المنشورات

المتبرِّم بالحرب والسخرية منه

قال سعد بن مالك أحدُ سادات بكرِ بن وائل في الجاهلية وفرسانها
يا بُؤسَ لِلحَرْبِ الّتي ... وَضَعَتْ أراهِطَ فاسْتَراحوا
وهي من أبيات جيدة اختارها أبو تمام في حماسته وبعده: 

والحَرْبُ لا يَبْقى لِجا ... حِمِها التَّخيُّلُ والمِراحُ
إلا الفَتى الصَّبَّارُ في ال ... نَّجْداتِ والفَرَسُ الوَقاحُ
مَنْ صدَّ عَنْ نيرانِها ... فأنا ابْنُ قَيْسٍ لا بَراحُ
المَوْتُ غايتُنا فَلا ... قَصْرٌ ولا عَنهُ جِماحُ
وكأنّما وِرْدُ المَنِي ... ة عِنْدنا مَاءٌ وراحُ
قوله يا بؤس للحرب، أصلُه: يا بؤسَ الحرب، فأقحِمَتْ اللامُ بين المُتضايفين، يدعو على الحرب ويذمُّ نكباتِها سُخريةً، ومعنى وضعت أراهِطَ: حطَّتْهم وأسقطتهم فلم يكن لهم ذكر ولا شرف في هذه الحرب فاسْتراحوا من مكابدتِها كالنساء، قال بعض الأعراب لرجل: إنّه قد وضع المكارم فاستراح، وقال رجل للأحنف: لا أبالي أهُجيتُ أم مُدحت، فقال: استرحت
من حيث تعبَ الكرامُ، وأراهط إمّا جمعُ أرْهُط جمع رَهْط وإما جمع رهط على خلاف القياس، والرهط: النفر من ثلاثة إلى عشرة، والجاحم: المكان الشديد الحر، من جَحَمَتِ النارُ فهي جاحمة: إذا اضطرمت، ومنه الجحيم، والتخيل: التكبُّر، من الخُيلاء. يقول: إنها لا تبقي على نخوة المنخوِّ، وذلك أنّ أولى الغَناء يتكرّمون عن الخُيلاء. ويختال المغرور فإذا جُرِّب فلم يُحْمدِ افتُضِحَ وسقط، أو تقول من كان ذا خُيلاء ومرح ثم بُلي بالحرب شغلته عن خُيلائه ومرحه. والمِراح بكسر الميم: النشاط، أي أنّها تكفُّ حَدَّة البَطِرِ النّشيط، وهذا تعريضٌ بالحارث بن عباد بأنّه صاحب خيلاء ومرح. والصبّار مبالغة صابر والنجدة: الشدة والبأس في الحرب، والوقاح: الفرسُ الذي حافِرُه صُلبٌ شديد، ومنه الوَقاحة. 

وقوله: فأنا ابن قيس لا براح، أي: أنا المشهور في النجدة كما سمِعْتَ وأضاف نفسَه إلى جدِّه الأعلى لشهرته به، وجملةُ لا براحُ حالٌ مؤكدة لقوله: أنا ابن قيس كأنّه قال: أنا ابن قيسٍ ثابتاً في الحرب، والبَراحُ مصدر بَرِحَ الشيء بَراحاً: إذا زال من مكانه. وقوله: فلا قَصْرٌ هناك ولا جِماح فالقَصْر. الحبس، والجِماحَ مصدر جَمَحَ: إذا انفلَتَ وهَرِبَ يريد: لا يمكن حبس نفسٍ عن الموت ولا مَهْرَبَ عنه. والوِرْد: الورود وهو دخول الماء، وقيل: حُضورُه وإنْ لَمْ تدخلْه
وقال شاعر:
ما ذاقَ هَمَّاً كالشُّجاعِ ولا خَلا ... بِمَسرَّةٍ كالعاجِزِ المُتواني
 












مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید