المنشورات

مدح الخط والقلم

يقال: القلم أحد اللسانين. وقال اقليدس: القلم صانع الكلام يفرغ ما يجمعه القلب، ويصوغ ما يسكبه اللب؛ وقال أيضا: الخطّ هندسة روحانية وإن ظهرت بآلة جسمانية؛ وقال أفلاطون: الخط عقل العقل. وقال جعفر بن محمد، رضي الله عنهما: لم أر باكيا أحسن تبسما من القلم «1» ؛ وقال المأمون: لله در القلم كيف يحوك وشي المملكة؛ وقال ثمامة «2» : ما أثرته الأقلام، لا تطمع في دروسه الأيام؛ وقال ابن المعتز: القلم مجهز لجيوش الكلام يخدم الإرادة، ولا يمل الاستزادة، كأنه يفتح باب بستان، أو يقبل بساط سلطان؛ وقيل: الأقلام مطايا الأوهام فامتطوها يطّرد لكم الكلام، ويسهل بجريها النظام.
ويقال: عقول الرجال تحت أسنة أقلامها «3» ؛ وعن بعض الفلاسفة أنه قال: صورة الخط في الأبصار سواد، وفي البصائر بياض.
وقال مؤلف الكتاب: قد نوّه الله باسم الكتابة وعظم من شأنها إذ أضافها إلى نفسه جل ذكره، وإن لم تكن تلك الإضافة من النوع الذي يضاف إلى خلقه، ولا راجعة بوجه من الوجوه إلى شبهه، إلا أنه دلنا بها على علو رتبتها وشرف منزلتها، فقال عز من قائل:
وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ
«1» . وقال تعالى جده: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
«2» ، وقال سبحانه: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي
«3» . وجعل جل جلاله من ملائكته كتبة سفرة، وهم أرفع الخلق درجة وقال عز ذكره: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ
«4» ، وقال تعالى: وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ
«5» ، وقال جل ذكره: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ
«6» ، ومعلوم أنه لو لم تكتب أعمال العباد كانت محفوظة لا يتخللها خلل، ولا يتداخلها نسيان ولا زلل، لكنه علم، عز اسمه، أن نسخ الكتاب أبلغ في التحذير، وأوكد في الإنذار، وأهيب في الصدور، وأراد تعريف عباده فضيلة الخط والكتابة واقسم، عز اسمه، بالآلة التي تتهيأ بها الكتابة، وهي القلم، فقال: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ
«7» ، كما أقسم بالأشياء الجليلة الأقدار، الكبيرة الأخطار في نفوس عباده وعيون بلاده، كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض؛ وذاكرت في هذا أبا الفتح البستي فأنشدني لنفسه: 

إذا افتخر الأبطال يوما بسيفهم ... وعدّوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب فخرا ورفعة ... مدى الدّهر أنّ الله أقسم بالقلم
وفي رسالة، لمؤلف الكتاب أوردها في كتاب النظم والنثر وحل عقد السحر «1» للمجلس الرفيع، أولها في طريق اللغز وأخرها في مدح القلم: ما أصم سميع، أخرس بليغ، ضعيف قوي، مهين عزيز، دقيق الجسم جليل الفعل، نحيل الشخص، سمين الخطب، حقير المنظر، شهير المخبر، صغير الجرم عظيم الجرم ... إلخ؛ وقال ابن المعتز:
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... يفتح نورا أو ينظّم جوهرا
وقال كشاجم:
وإذا نمّمت بنانك خطا ... معربا عن ملاحة وسداد
عجب الناس من بياض معان ... تجتلى من سواد ذاك المداد
وقال البستي:
إن هزّ أقلامه يوما ليعملها ... أنساك كلّ كمي هزّ عامله
وإن أقر على رق أنامله ... أقرّ بالرق كتّاب الأنام له 











مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید