المنشورات
مدح الدور والأبنية
كان يقال: جنة الرجل داره، وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر:
يا بني دارك قميصك فوسعه كيف شئت. وذكر الأحنف الدور فقال:
لتكن أول ما يشترى وآخر ما يباع، وقيل لبعض الناس: ما السرور؟ فقال: دار قوراء، وامرأة حسناء، وفرس مرتبط بالغناء.
وينشد:
ومن المروءة للفتى ... ما عاش دار فاخره
فاقنع من الدنيا بها ... واعمل لدار الآخره
وكان يقال: دار الرجل عشه، وفيها يطيب عيشه. وقال السلامي «1» في كتابه «نتف الظرف» : الدور للناس كالعش للطير والأوجرة للوحش، والحجرة للحشرات، ودار الرجل مأوى نفسه، وموضع أمنه ومسكن قلبه، ومجمع أهله، ومحرز ملكه، ومأنس ضيفه، وملتقى صديقه وعدوّه، فلا شيء أصعب على الناس من خروجهم من ديارهم؛ وقد قرن الله تعالى الخروج منها بالقتل حيث قال: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ
«2» . وقال المتوكل لأبي العيناء: كيف ترى دارنا هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين رأيت الناس يبنون الدور في الدنيا، وأنت بنيت الدنيا في دارك. وقال بعض الأشراف لابنه: يا بني حسّن أثرك في هذه الدنيا بالبناء الحسن، واسمع قول الشاعر:
ليس الفتى بالذي لا يستصاء به ... ولا يكون له في الأرض آثار
ولا تنس قول الآخر:
إنّ آثارنا تدلّ علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
ومن أحسن ما قيل في بناء الملوك قول علي بن الجهم «1» :
وما زلت أسمع أنّ الملو ... ك تبني على قدر أخطارها
فلما رأيت بناء الاما ... م رأيت الخلافة في دارها
وكان جعفر بن سليمان الهاشمي يقول: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة، وداري عين المربد. ومن أحسن ما سمع في التهنئة بالدور قول أبي القاسم الزعفراني في الصاحب «2» :
سرّك الله بالبناء الجديد ... نلت حال الشكور للمزيد
هذه الدار جنّة الخلد في الدنيا فصلها واختصّها بالخلود ولمؤلف الكتاب في الأخشيد بجرجانية:
وقصر ملك ترى كلّ الجمال به ... وأسعد الدهر تبدو من جوانبه
كأنّه جنّة الفردوس قد نزلت ... إلى خوارزم تعجيلا لصاحبه
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)