المنشورات
مدح السواد
أحسن ما قيل فيه قول أبي يوسف القاضي، وقد جرى بين يدي الرشيد ذكر السواد من الألوان: يا أمير المؤمنين، من فضائل السواد: أنه لم يكتب كتاب إلا به حتى كتاب الله تعالى.
وكان يقول: النور في السواد؛ يعني سواد الناظر. وقد أكثر الشعراء في مدح السواد ووصفه، فمن أحاسنه قول أبي حفص في جارية له:
أشبهك المسك واشبهته ... قائمة ما كنت أو قاعده
لا شك إذ عرفكما واحد ... أنّكما من طينة واحده
وقال ابن العبسي:
إن سعدى- والله يكلأ سعدى ... ملكت بالسواد رقّ سوادي
أشبهت ناظري وحبّة قلبي ... فهي في العزّ ناظري وفؤادي
لن يرى الناظرون شيئا وأن أش- ... - رق حسنا إلا بنور السواد
وقال بعض الكتّاب في غلام أسود:
قالوا عشقت من البرية السودا ... مهلا علقت بأضعف الأسباب
فأجبتهم ما في البياض فضيلة ... وأرى السواد نهاية الطلاب
أهوى السواد لأن شيبي أبيض ... يردي الفتى وأحب لون شبابي
وكذاك في الكافور برد قاطع ... والمسك أصبح سيد الأطياب
وبه تزين كفّ كلّ خريدة ... وبه تتمّ صناعة الكتّاب
والله ألبس أهل بيت محمد ... لون السواد فكف عنك عتابي
وقال ابن الرومي، وزاد عليه:
غصن من الآبنوس ركب في ... مؤتزر «1» معجب ومنتطق
سوداء لم تنتسب إلى برص الشقر ولا لمعة من البهق «2»
أكسبها الحبّ أنها صبغت ... صبغة حبّ القلوب والحدق
فانصرفت نحوها الضمائر وال ... أبصار يعنق أيما عنق «3»
وبعض ما فضل السواد به ... والجبر ذو سلم وذو يقق «4»
أن لا تعيب السواد حلكته ... وقد يعاب البياض بالبهق
وقال بعض الظرفاء:
يكون الخال في خد قبي- ... - ح فيكسوه الملاحة والجمالا
فكيف يلام مشغوف بمن ... قد يراه كله في العين خالا
وقال الصابي في غلام أسود:
لك وجه كأنّما خضّبه سو ... داء قلب عن التصبر خالي
فيه معنى من البدور ولكن ... نفضت صبغها عليه الليالي
لم يشنك السواد بل زدت حسنا ... إنما يلبس السواد الموالي
لطيفة: قيل إن هارون الرشيد جلس ذات يوم وبين يديه جاريتان إحداهما سوداء والأخرى بيضاء، فتعاتبت الجاريتان وتنادمتا، ثم إن كل واحدة منهما أنشدت شعرا تمدح نفسها وتذم صاحبتها، ثم إن السوداء أنشدت تقول:
ألم تر أنّ المسك لا شيء مثله ... وأنّ بياض اللفت حمل بدرهم
وأن سواد العين لا شك نورها ... وأن بياض العين لا شيء فافهم
فأجابتها البيضاء وقالت:
ألم تر أنّ الدّر لا شيء فوقه ... وأن سواد الفحم حمل بدرهم
وأنّ رجال الله بيض وجوههم ... وأن الوجوه السود أهل جهنم
فاستحسن الرشيد قولهما وخلع عليهما.
وقال ابن المعتز: يا مسكة العطار، وخال وجه النهار.
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)