المنشورات

ذم الشعر والشعراء

كان يقال: الشعر رقية الشيطان، ولذلك قال جرير وهو يمدح عمر بن عبد العزيز ويصف ترفعه عن استماع الشعر:
رأيت رقى الشيطان لا يستفزّه ... وقد كان شيطاني من الجنّ راقيا
وقيل ليحيى بن خالد: لم لا تقول الشعر؟ فقال: شيطانه أخبث من أن أسلطه على عقلي. وقال غيره: لا خير في شيء أحسنه أكذبه. وكان أبو مسلم يقول: إياكم والشعراء، فإنهم يهجون جليسهم، ويطلبون على الكذب مثوبة وجعلا. وقال غيره: لا تجالس الشاعر فإنه إذا غضب عليك هجاك، وإذا رضي عنك كذب عليك. وقد وصفهم الله تعالى ومتبعيهم من رواتهم بالصفة الخاصة بهم فقال: الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ
«1» الآية، وقرنهم بشر صنف من منتحلي الأباطيل وهم الكهنة، فقال: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ
«2» ، ومن أحسن وأصدق ما ذم به الشاعر قول عبد الصمد بن المعدل لأبي تمام وقد قصد البصرة وشارفها:
أنت بين اثنتين تبرز للنا ... س وكلتاهما بوجه مذال
لست تنفكّ طالبا لوصال ... من حبيب أو راغبا في نوال
أيّ ماء لحرّ وجهك يبقى ... بين ذلّ الهوى وذلّ السؤال «3» 

فلما بلغت الأبيات أبا تمام قال: صدق الله وأحسن، وثنى عنانه عن البصرة، وحلف لا يدخلها أبدا. وقال أبو سعيد المخزومي:
الكلب والشاعر في حالة ... يا ليتني لم أكن شاعرا
أما تراه باسطا كفّه ... يستطعم الوارد والصادرا
ولبعضهم:
إني أرى الشعراء أفنوا دهرهم ... في وصف كلّ حبيبة وحبيب
وسواهمو يحظى بما وصفوا له ... فهموا كما القوّاد في الترغيب
لكن ترى القوّاد يظفر بالعطا ... وهمو بمقت الله والتكذيب
وقال أبو سعيد الرستمي الأصبهاني:
تركت الشعر للشعراء إني ... رأيت الشعر من سقط المتاع «1»
قيل: إن ظفر بن سعيد كان أديبا فاضلا لبيبا، كتب على حاشية الكتاب هذين البيتين، وأخذته غيرة الأدب فقال: كذب قائل هذا الشعر لقد وهم فيما شبه: إذا كان الكلب يلقى إليه لقائط الموائد، وهذا يخص بأنواع الفرائد، وذاك يطعم رحمة، وهذا يعطى خشية، وله من الفضائل ما يقرع طباع اللئيم ويهز عطف الكريم، ويستدل بصناعته على جواهر المعاني ولو قال هذين البيتين لأصاب وأنصف:
يمدح أقواما يرجي الغنا ... وإنما يحرك في نحسه
يكذب في المدح ويعطونه ... وعدا ويقضى الدين من جنسه 










مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید