المنشورات

ذم الدنيا

قال بعض الحكماء: الدنيا غدارة غرارة إن بقيت لها لم تبق لك.
وقال آخر: واجد الدنيا سكران، وفاقدها حيران.
وقال آخر: أف من أشغال الدنيا إذا أقبلت، ومن حسراتها إذا أدبرت.
وقال آخر: إن الدنيا ليست تعطيك لتسرك، ولكن لتغمك وتغرك.
وقال آخر: الدنيا أشبه شيء بظل الغمام وحلم النيام.
وقال الحسن «2» : حلالها حساب، وحرامها عقاب.
وقال يحيى بن معاذ «3» : الدنيا خمر الشيطان فمن شرب منها سكر فلم يفق إلا في عسكر الموتى نادما خاسرا، وقال أيضا: الدنيا جارية زانية ولو كانت عفيفة لم يقربها أحد. 

وقال عبادة «1» : الدنيا قحبة فيوما عند عطار، ويوما عند بيطار.
وقال ابن السماك «2» : الدنيا كالعروس المجلوة تشرفت لخطابها، وفتنت بغرورها، فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والأبدان لها عاشقة، وهي لأزواجها قاتلة.
وقال ابن المعتز: أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام.
وقال آخر: خير الدنيا حسرة، وشرها ندم.
وقال آخر: مصائب الدنيا أكثر من نبات الأرض.
وقال المأمون: لو نطقت الدنيا ما وصفت نفسها بأحسن من قول أبي نواس:
وما الناس إلا هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق «3»
وقد ألم به ابن بسام «4» بقوله:
أف لدنيا وأيامها ... فإنها للحزن مخلوقه 
غمومها لا تنقضي ساعة ... عن ملك فيها ولا سوقه
يا عجبا منها ومن شأنها ... عدوة للناس معشوقه
ومن الأمثال السائرة فيها قول مسلم بن الوليد الأنصاري «1» :
دلّت على عيبها الدنيا وصدّقها ... ما استرجع الدّهر مما كان أعطاني «2»
وقال ابن الرومي:
لما تؤذن الدّنيا من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه فيها وأنها ... لأفسح ممّا كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يهدّد «3»
وقال المتنبي:
أبدا تستردّ ما تهب الدني- ... - افيا ليت جودها كان بخلا 

وهي معشوقة على الغدر لا تح- ... - فظ عهدا ولا تتمّم وصلا
شيم الغانيات فيها فما أد ... ري لذا أنّث اسمها الناس أم لا «1»
وقال آخر:
أفّ للدّنيا الدّنيّه ... خبثت فعلا ونيّه
عيشها بدؤه هم ... وفي عقباه المنيّه «2»
وقلت من قصيدة:
تسلّ عن الدنيا ولا تخطبنها ... ولا تنكحن قتالة من تناكح
فليس يفي مرجوها بمخوفها ... ومكروهها إن تدبرت راجح
لقد قال فيها الواصفون فأكثروا ... وعندي لها وصف لعمري صالح
سلاف قصاراه ذعاف ومركب ... شهي إذا استلذذته فهو جامح
وشخص جميل يعجب الناس حسنه ... ولكن له أسرار سوء قبائح 

وقال آخر:
هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من بطشي وفتكي
فلا يغرركم طول ابتسامي ... فقولي مضحك والفعل مبكي
وقلت في الكتاب المبهج: نسيم الدنيا يقصر عن سمومها، وأغذيتها لا تفي بسمومها، وفيه: ساكن الدنيا راحل، وأنفاسه رواحل، وأيامه مراحل، وفيه: الدنيا عروس تعتال الأخدان، وتختان الأختان، وفيه: أمر الدنيا أمر، وتحت بشرها غمر. وفيه:
إقبال الدنيا كإلمامة ضيف، أو سحابة صيف، أو زيارة طيف.
وفيه: هبات الدنيا منغصة بأحداثها، وقصورها مبغضة بأجداثها.
وفيه: صاحب الدنيا بين العسل والصاب، والصحة والأوصاب، وفيه: المرء من دنياه بين أماني ممدودة، وعواري مردودة. 










مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید