المنشورات

تسلية المُنهزم

قال المتنبي يعتذرُ عن سيف الدولة في هزيمةٍ وَقَعتْ لجماعةٍ من جيشه:
قُلْ للدُّمُسْتُقِ إنَّ المُسلَمينَ لكُمْ ... خانوا الأميرَ فَجازاهُمْ بِما صَنَعوا
وجَدْتُموهُمْ نِياماً في دِمائِكُمُ ... كأنَّ قَتْلاكُمُ إيّاهُمُ فَجَعوا
لا تَحْسَبوا مَنْ أسَرْتُمْ كانَ ذا رَمَقٍ ... فلَيْسَ يأكُلُ إلا الميِّتَ الضَّبُعُ
وإنَّما عَرَّضَ اللهُ الجُنودَ بِكُمْ ... لِكَيْ يكونوا بلا فَسْلٍ إذا رَجَعوا
فكُلُّ غَزْوٍ إليكُمْ بَعْدَ ذا فلَه ... وكلُّ غازٍ لِسَيْفِ الدَّوْلةِ التّبَعُ
الدُّمستق: قائد جيش الروم؛ و: المُسلَمين - بفتح اللام -: الذين أسلَمهم سيفُ الدَّولة للعدوِّ لتخاذلِهم عَنْه، وقوله: وجدتموهم. . . ألبيت هو بيانٌ لما صَنعوا، وقوله: في دمائكم: أي في دماء قتلاكم وذلك أنهم تخلّلوا قتلى الروم فتلطّخوا بدمائِهم، وألقوا أنفسهم بينهم تشبُّهاً بهم خوفاً من الروم، ثم قال: كأنّهم كانوا مَفجوعين بقتلاكم فهم فيما بينهم يتوجّعون لهم. وقوله: لا تحسبوا من أسَرْتم. . . ألبيت، يقول: ليسَ لكم أن تفخروا 

بهؤلاء الذين أسرتم ولا تظنوهم كان فيهم رمقٌ - بقية حياة - وإنّما هم أموات، من الجبن والخوف، وأنتم لخِسَّتكم ودناءة نفوسكم لا تقدرون إلا على أمثالهم، كما أنّ الضَّبُعَ لا تفترس إلا الجثث الميّتة. وقوله: وإنما عرَّض الله. . . البيت يقول: إنّما خذل الله هؤلاء الجنود وجعلهم لكم عِرضة ليطهّر الله عسكرَ سيف الدولة من أمثالهم فيعودَ إليكم بجنودٍ أبطالٍ ليس فيهم فَسْلٌ ولا نذلٌ. وقوله: فكلُّ غزْوٍ إليكم. . . البيت يقول فكلّ غزوة إليكم بعد اليوم تكون له لا عليه لأنّ الأدنياء من جنوده قد أسِروا ولم يَبْقَ إلا المختارون من الأخيار، وكلُّ غازٍ تبعٌ له لأنه سيِّد الغزاة.
ولمَّا انهزم بعضُ القواد دخل عليه بعض الأفاضل فقال: الحمد لله الذي نظر لَنا عليك ولم
ينظر لك علينا، فقد تقدَّمْتَ للشهادةِ بجهدك ولكن علمَ اللهُ حاجَتنا إليكَ فأبقاك لنا.
 












مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید