المنشورات

مدح العقل

قال الله تعالى في شأن تعظيم العقل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
إلى قوله: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
«1» ، وقال جل ذكره: اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ
«2» ، وقال عز اسمه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ*
«3» . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس يعملون الخيرات، وإنهم يعطون أجورهم يوم القيامة على قدر عقولهم» «4» ، وقيل له عليه الصلاة والسلام في الرجل الحسن العقل الكثير الذنوب، فقال: «ما من آدمي إلا وله خطايا وذنوب، فمن كانت سجيته العقل لم تضره ذنوبه، لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة تمحو ذنوبه وتدخله الجنة» «5» .
وقال سعيد بن المسيب في قوله عز وجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ
«6» يعني ذوي عقل. 

وقال مجاهد في قوله تعالى جده: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ
«1» أي عقل.
وقال الضحاك في قوله جل ثناؤه: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
«2» .
أي عاقلا «3» .
وقال الحسن: العقل هو الذي يهدي إلى الجنة ويحمى عن النار لقوله عز وجل حكاية عن أهل النار: وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ
«4» .
وقال حكيم: لا مال أعوز من العقل. وقيل: العقل أشرف الأحساب، وما عبد الله بمثل العقل. وقال آخر: العقل أحصن معقل. وقال آخر: أشد الفاقة عدم العقل. وقال آخر: كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل، فإنه كلما كثر غلا. ومن فصول ابن المعتز: العقل غريزة يربيها التجارب، ومنها: حسن الصورة الجمال الظاهر، وحسن العقل الجمال الباطن، ومنها: ليست الصورة الإنسان إنما الإنسان العقل، ومنها: ما أبين وجوه الخير والشر في مرآة العقل إن لم يصدأها الهوى، ومنها: العقل صفاء النفس والجهل كدرها.
وفي كتاب «رهن العيون في الجد والمجون «5» في مدح العقل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم عليّ منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب، ثم قال: لو أن رجلا قاتل في سبيل الله وحج واعتمر وغزا لما دخل الجنة إلا بمقدار عقله» .
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه: العقل قرة عين، والجهل رائد حين. وقبل: رغبة العاقل فيما يكفيه، وهم الجاهل فيما لا يعنيه. وقيل: من اتعظ بأبلغ العظات، نظر إلى محلة الأموات، ومصارع الآباء والأمهات، وقلّت فكرته في الشهوات.
باب ذم العقل
كان يقال: العقل والهم لا يفترقان. وقال ابن المعتز:
وحلاوة الدنيا لجاهلها ... ومرارة الدنيا لمن عقلا
ومن قصار فصول ابن المعتز: العاقل لا يدعه ما ستر الله من عيوبه، يفرح بما أظهره الله من محاسنه. وله فصل يليق بهذا الباب في نهاية الحسن: العقل كالمرآة المجلوة يرى صاحبه فيها مساوىء نفسه فلا يزال في صحوه مهموما متعذر السرور، فإذا شرب صدىء عقله بمقدار ما يشرب، فإن أكثر منه غشيه الصدأ كله حتى لا تظهر له صورة تلك المساوىء فيفرح ويمرح، والجهل كالمرآة الصديئة أبدا فلا يرى صاحبه إلا مسرورا أبدا نشطا قبل الشرب وبعده.
ومن قلائد المتنبي قوله:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم «1»
قال أبو الفتح بن جني هذا كقولهم: ما سرّ عاقل قط. ولما عزل عمر بن الخطاب زيادا عن عمل كان يتولاه له، قال له زياد: يا أمير المؤمنين أمن عجز أو خيانة؟ فقال: لا من أحدهما، ولكني كرهت أن أحمل على الناس فضل عقلك. وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: لو كان للناس كلهم عقول لخربت الدنيا. وقال آخر: لولا الحمقى لبطل العالم. وقال بعضهم: لو كان الناس كلهم عقلاء ما أكلنا رطبا ولا شربنا عذبا، يعني أن العقلاء لا يقدمون على صعود النخيل لاجتناء الرطب، ولا حفر الآبار لاستنباط الماء البارد العذب وينشد:
لما رأيت الدهر دهر الجاهل ... ولم أر المغبون غير العاقل
شربت خمرا من خمور بابل ... فصرت من عقلي على مراحل 










مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید