المنشورات

عدة أبنية الكلام:

وقد أطال العلماء النظر في وجوه التأليف المتصورة من تركيب الحروف العربية بضرب من الحساب واضح، ليستخرجوا بذلك عدة أبنية الكلام العربي من البناء الثنائي إلى الخماسي، ويستقصوا من كلام العرب ما تكلموا به وما رغبوا عنه مما يأتلف أو لا يأتلف باعتبار الأسباب اللسانية أيضا. وهذه الطريقة الحسابية من وضع الخليل بن أحمد، وقد شرحها ابن دريد في "الجمهرة" ونقلها عنه السيوطي -في الكلام على إيحاء اللغة من "المزهر"- وبها حصر أبو بكر الزبيدي الأندلسي في "مختصر كتاب العين" عدة أبنية الكلام، ما أهمل منه وما استعمل، صحيحًا ومعتلا؛ فذكر أن عدة مستعمل الكلام. كله ومهمله 6659400، والمستعمل منها 5620 والباقي مهمل لم يستعملوه لا في الصحيح ولا في المعتل؛ أما الصحيح من المستعمل فهو 3944 والمعتل منه 1676؛ وقد نقل كلامه برمته صاحب المزهر في الفصل الذي أومأنا إليه، وهو يشمل عدة الكلام المتصور في كل بناء، مستعمله ومهمله، في الصحيح والمعتل من كليهما؛ فارجح إليه إن أحببت الاستقصاء1.
والمهمل عندهم على ضربين: ضرب لا يجوز ائتلاف حروفه في كلام العرب ألبتة، وذلك كجيم تؤلف مع كاف، أو كاف تقدم على جيم، وكعين مع غين، أو حاء مع هاء أو غين، فهذا وما أشبهه لا يأتلف.
والضرب الآخر ما يجوز تألف حروفه لكن العرب لم تقل عليه، وذلك كإرادة مريد أن يقول عَضَخَ، فهذا يجوز تألفه وليس بالنافر؛ ألا تراهم قد قالوا في الأحرف الثلاثة خَضَعَ؛ لكن العرب لم تقل عضخ.
فهذا ضربان للمهمل، وله ضرب ثالث، وهو أن يريد مريد أن يتكلم بكلمة على خمسة أحرف ليس فيها من حروف الذلق أو الإطباق حرف, وأي هذه الثلاثة كان فإنه لا يجوز أن يسمى كلامًا.
ومن يتتبع تراكيب هذه اللغة ويتدبر أثر الأسباب اللسانية فيها، لا يجد كلامًا يعدل كلام العرب في العذوبة والبيان، وفي الاختصار ونهج التأليف بين حروف الكلمة الواحدة، حتى إنهم قد يراعون مواضع الحروف من معانيها، فيجعلون الحرف الأضعف فيها والألين والأخفى والأسهل والأهمس, لما هو أدنى وأقل وأخفى عملًا وصوتًا؛ ويجعلون الحرف الأقوى والأشد والأظهر والأجهر، لما هو أقوى عملًا وأعظم حسا، ولتفصيل ذلك موضع سيأتيك.
أما صيغ كلامهم فهي بذلك أبدع الصيغ وأسهلها، لما نَحَوْه من استعمالها من التخفيف، وما طلبوه في صوغها من الاختصار؛ وأكثر الصيغ المهملة في العربية تجدها مستعملة في العبرانية والسريانية أو في إحداهما دون الأخرى، مما يدل على أن هذه اللغة خلق لساني حي كما بيناه في صدر هذا الكلام.
أوزان الأفعال في اللغات الثلاث:
وصيغ الأفعال معروفة في اللغات الثلاث، وقد نقلنا ما عرفوه منها في اللغة البابلية، ونحن ذاكرون هنا أوزانها في هذه اللغات المتشابهة؛ ليستدل بالمقابلة بينها على ترقي الصفات اللسانية في العرب، وأن مبني كلامهم على خفة اللفظ وعذوبته، حتى كأنهم جروا في اللغة على ناموس اقتصادي، وهو نهاية ما تبلغه القرائح من الكمال في أوضاع اللغات؛ هذا إلى ما انفردت به العربية من استقامة الصوت وامتلائه ووضوحه؛ لأنه مادة الحرف وصلاح كل شيء من مادته. 













مصادر و المراجع :

١-تاريخ آداب العرب

المؤلف: مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي (المتوفى: 1356هـ)

الناشر: دار الكتاب العربي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید