المنشورات

حكم نكاح نساء أهل الكتاب

س - ما حكم نكاح نساء أهل الكتاب؟
ج- حكم ذلك الحل والإباحة عند جمهور أهل العلم لقول الله - سبحانه وتعالى - في سورة المائدة " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ". والمحصنة هي الحرة العفيفة في أصح أقوال علماء التفسير، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية ما نصه
وقوله " والمحصنات من المؤمنات " أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات وذكر هذا توطئة لما بعده وهو قوله - تعالى - " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ". فقيل أراد المحصنات الحرائر دون الإمام حكاه ابن جرير عن مجاهد وإنما قال مجاهد المحصنات الحرائر فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة كما في الرواية الأخرى عنه وهو قول الجمهور ههنا، وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل حشف وسوء كيل والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا كما قال - تعالى - في الآية الأخرى " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ". ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ممن فسر المحصنة بالعفيفة وقيل المراد أهل الكتاب ههنا الإسرائيليات وهو مذهب الشافعي وقيل المراد بذلك الذميات دون الحربيات لقوله - تعالى - " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر "، وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ويقول لا أعلم شركاً أعظمن من أن تقول إن ربها عيسى وقد قال الله - تعالى - " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ". الآية. وقال ابن حاتم حدثنا أبي حدثنا بن حاتم بن سليمان المؤدب حدثنا القاسم بن مالك يعني المزني حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي مالك الغفاري قال نزلت هذه الآية " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " قال فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " فنكح الناس نساء أهل الكتاب وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصاى ولم يروا بذلك بأساً أخذا بهذه الآية الكريمة " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ". فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله - تعالى - " ولم يكن للذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين متفكين حتى تأتيهم البينة ". وكقوله " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلتمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا ". الآية. انتهي المقصود من كلام الحافظ بن كثير - رحمة الله - وقال أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي - رحمه الله - في كتابة المغنى ما نصه ليس بين أهل العلم بحمد لله اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب وممن روى عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم، قال ابن النذر ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوجوا نساء من أهل الكتاب، وبه قال سائر أهل العلم وحرمته الإمامية تمسكا بقوله - تعالى - " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ". " ولا تمسكو بعصم الكوافر ". ولقول الله - تعالى - " اليوم أحل لكم الطيبات " إلى قوله " والمحصنات من الذين أوتو الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ". وإجماع الصحابة، فأما قوله - سبحانه - " ولا تنكحوا المشركات ". فروي عن ابن عابس - رضي الله عنهما - أنها نسخت بالآية التي في المائدة متأخرة عنهما، وقال آخرون ليس هذا نسخا فإن لفظ المشركين بإطلاقه لا يتناول أهل الكتاب بدليل قوله - سبحانه - " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين متفكين ". وقال " إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ". وقال " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين ". وسائر القرآن يفصل بينهما فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب، وهذا معنى قول سعيد بن جبير وقتادة، ولأن ما احتجوا به عام في كل كافرة وأيقنا خاصة في حل أهل الكتاب، والخاص يجب تقديمه، إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر - رضي الله عنه - قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب طلقوهن فطلقوهن إلا حذيفة فقال له عمر طلقها، قال تشهد أنها حرمام؟ قال هي خمرة طلقها، قال تشهد أنها حرام؟ قال هي خمرة قال علمت أنها خمرة ولكنها إلى حلال، فلما كان بعد طلقها فقيل له ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ قال كرهت أن يرى الناس أن ركبت أمراً لا ينغي لي؛ ولأنه ربما مال إليها قلبه فتفتنه وربما كان بينهما ولد فيميل إليها، انتهى كلام صاحب المغنى - رحمه الله -.
