المنشورات
مدح اللسان
كان يقال: ما الإنسان لولا اللّسان إلا صورة ممثّلة، أو ضالة، أو بهيمة مرسلة.
وقال بعض الحكماء: المرء بأصغريه قلبه ولسانه، إن نطق نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان. وقال الجاحظ: اللسان أداة يظهر به البيان، وشاهد يعبر عن الضمير، وحاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهي عن القبيح، ومبشر ترد به الأحزان، ومعتذر تذهب به الأضغان، ومله يونق الأسماع، وزارع يحرث المودة، وحاصد يستأصل العداوة، وشاكر يستوجب المزيد، ومؤنس يسلي الوحشة. ويقال: المرء مخبوء تحت طي لسانه، لا تحت طيلسانه.
وقال بعض العلماء البلغاء: للسان فضائل معدومة في الجوارح، ودرجته عالية على درجاتها، لما خصه الله به من النطق والبيان وأنطقه بالذكر والقرآن، وأنشد «1» :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللّحم والدّم
فكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التّكلّم
ومن أحسن ما قيل في اللسان والبراعة قول إبراهيم بن شاه في أبي مسلم:
لسان محمد أمضى غرارا ... وأنفذ من ظبا السيف الحسام
إذا ارتجل الكلام بدا خليج ... بفيه يمدّه بحر الكلام
كلام بل مدام بل نظام ... من الياقوت بل حبّ الغمام
وقال آخر:
وما المرء إلا أصغريه لسانه ... ومقوله والجسم خلق مصور
فإن نظرة راقتك فاحذر فربما ... أمر مذاق العود والعود أخضر
إعلم أن كمال العالم هو الإنسان، وكمال الإنسان هو اللسان، وجماله هو البيان.
نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى عمه العباس رضي الله عنه فتبسم، فقال له: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ فقال: «أعجبني جمالك يا عم» ، فقال: أين موضع الجمال مني؟ فأشار إلى لسانه «1» . وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «جمال الرجل فصاحة لسانه» «2» .
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)