المنشورات

حكم الاختلاط في التعليم

الحمد لله والسلام على رسول الله وبعد
فقد اطلعت عل ما نشرته جريدة السياسة الصادرة يوم 24 7 1404هـ بعددها 5644 منسوباً إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح. الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطالب مخالفة للشريعة، وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد، الرجل والمرأة وقال (ولذلك فإن التعليم لابد أن يكون في مكان واحد) ، وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يطلب منه أن يوجه شعبة من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية، لأن الشريعة لم تدعُ إلى الأختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفه لها، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال الله - تعالى - " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " الآية، وقال - تعالى - " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفور رحيما ". وقال - سبحانه - " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زيينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن " إلى أن قال - سبحانه - " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ".
وقال - تعالى - " وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن " الآية، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شريعة لزوم النساء لبيوتهن حذراً من الفتنة بهن، إلا من حاجة تدعو إلى الخروج، ثم حذرهن - سبحانه- من التبرج ترج الجاهلية، وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال، وقد صح عن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ". متفق عليه من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بين نفيل - رضي الله عنهما - جميعا، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال " إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ". ولقد صدق رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فإن الفتنة بهن عظيمة، ولا سيما في هذا العصر الذي خلع أكثرهن الحجاب، وتبرجن فيه تبرج الجاهلية، وكثرت بسبب ذلك الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد، وقد بين الله - سبحانه - أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبيدي زينتهن لغير من بينهم الله - سبحانه - في الآية السابقة من سورة النور، ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله - تعالى - " ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن "، فإنه لا يجوز أن يقال إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة - رضي الله عنهم - لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق فإن الصحابة -رضي الله عنهم- رجالاً ونساء ومنهم أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، المخرج في الصحيحين، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذا الطهارة، وأشد افتقاراً إليها ممن قبلهم، ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص فهي عامة لجميع الأمة في عهده، - صلى الله عليه وسلم -، وبعده إلى يوم القيامة، لأنه - سبحانه - بعث رسوله، - صلى الله عليه وسلم -، إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال - عز وجل - " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ". وقال - سبحانه - " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ". وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال - تعالى - " هذا بلاع للناس وليبنذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب ". وقال - عز وجل " وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " الآية. وكان النساء في عهد المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذراً من فتنته، بل كان النساء
في مسجده، - صلى الله عليه وسلم -، يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقول، - صلى الله عليه وسلم -، خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها. وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. حذرا من افتنان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهده، - صلى الله عليه وسلم -، يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعاً رجالاً ونساء من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم؟ ! وكانت النساء ينهين أن يتحققن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذراً من الاحتكاك بالرجال، والفتنة بممارسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق، وأمر الله - سبحانه - نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذراً من الفتنة بهن، ونهاهن - سبحانه - عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله - سبحانه - في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط، فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء هداه الله وألهمه رشده بعد هذا كله، أن يدعوا إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة؟! ومعلوم أن الفرق عظيم، وما بين في كتاب العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدارسة، مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى الفتنة، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله - عز وجل " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ".
وأما قوله " والواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة، ولذلك فإن التعليم لابد أن يكون في مكان واحد " فالجواب عن ذلك أن يقال هذا صحيح، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة، والرجال في مقدم المسجد، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن، وكان النبي، - صلى الله عليه وسلم -، في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته، وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء هداه الله وأصلح قلبه وفقهه في دينه (ولذلك فإن التعليم لابد أن يكون في مكان واحد) فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده، - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا دعا المصلحون إلى أفراد النساء عن الرجال في دور التعليم، وأن يكن على حدة والشباب على حدة، حتى يتمكن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة، لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة، ولأن تلقي العلوم في المدرسات في محل خاص أصول للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة، وأسلم للشباب من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الاساتذة وتلقى العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور.
وأما زعمه أصلحه الله أن الدعوة إلى عزل الطالبات عن الطلبة تزمت ومخالف للشريعة، فهي دعوى غير مسلمة، بل ذلك هو عين النصح لله ولعباده والحيطة لدينه والعمل بما سبق من الآيات القرآنية والحديثين الشريفين، ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء أن يتقي الله - عز وجل - وأن يتوب إليه - سبحانه - مما صدر منه، وأن يرجع إلى الصواب والحق، فإن الرجوع إلى ذلك هو عين الفضيلة والدليل على تحري طالب العلم للحق والإنصاف، والله المسؤول - سبحانه - أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم، ومن مضلات الفتن ونزغات الشيطان، كما أسأله المعاش والمعاد، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.
الشيخ عبد العزيز بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد 










مصادر و المراجع :

١- فتاوى إسلامية

لأصحاب الفضيلة العلماء

سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)

فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)

فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (المتوفى: 1430هـ)

إضافة إلى اللجنة الدائمة، وقرارات المجمع الفقهي

المؤلف (جمع وترتيب) : محمد بن عبد العزيز بن عبد الله المسند

الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید