المنشورات

صدر من عبقرياتهم في الصبر

من أحسن ما قيل في الصبر يوم اللقاء قولُ نَهْشل بن حَريِّ بن ضَمْرةَ:
ويَوْمٍ كأنَّ المُصْطلينَ بِحَرِّه ... - وإنْ لَمْ تكُنْ نارٌ - قيامٌ على الجَمْرِ
صَبَرْنا له حتّى يَبوخَ وإنّما ... تُفَرَّجُ أيامُ الكريهةِ بالصَّبْرِ
باخت الحرب والنار تبوخ بَوْخاً وبُؤوخاً وبَوَخاً: سكنت وفَتَرتْ وكذلك الحَرُّ والغَضبُ والحُمّى
وقال من لا أذكر اسمه:
بكى صاحِبي لمّا رأى الموتَ فوقَنا ... مُطلاً كإطْلالِ السَّحابِ إذا اكْفَهَرْ
فقُلْتُ له: لا تَبْكِ عينُك إنَّما ... يكونَ غَداً حُسْنُ الثناءِ لِمَنْ صَبَرْ
فَما أخَّرَ الإحْجامُ يَوْماً مُعَجَّلاً ... ولا عَجَّلَ الإقْدامُ ما أخَّرَ القَدَرْ 

فآسَى على حالٍ يقلُّ بها الأسى ... وقاتلَ حتى استبهَم الوِردُ والصّدر
وكر حِفَاظاً خَشيَةَ العارِ بعدما ... رأى الموتَ معرضاً على منهج المَكَر
وقال قطريُّ بنُ الفجاءُة:
أقولُ لها وقد طارَ شعاعاً ... منَ الأبطالِ: ويحَكِ لَن تُرَاعِي
فإنَّك لو سألتِ بقاءِ يومٍ ... على الأجلِ الذي لك لن تُطَاعي
فصبراً في مجالِ الموتِ صبراً ... فما نيلُ الخلودِ بمُستَطَاعِ
ولا ثوبُ البقاءِ بثوب عِزٍّ ... فيطوى عن أخي الخَنَعِ اليَرَاعِ
سبيلُ الموتِ غايةُ كلِّ حي ... فداعيه لأهلِ الأرضِ داعي
ومَن لا يُعتَبَط يَسأَم ويَهرَم ... وتُسلِمهُ المَنُونُ إلى انِقطاعِ
وما لِلمَرءِ خيرٌ في حياة ... إذا ما عُدَّ من سَقَطِ المتاعِ
أقول لها، أي للنفس، والشعاع: المتفرق، وهذا مثل، ومعناه المبالغة في الفزع، ولن تراعى
من الورع، وهو: الفزع. يذكر تشجيعه نفسه وتعريفه إياه - بعد ما استشعَرَت الفزَعَ - أن الأجل مقدَّر وأنَّ الزيادةَ لا تلحقه كما بين ذلك في البيت التالي. وأخو الخنع الذليل، والخنوع: الذلة، ولا يكاد الخنوع يستعمل إلا في ذلة في غير موضعها، واليراع: القصبة التي لا جوف لها، والرجل الجبان لا قلب له؛ فكأنه لا جوف له، فوضع اليراع مكان الجبان لأنه بمعناه. والاعتباط: الموت من غير علة. يقول من لم يمت شاباً مات هرماً، ويسأم: أي يسأم ما يعتريه من تكاليف الحياة ولا بُدَّ أن تسلَمه المنون يوما إلى الانقطاع، أي لابد في النهاية من الموت.
وقال عمر بن الإطنابة - شاعر جاهلي، والإطنابة أمه -:
أبَت لي عفَّتي وأبَى بلائِي ... وأخذي الحمدَ بالثَّمَنِ الربيحِ
وإقدامِي علَى المكروه نفسي ... وضربي هامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ
وقولي كلما جَشَأَت وجاشَت ... مكانَكِ تُحمَدِي أو تستريحي
لأَدفعَ عن مآثرَ صالحاتٍ ... وأحمي بعدُ عن عِرضٍ صحيحِ
يروى أن معاوية قال: اجعلوا الشِّعرَ أكبر هَمِّكم وأكثر آدابكم
فإن فيه مآثر أسلافكم ومواضع إرشادكم، فلقد رأيتُني ليلة الهرير وقد عزمتُ على الفرار فما ردني إلا قولُ ابن الإطنابة، وأنشد الأبيات.
وقيل لبعض بني المهلب: بم نِلتُمُ ما نلتُم؟ قال: بصبر ساعةٍ. 












مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید