المنشورات
مدح العمى
قال الله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
«1» .
وقيل لقتادة: ما بال العميان أذكى وأكيس من البصراء؟ قال:
لأن أبصارهم تحولت إلى قلوبهم.
وقال الجاحظ: العميان أذكى وأحفظ، وأذهانهم أقوى وأصفى، لأنهم غير مشتغلي الأفكار بتمييز الأشخاص، ومع النظر تشعب الفكر، ومع إطباق العين اجتماع اللب.
ولذلك قال عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما:
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وقلبي منهما نور
قلبي ذكيّ وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مشهور
وقال:
يعيرني الأعداء والعار فيهم ... وليس بعار أن يقال ضرير
إذا أبصر المرء المروءة والتقى ... وان عمى العينان فهو بصير
وقد عير بعضهم أعمى، وكان لسنا فصيحا فقال يهجو ويعرض بدائه:
ليس العمى داء ولكنه ... شظفة تشريف على ضرّه
ما الهمّ والداء وكل البلا ... إلا ابتلاء المرء في دبره
فالحمد لله الذي صاننا ... مما يحار الطير في أمره
وقال الشاطبي رحمه الله:
إن أذهب الله من عينيّ نورهما ... فإن قلبي مضيء ما به ضرر
أرى بقلبي دنياي وآخرتي ... والقلب يدرك ما لا يدرك البصر
وقال رجل لبشار: ما سلب الله من عبد كريمته إلا عوّضه عنهما، فما الذي عوضك عن عينيك؟ فقال: فقد النظر إلى بغيض مثلك.
وقال أبو يعقوب الخزيمي «1» : من فضائل العمى ومرافقه:
اجتماع الرأي والذهن وقوة الإدراك والحفظ، وسقوط الواجب من الحقوق، والأمان من فضول النظر الداعية إلى الذنوب، وفقد رؤية الثقلاء والبغضاء، وحسن العوض عن سراجي الوجه في دار الثواب:
وقال منصور الفقيه:
يا معرضا ازدراني ... لما رآني ضريرا
كم قد رأيت بصيرا ... أعمى وأعمى بصيرا
قل لي وإن أنت انص ... فت قلت خلقا كثيرا
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)