والخلاصة مما ذكره الحافظ ابن كثير وصاحب المغنى - رحمة الله عليهما - أنه لا تعارض بين قوله - سبحانه - في سورة البقرة " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " الآية، وبين قوله - عز وجل - في سورة المائدة " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ". الآية. لوجهين أحدهما أن أهل الكتاب غير داخلين في المشركين عند الإطلاق؛ لأن الله - سبحانه - فصل بينهم في آيات كثيرات مثل قوله - عز وجل - " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ". الآية، وقوله - سبحانه - " إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ". الآية وقوله - عز وجل - " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ". الآية، إلى غير ذلك من الآيات المفرقة بين أهل الكتاب والمشركين، وعلى هذا الوجه لا تكون المحصنات من أهل الكتاب داخلات في المشركات المنهي عن نكاحهن في سورة البقرة، فلا يبقى بين الآيتين تعارض وهذا القول فيه نظر، والأقرب أن أهل الكتاب داخلون في المشركين والمشركات عند الإطلاق رجالهم ونساؤهم لأنهم كفار مشركون بلا شك، ولهذا يمنعون من دخول المسجد الحرام لقوله - عز وجل - " يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ". الآية ولو كان أهل الكتاب لا يدخلون في اسم المشركين عند الإطلاق لم تشمهلم هذه الآية ولما ذكر - سبحانه - عقيدة اليهود والنصارى في سورة براءة قال بعد ذلك " وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ". فوصفهم جميعاً بالشرك لأن اليهود قالوا عزيز ابن الله، والنصارى قالوا المسيح ابن الله، ولأنهم جميعاً اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله وهذا كله من أقبح الشرك والآيات في هذا المعنى كثيرة، والوجه الثاني أن آية المائدة مخصصة لأيه البقرة والخاص يقضي على العام ويقدم عليه كما هو معروف في الأصل، وهو مجمع عليه في الجملة، وهذا هو الصواب، وبذلك يتضح أن المحصنات من أهل الكتاب حل للمسلمين غير داخلات في المشركات المنهي عن نكاحهن عند جمهور أهل العلم بل هو كالإجماع منهم لما تقدم في كلام صاحب المغني، ولكن ترك نكاحهن والاستغناء عنهن بالمحصنات من المؤمنات أولى وأفضل لما جاء في ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وابنه عبد الله وجماعة من السلف الصالح - رضي الله عنهم - لأن نكاح نساء أهل الكتاب فيه خطر ولا سيما في هذا العصر الذي استحكمت فيه غربة الإسلام، وقل فيه الرجال الصالحون الفقهاء في الدين وكثر فيه الميل إلى النساء والسمع والطاعة لن في كل شيء إلا ما شاء اله فيخشى على الزوج أن تجره زوجته الكتابية إلى دينها وأخلاقها كما يُخشى على أولادهما من ذلك، والله المستعان فإن قيل فما وجه الحكمة في إباحة المحصنات من أهل الكتاب للمسلمين وعدم إباحة المسلمات للرجال من أهل الكتاب، فالجواب عن ذلك، والله أعلم أن يقال إن المسلمين لما آمنوا بالله وبرسله وما أنزل عليهم ومن جملتهم موسى بن عمران وعيسى بن مريم - عليهما الصلاة والسلام - ومن جملة ما أنزل على الرسل التوراة المنزلة على موسى والإنجيل المنزل على عيسى لما أمن المسلمون بهذا كله أباح الله لهم نساء أهل الكتاب المحصنات فضلاً منه عليهم وإكمالاً لإحسانه إليهم ولما كفر أهل الكتاب بمحمد، - صلى الله عليه وسلم -، وما أنزل عليه من الكتاب العظيم وهو القرآن حرم الله عليهم نساء المسلمين حتى يؤمنواً بنبيه ورسوله محمد، - صلى الله عليه وسلم -، خاتم الأنبياء والمرسلين فإذا آمنوا به حل لهم نساؤنا وصار لهم ما لنا وعليهم ما علينا والله - سبحانه - هو الحكم العدل البصير بأحوال عباده العليم بما يصلحهم الحكيم فيم كل شيء تعالى وتقدس وتنزه عن قول الضالين والكافرين وسائر المشركين. وهناك حكمة أخرى وهي أن المرأة ضعيفة سريعة الانقياد للزوج فلو أبيحت المسلمة لرجال أهل الكتاب لأفضى بها ذلك غالبا إلى دين زوجها فاقتضت حكمة الله - سبحانه - تحريم ذلك.
الشيخ ابن باز 













مصادر و المراجع :

١- فتاوى إسلامية

لأصحاب الفضيلة العلماء

سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)

فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)

فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (المتوفى: 1430هـ)

إضافة إلى اللجنة الدائمة، وقرارات المجمع الفقهي

المؤلف (جمع وترتيب) : محمد بن عبد العزيز بن عبد الله المسند

الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید