سِنَّها، وأنْتَ تحتاج إلى امرأةٍ وَلودٍ وَدودٍ تأخذُ من خُلُقِك، وتستمِدُّ من أدبِك؛ ارْجِعْ إلى قومِك وأخبرهُمْ أنّك لمْ تُغضبْني. 

وخطب آخرُ إلى معاويةَ أمَّه: فقال: ما الذي رغَّبك فيها وهْيَ عَجوزٌ؟
فقال: إنّها عجوزُ عَظيمةُ العَجُزِ! فقال: لعلّك خاطَرْتَ على أن تُغْضِبَ سيِّدَ بني تميم؟ قال: نعم، قال: ارْجِعْ فلست به.
وشتَمَ رجلٌ الأحْنفَ وألحَّ عليه، فلمّا فرغَ قال له: يابْنَ أخي، هل لكَ في الغَداء؟ فإنّك منذُ اليومِ تَحْدو بجملٍ ثَفالٍ. . . . الثفال: البَطيءُ الثقيلُ الذي لا يَنْبَعِثُ إلا كَرْهاً
ورُوي أنَّ رَجلاً خاطرَ آخرَ على أن يقومَ إلى معاويةَ إذا سجدَ فيضَعَ يدَه على كَفَلِه ويقول: سبحانَ اللهِ يا أميرَ المؤمنين! ما أشْبَه عُجَيْزَتَك بِعُجَيْزة أمِّك هندٍ! ففعل ذلك، فلمّا انْفتلَ
معاويةُ عَنْ صَلاتِه قال له: يا أخي، إنَّ أبا سُفيانَ كان مُحْتاجاً إلى ذلك مِنْها، فخُذْ ما جَعلوهُ لك، فأخذه ثم خاطرَه آخرُ بعدَ ذلك أنْ يقومَ إلى زيادٍ وهْوَ في الخُطبة فيقول: أيُّها الأميرُ من أمُّك؟ ففعل؛ فقال زياد: هذا يُخبِرُك - وأشار إلى صاحبِ الشُّرطةِ - فَقدَّمه وضَرَبَ عنقَه، فلمّا بلغَ ذلك معاويةَ قال: ما قَتلَه غيري، ولوْ أدَّبْتُه على الأولى ما عادَ إلى الثانية. . .
وقيل للأحنف: مِمّنْ تعلّمْتَ الحِلْمَ؟ قال: مِنْ قيس بن عاصِم المِنْقَريِّ، رأيته قاعِداً بفِناءِ دارِه مُحتبياً بِحَمائِلِ سيفِه يُحدِّث قَوْمَه، حتّى أتيَ بمَكتوفٍ ورجُلٍ مقتولٍ، فقيل له: هذا ابنُ أخيك قَتلَ ابنَك. قال: فو اللهِ ما حلَّ حُبْوتَه ولا قطع كلامَه، ثم التفتَ إلى ابن أخيهِ فقال: يا ابن أخي أثِمْتَ بِرَبِّك، ورمَيْتَ نفسَك بسهمِك، وقتلت ابْنَ عمِّك؛ ثمّ قال لابْنٍ له آخر: قُمْ يا بُنَيَّ فَوارِ أخاك وحُلَّ كِتافَ ابْنِ عَمِّك وسُقْ إلى أمِّك مائةَ ناقةٍ ديّةَ ابْنِها فإنّها غَريبةٌ، ثم اتّكأ على شِقِّه الأيسرِ وقال:
إنّي امْرؤٌ لا يَعْتري خُلُقي ... دَنَسٌ يُفنِّده ولا أفْنُ
مِنْ مِنْقَرٍ في بيتِ مَكْرُمةٍ ... والفَرْعُ يَنْبتُ فوقَه الغُصْنُ
خُطباءُ حين يقولُ قائِلُهُمْ ... بيضُ الوجوهِ أعِفّةٌ لُسْنُ
لا يَفْطِنونَ لِعَيْبِ جارِهِمُ ... وهُمُ لِحِفْظِ جِوارِه فُطْنُ
وأسمعَ رجلٌ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ بعضَ ما يكره، فقال: لا عليكَ إنّما أردْتَ أن يَسْتَفِزَّني الشيطانُ بِعِزِّ السُّلطانِ فأنالَ منكَ اليومَ ما تنالُه منّي غداً، انْصَرِفْ إذا شِئْتَ. . .
وأمر محمدُ بن سليمانَ برجلٍ أن يُطرحَ من القصرِ كان قد غضِبَ عليه فقال الرَّجل: اتَّقِ اللهَ، فقال: خلّوا سبيلَه، فإنّي كرِهْتُ أنْ أكونَ من الذينَ قال اللهُ فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ}
 












مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید