المنشورات
ذم الغوغاء والسفهاء
ذكرهم واصل بن عطاء فقال: ما اجتمعوا قط إلا ضروا، وما تفرقوا إلا نفعوا. فقيل له: قد عرفنا مضرة الاجتماع، فما منفعة الافتراق؟ فقال: يرجع الحائك إلى حياكته، والطيان إلى مطينته، والفلاح إلى فلاحته، وكل ذلك من مرافق المسلمين ومعاون المحتاجين.
وقال الجاحظ: الغاغة والباعة والأغبياء والسفهاء كأنهم أغرار عام واحد وهم في بواطنهم أشد تشابها من التوأمين في ظواهرهما، وكذلك هم في مقادير العقول وفي الاعتزام والتسرع وفي الأسنان والبلدان.
وقد ذكر الله تعالى ذكره، رد قريش ومشركي العرب على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ألفاظهم ومعايبهم ومقادير هممهم التي كانت في وزان ما كان من جميع الأمم مع أنبيائهم فقال عز وجل:
تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ
«1» الآية، وقال: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا
«2» .
ومثل هذا كثير، ألا ترى أنك لا تجد أبدا في كل بلدة وعصر الحاكة فيها إلا على مقدار واحد وجهة واحدة من السخف والخمول والغباوة والظلم، وكذلك النخاسون على طبقاتهم من أصناف ما يبيعون ويبتاعون، وكذلك السماكون والقلاشون على مثال واحد وجهة واحدة.
وكل حجّام فهو شديد الحرص على شرب النبيذ وقد اختلفوا في البلدان والأجناس والأنساب. وكان المأمون يقول: كل شر وضر في الدنيا إنما هو صادر عن السفهاء والغاغة، فإنهم قتلة الأنبياء والأولياء والأصفياء، وهم المضربون بين العلماء، والنمامون بين الأوداء، والساعون إلى السلاطين، ومنهم اللصوص والسراق والقطاع والطرارون والجلادون ومثيرو الفتن، والمغيرون على الأموال، فإذا كان يوم القيامة جروا على عادتهم في السعاية يقولون ما حكى الله عنهم:
رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً
«1» .
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)