المنشورات

مدح الكتب والدفاتر

قال الجاحظ: الكتاب وعاء ملىء علما، وظرف حشي ظرفا، وإناء شحن مزاحا وجدّا؛ وإن شئت كان أعيا من باقل، وإن شئت كان أبلغ من سحبان وائل، وإن شئت ضحكت من نوادره، وإن شئت عجبت من غرائبه، وإن شئت ألهتك مضاحكه، وإن شئت أشجتك مواعظه. فالكتاب نعم الظهر والعمدة، ونعم الكنز والعدة، ونعم الذخر والعقدة ونعم النزهة والعشرة، ونعم الشغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير النزيل. وهو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، والمستبيح الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستطيلك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك. وهو الذي يعطيك بالليل طاعته بالنهار، ويفيدك في السفر إفادته في الحضر، لا يعتل بنوم ولا ضجر، ولا يعتريه كلال سهر، وهو المعلم الذي افتقرت إليه لم يحتقرك، وإذا قطعت عنه المادة والمائدة لم يقطع عنك العادة والعائدة، وإن هبت ريح أعدائك لم ينقلب عليك وإن قلّ مالك لم يترك زيارتك.
ثم قال: متى رأيت بستانا يحمل في ردن، وروضة تقل في حجر، ينطق عن الأموات، ويترجم كلام الأحياء، ومن لك بواعظ مله، وبزاجر مغر، وبناسك فاسق، وبساكت ناطق، وبحار بارد، وبطبيب أعرابي، وبرومي هندي، وبفارسي يوناني، وبقديم مولد، وبميت ممتع.
ثم قال: ولولا ما وسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت في عجائب حكمتها، ودونت من محاسن سيرها، وفتنت من بدائع أثرها، حتى شاهدنا ما غاب عنا، وفتحنا كل مستغلق علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم ندركه إلّا بهم.
ثم قال: ولولا الكتب المدونة، والأخبار المفننة لبطل أكثر العلم، ولغب سلطان النسيان سلطان الفهم «1» .
وقال مؤلف الكتاب: حدثني صديق لي قال: قرأت على شيخ كتابا فيه مآثر غطفان، فقال: ذهبت المكارم إلا من الدفاتر، قال:
وسمعت الحسن اللؤلؤي يقول: عبرت أربعين عاما ما قلت ولا بت إلا والكتاب موضوع على صدري. وقال المؤلف: وكثيرا ما أذكرني آكل الوجبة وأنا أنظر في كتاب جديد وقع إليّ ولا أصبر عنه إلى وقت فراغي من الأكل؛ وسمعت أبا نصر سهل بن المذمال يقول: كثيرا ما أفعل مثل ذلك، وكان يقول: إنفاق الفضة على كتب الآداب يخلف عليك ذهب الألباب.
وقال الحسن بن طباطبا العلوي في بعض الكتب: الكتب حصون العقلاء إليها يلجأون، وبساتينهم بها يتنزهون، وقال:
اجعل جليسك دفترا في نشر ... للميت من حكم العلوم نشور 

وكتاب علم للأديب مؤانس ... ومؤدب ومبشر ونذير
ومفيد آداب ومؤنس وحشة ... وإذا انفردت فصاحب وسمير
وللمتنبي:
أعزّ مكان في الدنا سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب 











مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید