المنشورات

مدح القلة

سمع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقول: اللهم اجعلني من الأقلين، فقال: ما هذا الدعاء؟ فقال: سمعت الله يقول: وَقَلِيلٌ ما هُمْ
«1» وقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ
«2» ، وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ
«3» .
وقال بعض العلماء: إن الكثرة ليست بممدوحة في كتاب الله عز وجل، وإنما الممدوح الأقلون، لأنا سمعنا الله يثني على أهل القلة ويمدحهم، ويذم أهل الكثرة ويوبخهم. حيث يقول عز من قائل:
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ
«4» ، ويقول: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ
«5» ، ويقول: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا
«6» ، ويقول جل ذكره حكاية عن إبليس: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا
«7» ، ويقول جل جلاله في ذم الكثرة: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً
«1» ، ويقول:
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
«2» . ويقول: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ*
«3» . ويقول: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ
«4» .
ويقول: وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ
«5» . ويقول: وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ
«6» ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ
«7» . ويقول: وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ
«8» . ويقول: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ
«9» .
وقال الشاعر «10» :
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا ... فقلت لها إنّ الكرام قليل
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل 

وقالت الفلاسفة: كل كثير عدوّ للطبيعة. وقالت الأطباء:
الإقلال مما يضر، خير من الإكثار مما ينفع. وقال إسحق الموصلي:
هل إلى نظرة إليك سبيل ... فيروي الظما ويشفي الغليل
إنّ ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثير من الحبيب القليل
وقال الإمام جعفر الصادق، رضي الله تعالى عنه: لا تستح من إعطاء القليل فكل فوائد الدنيا قليل، والحرمان أقل منه. وقال الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل 










مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید