المنشورات

نَهْيُ عَنِ الاغترارِ بالوُدّ تُسْتَبطنُ معه العداوةُ

دخل سُدَيْفٌ مولى أبي العباس السفاح على أبي العباس أميرِ المؤمنين وعنده سليمانُ بن هِشام بْنِ عبد الملك وقد أدناه وأعطاه يدَه فقبَّلها، فلمّا رأى ذلك سُدَيْفٌ أقبل على أبي العباس وقال:
جَرِّدِ السَّيْفَ وارْفَعِ العَفْوَ حتّى ... لا تَرى فوقَ ظَهْرِها أمَوِيّاً
لا يغرَّنْك ما تَرى مِنْ أناسٍ ... إنَّ تحتَ الضُّلوعِ داءً دَوِيّاً
فأقبل عليه سُليمانُ فقال: قَتلْتَني أيُّها الشيخ قتلكَ اللهُ وقام أبو العباس فدَخل، فإذا المنديلُ قد ألقيَ في عُنُقِ سليمان، ثم جُرَّ فقُتِل.
ودخل شِبْلُ بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن عليّ، وقد أجْلسَ ثمانينَ رجُلاً من بني أمَيّةَ على سُمُطِ الطعام، فمثَل بين يديه وقال:
أصْبَحَ المُلكُ ثابتَ الآساسِ ... بالبَهاليلِ مِنْ بَني العبّاسِ 

طَلَبوا وِتْرَ هاشِمٍ فَشَفَوْها ... بَعْدَ مَيْلٍ من الزَّمانِ وياسِ
لا تُقيلَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ عِثاراً ... واقْطَعَنْ كُلَّ رَقْلةٍ وَأواسي
ذُلُّها أظْهَرَ التودُّدَ مِنْها ... وبِها مِنْكُمُ كَحَزِّ المَواسي
ولقَدْ غاظَني وغاظَ سَوائي ... قَرْبُهُمْ مِنْ نَمارِقٍ وكَراسي
أنْزِلوها بِحيثُ أنْزَلَها اللهُ بِدارِ الهَوانِ والإتعاسِ
واذْكُروا مَصْرَعَ الحُسَيْن وزيداً ... وقتيلاً بِجانِبِ المِهْراسِ
والقتيلَ الّذي بِحرَّانَ أضْحى ... ثاوِياً بَيْنَ غُرْبةٍ وتناسِ
نِعْمَ شِبْلُ الهِراشِ مَوْلاك شِبْلٌ ... لَوْ نَجا مِنْ حَبائِلِ الإفلاسِ
فأمَرَ بهم عبدُ الله، فشُدِخوا بالعَمَدِ، وبُسِطَتْ عليهم البُسُط، وجُلِس عليها ودَعا بالطعام وإنه ليَسْمعُ أنينَ بعضهم حتّى ماتوا جميعاً، ولمّا فرَغَ من الأكلِ قال: ما أعْلَمني أكلتُ أكلةً قطُّ أهنأَ ولا أطيبَ لنفسي منها! وقال 

لِشِبْلٍ: لولا أنّك خلَطْتَ كلامَكَ بالمسألة لأغْنَمْتُك جميعَ أموالهم، ولعقَدْتُ لك على جميع مَوالي بني هاشم.
وقال المتنبي:
فَلا تَغْرُرْكَ ألْسِنةٌ مَوالٍ ... تُقلِّبُهنَّ أفئِدةٌ أعادي
وكُنْ كَالموْتِ لا يَرثي لِباكٍ ... بَكى مِنْهُ ويَروى وهْوَ صادِ
فإنّ الجُرْحَ يَنْفِرُ بَعْدَ حينٍ ... إذا كانَ البناءُ على فَسادِ
قوله: فإن الجرح. . . ألبيت: مثله قول البحتري:
إذا ما الجُرْحُ رُمَّ عَلى فَسادٍ ... تَبيَّنَ فيهِ تفريطُ الطّبيبِ
وفي كليلة ودمنة: لا يَغرَّ العاقلَ سكونُ الحقدِ في القلبِ ما لَمْ يجدْ مُحرّكاً فإنّه كالجَمْرِ المكنونِ ما لَمْ يجِدْ حَطباً، والعداوةُ إذا وَجدَتْ فُرْصةً اشتعلت فلا يُطفِئها شيءٌ دونَ النفس. . . 












مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید