المنشورات
مدح المشورة
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المستشار بالخيار، وإن شاء قال، وإن شاء سكت» . وقال عليه الصلاة والسلام أيضا:
«المستشار مؤتمن» «1» . وقال الحسن البصري: إن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام بالمشورة، لا من حاجة منه إلى آرائهم، وإنما أراد عز اسمه أن يعلمنا ما في المشورة من الفضيلة، حيث قال: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
«2» ، يعني أن الإنسان لا يستغني عن مشورة نصيح له، كما أن القوادم من ريش الجناح تستعين بالخوافي منه. قال بشار:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصاحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فريش الخوافي تابع للقوادم
قال الأصمعي: قلت لبشار: رأيت رجال الرأي يتعجبون من أبياتك في المشورة، فقال: أو ما علمت أن المشاور بين إحدى الحسنيين، صواب يفوز بثمرته، أو خطأ يشارك في مكروهه، فقلت له: أنت والله في هذا الكلام أشعر منك في شعرك. وقال الجاحظ:
المشورة لقاح العقول، ورائد الصواب، والمستشير على طرف النجاح، واستنارة المرء برأي أخيه، من عزم الأمور وحزم التدبير، وقد أمر الله تعالى أكمل الخلق لبا، وأولاهم بالإصابة عزما، فقال لرسوله الكريم عليه السلام في كتابه الكريم: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
«1» .
وقال حكيم: إذا شاورت العاقل صار عقله لك «2» . ويقال:
أول الحزم المشورة. وقال العتابي: المشورة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه «3» .
وقال ابن المعتز: المشورة راحة لك، وتعب لغيرك. وقال أيضا: من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحا، وعند الخطأ عاذرا. وقلت في المبهج: ثمرة رأي الأديب المشير، أحلى من رأي المشور. ولبعضهم: لا تشاور الجائع حتى يشبع، ولا الغضبان حتى يهجع، ولا الأسير حتى يطلق، ولا المضل حتى يجد، ولا الراغب حتى ينجح. وقال بعض الحكماء: ما خاب من استشار ولا ندم من استخار «4» . وقال صالح بن عبد القدوس:
ومن الرجال من استوت أحلامهم ... من يستشار إذا استشير فيطلق
حتى يجول بكل واد قلبه ... فيرى الصواب بها يشير فينطق
إن الأديب إذا تفكّر لم يكد ... يخفى عليه من الأمور الأوفق
فهناك تشعب ما تفاقم صدعه ... ويداك ترتق كلّ أمر يفتق
وإذا استشرت ذوي العقول فخيرهم ... عند المشورة من يحن ويشفق
وكان يقال: نصف عقلك مع أخيك فاستشره. وكان يقال: ما استنبط الصواب بمثل المشورة، ولا خصبت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر. وكان يقال: لا يستقيم الملك بالشركاء، ولا يستقيم الرأي بالتفرد به.
وقيل: شاور قبل أن تقدم. وقال عبد الملك بن مروان: لأن أخطىء وقد استشرت، أحب إليّ من أن أصيب وقد استبددت برأي من غير مشورة. وقال سليمان بن داود عليهما السلام لابنه: لا تقطعن أمرا حتى تشاور مرشدا، فإنك إذا فعلت ذلك لم تحزن عليه. وقيل للنبي عليه الصلاة والسلام: ما الحزم؟ قال: «أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره» «1» . وقال عليه الصلاة والسلام: «لم يهلك امرؤ عن مشورة» «2» . وقيل: مكتوب في التوراة: من ملك استأثر، ومن لم يستشر يندم، والحاجة الموت الأكبر والهم نصف الهرم. وقال الشاعر:
نصحت لذي جهل وقلت لعلّه ... بنصحي له من نومه يتنبه
فما نجعت فيه النصائح منجعا ... وهل يبرىء الكهان من هو أكمه
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)