المنشورات

مدح الدنيا

في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه: «الدنيا حلوة خضراء فمن أخذها بحقها بورك له فيها» «1» .
وذكر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الدنيا فقال: «هي دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، وهي مسجد أحبّاء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، وشوقت بسرورها الفاني إلى السرور الباقي، وحذرت ببلائها الماضي البلاء الغابر التالي، ترغيبا وترهيبا. فيا أيها الذام المغترّ بتغريرها، المنخدع لأباطيلها حتى غرتك، أبمصارع آبائك للبلا؛ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟» «2» .
فهذا أحسن ما روي في مدحها. وقال ابن المعتز في رسالة له:
«الدنيا دار التأديب، والتعريف، ومضمار التهذيب والتثقيف، التي بمكروهها يوصل إلى محبوب الآخرة، وميدان الأعمال السابقة بأصحابها إلى الجنان، ودرجة الفوز التي يرقى فيها المتقرب إلى دار الخلد والرضوان، وهي الواعظة لمن عقل، والناصحة لمن قبل، وبساط المهل، ورباط العمل، وقاصمة الجبارين، وملحقة الرغم بمعاطس المتكبرين، وكاسية التراب أبدان المختالين، وصارعة المغترّين، ومصرعة المعتزين، ومفرقة أموال الباخلين، وقاتلة القتالين، والعادلة بالموت على العادلين، ومهبط القرآن المبين، ومسجد العابرين، وأم البنين، وناصرة المؤمنين، ومبيدة الكافرين، والحسنات فيها مضاعفة، والسيئات بآلامها ممحوة، ومع عسرها يسران، والله تعالى ضمن أرزاق أهلها، وأقسم في كتابه بما فيها، ورب طيبة من نعيمها قد حمد الله تعالى عليها، فتلقتها أيدي الكتبة، ووجبت بها الجنة، ورب مال من زينتها وجه إلى معروفها فكان جوازا على الصراط، وكم نائبة من نوائبها، وحادثة من حوادثها، قد راضت الفهم، ونبهت الفطنة، وأذكت القريحة، وأفادت فضيلة الصبر، وكثرت ذخائر الأجر» .
وقيل لعلي- رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين ألا ترى حرص الناس على الدنيا؟! فقال: هم أبناؤها «1» . فأخذ هذا المعنى محمد بن وهيب الحميري «2» وقال:
نراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض «3» الدنيا فنلهو ونلعب
وقد ضمت الدنيا إليّ صروفها «4» ... وخاطبني إعجامها وهو معرب 

ولكننا منها خلقنا لغيرها «1» ... وما كنت منه فهو شيء محبّب
وقال أبو العتاهية:
ما أحسن الدنيا وإقبالها ... إذا أطاع الله من نالها
من لم يواس الناس من فضلها ... عرّض للإدبار إقبالها
وقال محمود الوراق:
هي الدنيا وزخرفها ... ولكن ما مصائرها
لئن غرت منابرها ... فقد وعظت مقابرها
وإن غشّت مواردها ... فقد نصحت مصادرها
قال: وأنشدني أبو عبد الله محمد بن حامد الخوارزمي «2» لبعضهم:
تذم دنيا إن تأملتها ... وجدت منها ثمن الجنة
وقال عبد الملك بن صالح «3» : «ما جمشت الدنيا بأظرف من النبيذ» . فنظمه أبو محمد بن مطران الشاشي «4» :
ألا إن دنياك معشوقة ... يغاد بها كلّ عيش لذيذ 

ولكنها قط ما جمشت ... من الملهيات بمثل النبيذ
وقلت في كتاب المبهج «1» : الدنيا معشوقة ريقها الراح. 









مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید