المنشورات

أخذ البريء بذنب الجاني

قال اللهُ تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}
وقال الحارثُ بْنُ حِلِّزةَ اليَشْكُري من معلقته التي ارْتَجلها بين يدي عَمْرِو بن هند ملك الحيرة في شيءٍ كان بين بكر وتغلب:
عَنَناً باطِلاً وظُلْماً كَما تُعْ ... تَرُ عَنْ حَجْرةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ
العَنَن: الاعْتراضُ يقال: عَنَّ يَعِنَّ ويَعُنُّ عَنّاً وعُنوناً واعْتَنَّ: عَرَضَ واعْتَرضَ، والاسم العَنَنُ، والحَجْرةُ: الناحية، والجَمْع: حَجْرٌ  وحَجَرات مثل جَمْرة وجَمْرٌ وجَمَرات، والعتر، ذبح العتيرة، وهي ذبيحةٌ كانت تُذبح للأصنام في رجب، والرَّبيض: الغنم الرابضة في مَرْبضها، وقد كان الرجل في الجاهلية يَنْذُرُ: إنْ بلَّغ اللهُ غنمَه مائةً ذَبحَ مِنْها واحدةً للأصنام، ثم ربَّما ضنّت نفسُه بها فأخذَ ظبياً وذَبَحه مكان الشاة الواجبة عليه يقول: ألزمتُمونا ذنبَ غيرِنا عَنَناً باطِلاً كما يُذبح الظبيُ لَحَقٍّ وَجَبَ في الغنم
وقال النابغة الذبياني من أبياته العينية التي يعتذر فيها إلى النعمان بن المنذر:
أتاني أبَيْتَ اللَّعْنَ أنّكَ لُمْتُني ... وتلك التي تَسْتكُّ مِنها المَسامِعُ
مقالةُ أنْ قدْ قلْتَ: سوفَ أنالُه ... وذلِكَ مِنْ تِلقاءِ مِثْلكَ رائِعُ
أتُوعِدُ عَبْداً لَمْ يَخُنْكَ أمانةً ... وتَتْركُ عَبْداً ظالِماً وهْوَ ظالِعُ
وحَمّلتَني ذنبَ امْرئٍ وتركْتَه ... كَذي العُرِّ يُكوى غيرُه وهْوَ راتِعُ
وذلكَ أمْرٌ لمْ أكُنْ لأقولَه ... ولو كُبِّلَتْ في ساعِديَّ الجَوامِعُ
أتاكَ بقولٍ لَهْلَهِ النَّسْخِ كاذِباً ... ولَمْ يأتِ بالحَقِّ الذي هوَ ناصِعُ
لَعَمْري وما عَمْري على بِهيِّنٍ ... لَقَدْ نَطَقتْ بُطلاً عليّ الأقارِعُ
ومنها:
وعيدُ أبي قابوسَ في غَيْرِ كُنْهِه ... أتاني ودوني راكِسٌ فالضَّواجِعُ
فَبِتُّ كأنّي ساوَرَتْني ضَئيلةٌ ... مِنَ الرُّقْشِ في أنيابِها السُّمُّ ناقِعُ
يُسَهَّدُ في لَيْلِ التِّمامِ سَليمُها ... لِحَلْيِ النّساءِ في يَدَيْهِ قعاقِعُ
تناذَرَها الراقون مِنْ سوءِ سُمِّها ... تُطلِّقُه طَوْراً وطَوْراً تُراجِعُ
ومنها:
حَلَفْتُ فلَمْ أتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيْبةً ... وهَلْ يَأثَمنْ ذو إمَّةٍ وهْوَ طائِعُ
فإنَّك كَالليلِ الذي هوَ مُدْرِكي ... وإنْ خِلْتُ أنَّ المُنْتأى عَنكَ واسِعُ
وإليك شرح هذه الأبيات: أبيْتَ اللّعن: أبيت أن تأتي من الأخلاق المذمومة ما تُلعن عليه، وكانت هذه تحيّةَ لَخْم وجُذام، وكانت منازلهم الحيرةَ وما يليها، وكانت تحية ملوك غسّان: يا خيرَ الفتيان، وكانت منازلهم الشامَ: وتستكُّ: تنسَدُّ ولا تسمع، ورائِعُ: مُفزع ومخوّف وإضافةُ مقالة إلى أن قد قلت من إضافةِ الأعمِّ إلى الأخصّ، وهي من الإضافة البيانية أي مقالة هي هذا القول. وظالِع: مائل. والعُرّ: قرح يأخذ الإبل في مَشافِرها وأطرافها شَبيهٌ بالقَرَع، وربما تفرق في مشافرها مثل القُوباء، يسيل منه ماءٌ أصفرُ، وكان الأعرابُ إذا وقع العُرُّ في إبلِ أحدهم اعترضوا بعيراً صحيحاً من تلك الإبل فكَوَوْا مِشْفَرَه وعَضُدَه وفَخْذَه يَرون أنهم إذا فعلوا ذلك ذهب العُرُّ من إبلهم. وقيل: إنما كانوا يكوون الصحيحَ لِئلا يتعلَّقَ به الداءُ لا لِيَبْرأ السّقيم. وكُبّلت: قُيّدت. والجوامع: الأغلال، جمعُ جامعة. وثوبٌ لَهْلَهُ
النسج وهَلْهل النسج: إذا كان رقيقاً، وناصع: بيّنٌ واضح. وقوله: لعمري. . . البيت فالعَمْرُ بفتح العين هو العُمْر بضمها لكن خُصَّ استعمال المفتوح في القسم، أي ما قسمي بعمري هيِّنٌ عليّ حتى يتهمني متّهم بأني أحلف كاذِباً، والبُطل - بالضم: - هو الباطل والأقارع: هُم بنو قريع بنِ عوف الذين كانوا سعوا به إلى النعمان بن المنذر حتى تغيّر له. وأبو قابوس: كنيةُ النعمان بن المنذر. وقوله في غير كُنهه: أي جاءني وعيدُه في غير قدْرِ الوعيد، أي لم أكُنْ بلغتُ ما يغضب عليّ فيه. وراكس: وادٍ، والضّواجع جمع ضاجِعة وهو مُنحنى الوادي. وقوله: فبتُّ. . . ألبيت فالمساورة: المواثبة، والأفعى لا تلدغ إلا وَثْباً. وضئيلةٌ: هي الحية الدقيقة القليلة اللحم. والرُّقْشُ من الحيّات: المنقّطة بسوادٍ، وهي من شِرارِها، والسمّ مبتدأ وناقع خبر ويجوز في غير الشعر ناقِعاً على الحالية وفي أنيابها هو الخبر. وليل التّمام بكسر التاء أطولُ ليلة في السنة، والسليم: 

اللّديغ، وسَمّت العربُ الملسوعَ سَليماً تفاؤلاً. وقوله: لِحلْي النساء في يديه قعاقِع: فقد كان الملدوغُ يُجعل الحَلْي في يديه والجلاجل حتى لا ينامَ فَيَدِبَّ السمّ فيه. وتناذرها الراقون يروى أيضاً: تناذرها الحاوون، وهو جمع حاوٍ، وهو الذي يُمسك الحيَّاتِ، أي أنْذرَ بعضُهم بعضاً بأنها لا تجيب راقياً وقوله: تطلِّقه: تخِفُّ عنه مرة وتشتَدُّ عليه مرّةً، ومثل ذلك قول الآخر:
تَبيتُ الهُمومُ الطارِقاتُ يَعُدْنَني ... كما تَعْتري الأوصابُ رأسَ المُطلَّقِ
يقال: طُلِّقَ السليم: رَجعتْ إليه نفسُه وسكن وجعُه بعدَ العِداد فهو مُطلّق، قال المبرِّد: وهذا هو الذي ذكره النابغة قال: وذلك أنَّ المنهوشَ إذا ألحَّ الوجعُ به تارةً وأمسك عنه تارةً فقد قارب أن يؤْيَسَ مِنْ بُرْئِه، وإنّما ذكر خوفَه من النعمان وما يعتريه من لوعة في إثر فترة والخائف لا ينام إلا غِراراً، فلذلك شُبّه بالملدوغِ المسهَّد. والإمَّة لغةٌ في الأمَّة: الدين والخير ثم شبَّهه في البيت الأخير في حال سُخطه بالليل الشديد الظلمة لا يُهتدى فيه
ووقَفَ رجلٌ على الحجاج فقال: أصلَح اللهُ الأميرَ، جَنى جانٍ في الحيّ فأخِذْتُ بِجريرته وأسْقِطَ عطائي، فقال الحجّاج: أما سمعت قولَ الشاعر:
جانيكَ مَنْ يجني عَليكَ وقدْ ... تُعْدي الصِّحاحَ مَبارِكُ الجُرْبِ ولَرُبَّ مأخوذٍ بذَنْبِ صَديقِه ... ونَجا المُقارِفُ صاحِبُ الذَّنْبِ
فقال: أعزَّ اللهُ الأمير، كتابُ الله أولى ما اتُّبِع، قال الله تعالى: {مَعَاذَ اللهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن
وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} فقال الحجاجُ: صدقْتَ يا غلام، رُدَّ اسْمَه وأثْبِتْ رَسْمَه؛ وأسْنِ له عَطاءَه.
 













مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید