المنشورات
مدح الشعر والشعراء
كان يقال: الشعر ديوان العرب «1» ، ومعدن حكمتها وكنز أدبها.
ويقال: الشعر لسان الزمان، والشعراء للكلام أمراء «2» . وقال بعض السلف: الشعر أدنى مروءة السرى، وأسرى مروءة الدنى. وقال آخر: الشعر جزل من كلام العرب تقام به المجالس، وتستحج به الحوائج، وتشفى به السخائم. ويقال: المدح مهزة الكرام وإعطاء الشاعر من بر الوالدين «3» . وقال بعضهم: أنصف الشعراء، فإن ظلامتهم تبقى، وعقابهم لا يفنى، وهم الحاكمون على الحكام.
وقال آخر: الشعر الجيد هو السحر الحلال، والعذب الزلال.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا «4» » . وعنه عليه الصلاة والسلام: «أصدق كلمة قالها الشاعر قول لبيد «5» : ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل. وقال له النبي، عليه الصلاة والسلام: صدقت. ثم قال: وكلّ نعيم لا محالة زائل. قال النبي، عليه الصلاة والسلام: كذبت نعيم الجنة لا يزول.
وقال بعضهم: ربّ بيت شعر خير من بيت تبر. وكان عمر، رضي الله عنه، لا يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر. وكان يقال: النثر يتطاير تطاير الشرر، والشعر يبقى بقاء النقش في الحجر. وقال آخر: الشعر صوب العقول، وكلام الفحول. وقيل لحمزة بن بيض: من أشعر الناس؟ قال: من إذا قال أسرع، وإذا وصف أبدع، وإذا مدح رفع، وإذا هجا وضع.
وقال دعبل في كتابه الموضوع في مدح الشعراء: إنه لا يكذب أحد إلا اجترأه الناس فقالوا: كذاب إلّا الشاعر فإنه يكذب ويستحسن كذبه، ويحتمل ذلك له ولايكون عيبا عليه، ثم لا يلبث أن يقال: أحسنت. وفيه أن الرجل الملك أو السوقة إذا صير ابنه في الكتاب أمر معلمه أن يعلمه القرآن والشعر، فيقرنه بالقرآن ليس لأن الشعر كهو، ولا كرامة للشعر، لكنه من أفضل الآداب، فيأمره بتعليمه إياه لأنه توصل به المجالس، وتضرب فيه الأمثال، وتعرف به محاسن الأخلاق ومشاينها، فتذم وتحمد، وتهجي وتمدح، وأيّ شرف أبقى من شرف يبقى بالشعر.
وفيه أن أمرأ القيس كان من أبناء الملوك وكان من أهل بيته وبني أبيه أكثر من ثلاثين ملكا فبادوا وباد ذكرهم وبقي ذكره إلى القيامة، وإنما أمسك ذكره شعره.
وقال مؤلف الكتاب: وأحسن ما مدح به الشعر قول أبي تمام حيث يقول:
ولولا خلال سنّها الشعر ما درى ... بنات المعالي كيف تبنى المكارم
وأحسن منه:
أرى الشعر يحيي الجود والباس بالذي تبقيه أرواح له عطرات وما المجد لولا الشعر إلا معاهد ... وما الناس إلا أعظم نخرات
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتجز وينشد بيت طرفة ولا يقيم وزنه «1» .
فصل لأبي بكر الخوارزمي «2» جامع في مدح الشعراء: ما ظنك بقوم الاقتصاد محمود إلّا منهم، والكذب مذموم ومردود إلا فيهم، إذا ذموا ثلموا، وإذا مدحوا سلبوا، وإذا رضوا رفعوا الوضيع، وإذا غضبوا وضعوا الرفيع، وإذا أقروا على أنفسهم بالكبائر لم يلزمهم حد، ولم تمتد إليهم بالعقوبة يد، غنيهم لا يصادر، وفقيرهم لا يستحقر، وشيخهم يوقر، وشابهم لا يستصغر، وسهامهم تنفذ في الأعراض، وشهادتهم مقبولة وإن لم ينطق بها سجل، ولم يشهد بها عدل، وسرقتهم مغفورة وإن جاوزت ربع دينار، وبلغت ألف قنطار، إن باعوا المغشوش لم يرد عليهم، وإن صادروا الصديق لم يستوحش منهم، بل ما ظنك بقوم هم صيارفة أخلاق الرجال، وسماسرة النقص والكمال، بل ما ظنك بقوم اسمهم ناطق بالفضل، واسم صناعتهم مشتق من العدل، بل ما ظنك بقوم هم أمراء الكلام يقصرون طويله ويطولون قصيره، يقصرون ممدوده، ويخففون ثقيله، ولم لا أقول ما ظنك بقوم: يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ
وفِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ
ويَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
«3» .
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)