المنشورات
العوامل السلبية والإيجابية في الصحافة:
إن نشر الإخبار له طابع إيجابي لأنه يعطي تحذيرا من الخطر المحدق بالمجتمع سواء من الداخل أو الخارج، مما يساعد على درء الخطر في الوقت المناسب، كما أنه يتيح للأفراد -من خلال النشر العام- فرصة متساوية للإحساس بالخطر والاستعداد لمواجهته. هذا فضلا عن أن نشر الأخبار ضروري لتحقيق الاحتياجات اليومية للمؤسسات في المجتمع كأخبار البورصة والأوراق المالية والأرصاد الجوية والملاحة البحرية والجوية. وهنا نجد أن هذه الأخبار تخدم الفرد والمجتمع على السواء، ما دامت الرفاهية الفردية متصلة بالرفاهية الاجتماعية. والصحيفة مصدر للمعلومات اليومية العادية، كبرامج الإذاعة والتليفزيون، وأخبار المودات والأزياء، والوفيات والأخبار الاجتماعية وغيرها.
ولا شك أن معرفة الأخبار تضفي هيبة واحتراما على الإفراد الذين يعرفونها، كما أن التركيز الصحافة على فرد من الأفراد كنشر صورته والتحدث عنه يضفي عليه هالة من الاحترام والتقدير. وهنا نجد أن الصحافة تلعب دورا خطيرا في محاسبة المنحرفين وكشف النقاب عن الخارجين على القانون والعرف والقيم، وإدانة المنتهكين للتقاليد والأخلاق. فكأن الصحافة تقوم بفضح السلوك المنحرف، وتنهض بمهنة الضبط الاجتماعي التي كان يقوم بها الاتصال الشخصي في المجتمعات الشفوية.
غير أن معرفة الأفراد بالأخبار قد تؤدي إلى انتشار اللامبالاة؛ لأنهم قد يتعودون أن المعرفة وحدها كافية، وأنه غير مطلوب منهم القيام بأي نشاط إيجابي فتنتشر السلبية بين الأفراد، وهذه ما تسمى أحيانا بظاهرة التخدير. وقد تؤدي الأخبار إلى تلقين المنحرفين أساليب السلوك العادي للمجتمع.
وإذا كانت الأخبار تعطي المعلومات للجماعات الفرعية كالجماعات السياسية الحاكمة، وتساعدها في محافظتها على السلطة، فإنها قد تؤدي من جهة أخرى إلى تقليل نفوذ تلك الجماعة الحاكمة، إذا ما تضاربت الأخبار عن الخسائر في وقت الحرب أو ادعاءات القادة بالنصر، أو حينما تهدف دعاية الأعداء عمدا إلى التهوين من شأن القادة والتقليل من قيمتهم في نظر شعوبهم.
والحقيقة أن نشر الأخبار قد ينطوي على خلق تطلعات جديدة وتوقعات مبالغ فيها كما حدث في ثورة التطلعات في العقد الخامس في هذا القرن، ثم تلتها حالة من التذمر والإحباط بعدما ثبت أن من الصعب سد هذه الاحتياجات وإرضاء تلك التطلعات والآمال.
وقد يكون وقع الأخبار سيئا للغاية عندما يتكرر التحذير فيصاب الناس بالذعر، كما أن الفرد قد يتحول باهتماماته إلى حياته الخاصة، ويولي ظهره تماما للأخبار العامة، إذا ما كانت مبالغة في كميتها بحيث تغرق الفرد في بحر هائل من المعلومات التي لا يستطيع أن يفعل حيالها شيئا. وهنا تنشأ حالة من التبلد الذهني والوجداني؛ إذ يكتشف الفرد أن كل ما يطلب منه هو أن ينفعل دون أن يفعل شيئا، وهذا هو جوهر الشخصية السلبية.
ولا شك أن للأخبار آثارها الحميدة في نقل الثقافة من مجتمع إلى آخر بغية التنوع والإثراء الحضاري، غير أن الأخبار التي تترك دون رقابة أو عناية قد تؤدي في نهاية الأمر إلى نوع من الغزو الثقافي، واجتثاث للثقافة الأصلية المضيفة للثقافة الوافدة.
وتأتي وظيفة التفسير والتوجيه لمساعدة الفرد على تجنب المبالغة في تقويم الأحداث، وكذلك في الإسراف الشديد في الحساسية. فالصحفي الحديث يعرف أنه مسئول عن وضع الأحداث في نسبها الحقيقية، وإعطاء الأخبار وزنها النسبي السليم. ومن الثابت أن أحكامنا السياسية والعامة لا تصدر نتيجة تأثرنا بالواقع الموضوعي وحده، وإنما تصدر أيضا عن فهمنا وتصورنا لهذا الواقع الموضوعي من خلال تأثرنا بالصحافة وغيرها من وسائل الإعلام. فالمؤثرات التي تحيط بالإنسان لا تكون السبب المباشر في الاستجابة للبيئة، ولكن معنى هذه المؤثرات، أو صورتها في ذهن الإنسان، هي التي تحدث الاستجابة. وقد تكون الأحداث أو الحقائق من الصعوبة بحيث لا تفهم إلا بعد تبسيطها وشرحها وتفسيرها، وهذا ما تقوم به الصحافة كوظيفة من أهم وظائفها.
غير أن تفسير الأخبار وتوجيه السلوك قد تكون له آثار سيئة؛ لأنه ربما يؤدي إلى التقليل من قيمة النقد الاجتماعي، وإلا تعرض النقاد لعقاب من الحكومة. وفي المجتمعات التجارية الرأسمالية ينأى النقاد عن أي توجيه إيجابي حرصا على عدم إغضاب أي فئة من الفئات الاجتماعية؛ خوفا من التأثير الاقتصادي السيئ كالمقاطعة مثلا. وقد يتأثر الفرد نفسه تأثير سيئا نتيجة للتعرض المستمر لوجهات النظر الموجهة، حتى يتعود على التلقي السلبي للمعاني، دون أن يعمل فكره، فتقتل حاسة النقد فيه.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)