المنشورات

ما ينبغي أن يتصف به أمراء الجيوش

من أجود ما قيل فيما ينبغي أن يتصف به أمراءُ الجيوش قولُ لقيط بن يَعْمُرَ الإيادي -
وهو شاعر جاهلي قديم مقلٌّ - كان كاتباً في ديوان كسرى سابور بن هرمز الملقب بذي الأكتاف - وكانت إياد غلبوا على سوادِ العراق، وقتلوا من كان به من الفرس، فلما بلغ خبرُهم سابور أجمع على غزو إياد فكتب إليهم لقيط قصيدةً ينذر قومَه غزوَ سابور إيّاهم، فوقع الكتاب بيد كسرى فقطع لسانَ لقيط وغزا إياداً وهي قصيدة جيدة جداً يقول فيها:
أبْلِغْ إياداً وخَلِّلْ في سَراتِهِمُ ... إنِّي أرى الرّأيَ إنْ لَمْ أُعْصَ قدْ نَصَعا
يا لَهْفَ نَفْسيَ إنْ كانَتْ أمورُكُمُ ... شتّى وأحْكِمَ أمْرُ الناسِ فاجْتَمَعا
إنّي أراكُمْ وأرْضاً تُعجَبونَ بِها ... مِثْلَ السفينةِ تَغْشى الوَعْثَ والطَّبَعا
ألا تَخافونَ قَوْماً لا أبالَكُمُ ... أمْسَوْا إليكُمْ كأمثالِ الدَّبا سِرَعا 

أبْناءُ قومٍ تآيَوْكُمْ على حَنَقٍ ... لا يَشْعُرونَ أضرَّ اللهُ أمْ نَفَعا
أحْرارُ فارِسَ أبْناءُ المُلوكِ لَهُمْ ... منَ الجُموعِ جُموعٌ تَزْدهي القِلَعا
إلى أن يقول:
خُزْرٌ عُيونُهُمُ كأنَّ لَحْظَهُمُ ... حَريقُ غابٍ تَرى مِنْه السَّنا قِطَعا
لا الحَرْثُ يَشْغَلُهُمْ بلْ لا يَروْنَ لَهُمْ ... مِنْ دونِ بَيْضَتِكُمْ رِيّاً ولا شِبَعا
وأنْتُمُ تَحرُثونَ الأرْضَ عَنْ سَفَهٍ ... في كُلِّ مُعْتَمَلٍ تَبْغونَ مُزْدَرَعا
وتَلْبَسونَ ثِيابَ الأمْنِ ضَاحِيةً ... لا تَفْزَعونَ وهَذا اللَّيْثُ قَدْ جَمَعا 

مالي أراكُمْ نِياماً في بُلَهْنِيَةٍ ... وقَدْ تَرَوْنَ شِهابَ الحَرْبِ قَدْ سَطَعا
فاشْفوا غَليلي بِرأيٍ مِنْكُمُ حَصِدٍ ... يُصْبُحْ فُؤادي لهُ رَيَّانَ قَدْ نَقَعا
ولا تَكونوا كَمَنْ قَدْ باتَ مُكْتَنِعاً ... إذا يُقالُ لَه: افْرُجْ غُمَّةً كَنَعا
يَسْعى ويَحْسَبُ أنَّ المالَ مُخْلِدُه ... إذا اسْتفادَ طَريفاً زادَه طَمَعا
فاقْنُوا جِيادَكُمُ واحْموا ذِمارَكُمُ ... واسْتَشْعِروا الصَّبْرَ لا تَسْتَشْعِروا الجَزَعا
إلى أن قال:
لا تُلْهِكُمْ إبِلٌ لَيْسَتْ لَكُمْ إبِلٌ ... إنَّ العَدُوَّ بِعَظْمٍ مِنْكُمُ قَرَعا
لا تُثْمِروا المالَ للأعْداءِ إنَّهُمُ ... إنْ يَظْهَروا يَحْتَووكُمْ والبِلادَ مَعا 

واللهِ ما انْفَكَّتِ الأمْوالُ مُذْ أبَدٍ ... لأهْلِها إنْ أصيبوا مَرَّةً تَبَعا
يا قومُ إنَّ لَكُمْ مِنْ إرْثِ أوَّلِكُمْ ... مَجْداً قَدَ اشْفَقْتُ أنْ يَفْنى ويَنْقَطِعا
ماذا يَرُدُّ عَلَيْكُمْ عِزُّ أوَّلِكُمْ ... إنْ ضاعَ آخِرُه أو ذلَّ واتَّضَعا
يا قومِ لا تأمَنوا إنْ كُنْتُمُ غُيُراً ... على نِسائِكُمُ كِسْرى وَما جَمَعا
يا قومِ بَيْضَتُكُمْ لا تُفْجَعُنَّ بِها ... إنّي أخافُ عَلَيْها الأزْلَمَ الجَذَعا
هُوَ الجَلاءُ الذي يَجْتَثُّ أصْلَكُمُ ... فَمَنْ رأى مِثْلَ ذا رأياً ومَنْ سَمِعا
قوموا قِياماً عَلى أمْشاطِ أرْجُلِكُمْ ... ثُمَّ افْزَعوا قَدْ يَنالُ الأمْنَ مَنْ فَزِعا
ثم قال يصف أمير الجيش - وهو شاهدنا -:
وقَلِّدوا أمْرَكُمْ للهِ دَرُّكُمُ ... رَحْبَ الذِّراعِ بأمْرِ الحَرْبِ مُضْطلِعا 

لا مُتْرَفاً إنْ رخاءُ العيشِ ساعَدَه ... ولا إذا عَضَّ مَكْروهٌ بِه خَشَعا
لا يَطْعَمُ النَّوْمَ إلا رَيْثَ يَبْعَثُهُ ... هَمٌّ يكادُ شَباهُ يَفْصِمُ الضِّلَعا
مُسَهَّدُ النَّوْمِ تَعْنيهِ أمورُكُمُ ... يَرومُ مِنْها إلى الأعْداءِ مطَّلَعا
مازالَ يَحْلُبُ هَذا الدَّهْرَ أشْطُرَه ... يَكونُ متَّبِعاً طَوْراً ومتَّبَعا
حتّى اسْتَمرَّتْ على شَزْرٍ مَريرَتُه ... مُسْتَحْكِمَ الرَّأيِ لا قَحْماً ولا ضَرَعا
ولَيْسَ يَشْغلُه مالٌ يُثَمِّرُه ... عَنْكُمْ ولا وَلَدٌ يَبْغي لَه الرِّفَعا
إلى أن قال: 

لَقَدْ بَذَلْتُ لَكُمْ نُصْحي بِلا دَخَلٍ ... فاسْتَيْقِظوا إنَّ خَيْرَ العِلْمِ ما نَفَعا
هَذا كِتابي إلَيْكُمْ والنَّذيرُ لَكُمْ ... لِمَنْ رَأى رأيَه مِنْكُمْ ومَنْ سَمِعا
ولما أوفد المهلَّب بن أبي صفرة كَعْبَ بن مَعْدان الأشقريّ حين هزم عبدَ ربّه الأصغرَ وأجلى قَطَرِيَّ بن الفُجاءة حتّى أخرجه من كِرْمانَ نحو أرض خُراسان إلى الحجّاج بن يوسف، قال له الحجاج: كيف كانت محاربةُ المهلَّب للقوم؟ قال: كان إذا وجد الفرصةَ سار كما يَسور الليث، وإذا دَهَمَتْه الطَّخْمةُ راغَ كما يروغ الثعلب، وإذا مادَه القومُ صبَرَ صبْرَ الدّهر. قال: وكيف كان فيكم؟ قال: كان لنا منه إشفاقُ الوالد الحَدْبِ وله منّا طاعةُ الولد البَرّ. قال: وكيف أفلتكم قطري؟ قال: كادَنا ببعضٍ ما كِدْناه به، والأجلُ أحْصنُ جُنَّةً وأنفَذُ عُدَّةً. قال فكيف اتَّبعتم عبدَ ربّه وتركتموه؟ قال آثَرْنا الحَدَّ على الفلِّ، وكانت سلامةُ الجندِ أحبَّ إلينا من شَجْبِ العدو. فقال له الحجاج: أكُنْتَ أعْدَدْتَ هذا الجوابَ قبل لقائي؟ قال: لا يعلم الغيبَ إلا اللهُ. . . . .
 













مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید