المنشورات
حكم قولهم كلما زادت الرعاية الصحية قلّ عدد الوفيات
س أطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على السؤال المقدم إليها , ونصه (بمطالعتي لمجلة الدعوة العدد 778 وتاريخ 22 2 1401 هـ الصفحة 32 وجدت أن الكاتب لما ورد في تلك الصفحة ذكر جملة إنه مما لاشك - كما سبق أن أوضحنا - أنه كلما زادت الرعاية الصحية قل عدد الوفيات وزاد عدد السكان.
وأقول أمام هذا أن الرعاية الصحية لها دورها الفعال في صحة الأبدان ومكافحة بعض الأمراض , إلا أن تلك الرعاية لا دخل لها في الآجال , حيث ذلك في علم الله وتحت تصرفه. ومحدودة الآجال كما قال تعالى {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} لذلك رأيت أنا وهناك الكثير من أمثالي يرغب في إيضاح ذلك بشكل أوسع , هل للرعاية الصحية دور في تأخير الآجال كما قال الكاتب؟ وإذا كان لا, وأن الآية أعلاه تعطي الدليل القاطع من ذلك ولم تنسخ , فأرجو إيضاح ذلك.
وأجابت بما يلي مضت سنة الله تعالى في خلقه أن يربط المسببات بأسبابها , فربط إيجاده النسل بالجماع وإنباته الزرع ببذر الحبوب بالأرض وسقيها , والإحراق بالنار , والإغراق أو البلل بالماء , إلى غير ذلك من الأسباب ومسبباتها قال تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وقال {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا. لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا. وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} وقال {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} . وقال {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} . فهذه الآيات وأمثالها تضمنت أسبابًا مادية ومسببات معنوية ومادية , ربط الله بينهما، وجعل الأولى سببا في الثانية، وكلاهما من خلق الله تعالى وبقضائه وقدره، وهناك أسباب معنوية أنشأها بها وهو قادر على أن يخلق المسببات بدون أسبابها، لكنه سبحانه جرت سنته أن يخلق هذه بتلك، ويوجدها بها لحكمة يعلمها، قال تعالى {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ. وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} وقال عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام في دعوته لقومه {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} وقال عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام في دعوته قومه {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ. يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال تعالى عن رسله عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم لأممهم {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} .
وقد ذكر سبحانه أنّ جماعة من المنافقين قالوا عن إخوانهم الذين قتلوا في غزوة أحد {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} فأمر سبحانه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم , أن يقول لهم {لَوْكُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} فبين أن قتل النفس مرهون بسببه , وأن القتيل ميت بأجله لا قبله ولا بدون سبب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ". (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي)
وعلى هذا (فللرعاية الصحية دورها الفعال في صحة الأبدان , ومكافحة الأمراض) كما قال السائل , لكن بإذن الله وتقديره على ماسبق في علمه تعالى , وبجعله تلك الرعاية سبباً لنتائجها وترتيبه مسبباتها عليها بقضائها وقدره حسبما سبق في علمه تعالى, فتبين بهذا أن للأسباب دخلا في مسبباتها من جهة جعل الله لها سببا, ومن جهة أمره سبحانه بالأخذ بها رجاء أن يرتب الله مسبباتها عليها. لامن ذاتها ولا بتأثيرها استقلالاً في نتائجها، بل بجعْل الله لها مؤ ثرة، ولو شاء الله أن يسلبها خواصَّها التي أودعها فيها لفعل، كما وقع في سلبه النار خاصَّتَها فلم تحرق خليليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بل كانت برداً وسلاماً عليه، وفي سلبه خاصة السيولة والإغراق من ماء البحر حتى مرَّ موسى عليه الصلاة والسلام وقومه بأمن وسلام، ورد تلك الخاصة إليه عند مررور فرعون ومن معه فأغرقهم، والمسببات مرهونه بأسبابها قضاءً وقدراً، حتى الآجال طولاً وقصراً مع الرعاية والإهمال على مقتضى ما سبق في علمه تعالى، فقول السائل إن الرعاية لا دخل لها في الآجال، ليس بصحيح على وجه الإطلاق، فإن لها دخلاً في ذلك على ما تقدم بيانه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم
مصادر و المراجع :
١- فتاوى إسلامية
لأصحاب الفضيلة العلماء
سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)
فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (المتوفى: 1430هـ)
إضافة إلى اللجنة الدائمة، وقرارات المجمع الفقهي
المؤلف (جمع وترتيب) : محمد بن عبد العزيز بن عبد الله المسند
الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض
21 ديسمبر 2024
تعليقات (0)