المنشورات

من تصحبه الطيور والسباع في القتال

أول من وصف المُحاربَ تصحبه الطيورُ والسِّباعُ ثقةً بانتصاره، وبالشِّبَعِ من فرائِسه، النابغة الذُّبياني إذ يقول في قصيدةٍ له يمدح بها عمرَو بنَ الحارث الأصغر من ملوك غسّانَ بالشام:
إذا ما غَزَوْا بالجَيْشِ حَلَّقَ فَوْقَهمْ ... عَصائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدي بِعَصائِبِ
يُصاحِبْنَهُمْ حتَّى يُغِرْنَ مُغارَهُمْ ... مِنَ الضَّارِياتِ بِالدِّماءِ الدَّوارِبِ
تَراهُنَّ خلْفَ القومِ خُزْراً عُيونُها ... جُلوسَ الشُّيوخِ في ثِيابِ المَرانِبِ
جَوانِحَ قدْ أيْقَنَّ أنَّ قبيلَه ... إذا ما الْتَقى الجَمْعانِ أوَّلُ غالِبِ
لَهُنَّ عليهِمْ عَادَةٌ قَدْ عَرَفْنَها ... إذا عَرَّضَ الخِطِّيُّ فَوْقَ الكَواثِبِ
العصائب: الجماعات. وقوله: يصاحبنهم يقول: تسير جماعاتُ الطير معهم كأنّما تُغير بإغارتهم على الأعداء، وهذه الطيور من المتدرّبات الضاريات المُولعات بدماء القتلى. والخُزْرُ جمع أخْزَر وخَزْراء أي: ضيّقة العيون خِلقةً؛ أو أنّها تتخازر، أي تقبض أجفانها، لتحدِّد النظر، وقوله جلوس الشيوخ، أي أنّها لدى اشتداد القتال تقع على أعالي الأرض
والهضاب كأنها في ريشها ووقوفها وتحديد النظر تترقّب القتلى جالسةٌ جلوسَ الشيوخ إذا التفُّوا بأكيسة المرانب يحدِّدون النظر إلى شيءٍ بعيد، والمرانب  جمع مَرْنَبانيِّ، وهو الثوب المبطَّن بفِراء الأرانب. وجوانح: مائلات للوقوع. والخِطِّيّ: أي القنا المنسوبة إلى الخِطِّ - بلد بالبحرين - والكواثب - بالثاء المثلثة - جمع كاثبة، وهي من جسم الفرس ما تحت الكاهل إلى الظهر بحيث إذا نُصِبَ عليه السّرجُ كانت أمام القَرْبوسِ يضع الفارسُ عليها رمحَه مُسْتعرصاً، يقول: اعتادت الطيرُ أن الرماح إذا عرضت على الكواثب كان ذلك لرِزْقٍ يُساق إليها.
وقال أبو تمام:
وقد ظُلِّلَتْ عِقْبانُ أعْلامِه ضُحًى ... بِعِقْبانِ طَيْرٍ في الدِّماءِ نَواهِلِ
أقامَتْ مَعَ الرّاياتِ حتَّى كأنّها ... مِنَ الجَيْشِ إلا أنَّها لَمْ تُقاتِلِ
وقالت جَنوبُ أختُ عَمْرٍو ذي الكَلْبِ ترثيه:
تَمْشي النُّسورُ إليهِ وهْيَ لاهِيةٌ ... مَشْيَ العَذارى عَلَيْهِنَّ الجَلابيبُ
الجلباب: ثوبٌ أوسعُ من الخمار دون الرّداء تغطّي بها المرأةُ رأسَها وقيل: المُلاءةُ التي تشتمل بها، ومعنى قوله وهي لاهيةٌ: أنَّ النُّسورَ آمِنَةٌ مِنْه لا تَفْرَقُه لكونه مَيّتاً فهي تمشي إليه مشي العذارى، وأول هذه المرثية:
كلُّ امْرِئٍ بِطُوالِ العَيْشِ مَكْذوبُ ... وكلُّ مَنْ غَالَبَ الأيَّامَ مَغْلوبُ
وقال المتنبي: 

تَرَكْتَ جَماجِمَه في النَّقا ... وما يَتَخلَّصْنَ للنَّاخِلِ
فأنْبَتَّ مِنْهُمْ رَبيعَ السِّباعِ ... فأثْنَتْ بِإحْسانِكَ الشَّامِلِ
وقال:
سَحابٌ مِنَ العِقبانِ يَزْحَفُ تَحْتَها ... سَحابٌ إذا اسْتَسْقَتْ سَقَتْها صَوارِمُهْ
وقال في صفةِ جيشٍ وقد ألمَّ بهذا المعنى:
وذي لَجَبٍ لا ذو الجَناحِ أمامَه ... بِناجٍ ولا الوحْشُ المُثارُ بِسالِمِ
تَمُرُّ عليه الشَّمْسُ وهْيَ ضَعيفةٌ ... تطالِعُه مِنْ بَيْنِ ريشِ القَشاعِمِ
إذا ضَوْؤها لاقى مِنَ الطَّيْرِ فُرْجةً ... تَدَوَّرَ فوقَ البيضِ مِثْلَ الدَّراهِمِ
وقال:
يُطَمِّعُ الطَّيْرَ فيهم طولُ أكْلِهِمُ ... حتّى تكادَ على أحْيائِهِمْ تَقَعُ 

وقال أبو نواس:
تَتأيَّا الطَّيْرُ غُدْوتَه ... ثِقَةً بالشِّبعَِ مِنْ جَزَرِهْ
تأيَّا الشيء: قَصَدَ آيتَه، أي شَخْصَه. والجَزَر: قِطَعُ اللحم
 














مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید