Classical Realism
ريتشارد ند ليو (Richard Ned Lebow)
محتويات الفصل
مقدمة
الواقعية الكلاسيكية حول النظام العام والاستقرار
الواقعية الكلاسيكية والتغيير الواقعية الكلاسيكية حول طبيعة النظرية دراسة حالة الاستنتاج
دليل القارئ
تمثل الواقعية الكلاسيكية (classical realism) مقاربة للعلاقات الدولية تعيدنا إلى المؤرخ الإغريقي الشهير ثوسيديدس (Thucydides) في القرن الخامس قبل الميلاد، وإلى التصورات التي وضعها عن الحرب البيلوبونيزية Peloponnesian) (War. فهي تعترف بالدور المركزي للقوة في السياسة بكل أنواعها، لكنها أيضا تعترف بجوانب القصور المرتبطة بالقوة، وبالطرائق التي يمكنها من خلالها أن تخذل نفسها بنفسها. ونشدد الواقعية الكلاسيكية على حساسيتها تجاه المعضلات الأخلاقية والمضامين العملية والحاجة إلى أن يكون النفوذ مبنيا على المصالح المشتركة والإقناع أينما أمكن ذلك. وسأقوم في الصفحات التالية بتفخص الافتراضات الجوهرية للواقعية الكلاسيكية من خلال كتابات الكتاب القدماء والمعاصرين، ومقارنة آرائهم بالواقعية الجديدة وبأشكال أخرى من الواقعية الحديثة، وتحليل التدخل الأنكلو - أميركي في العراق من حيث معتقدات الواقعية الكلاسيكية.
مقدمة
هناك اعتراف واسع الانتشار بأن النظام الفكري الواقعي قد وصل إلى الحضيض في الواقعية الجديدة (التي تسمى أيضا بالواقعية البنيوية. للاطلاع على المناقشة المتعلقة بالواقعية البنيوية، انظر الفصل الرابع). وقد قام كينيث والتز الذي يعد اب الواقعية الجديدة، في محاولاته لتحويل الواقعية إلى نظرية علمية، بتجريد الواقعية من تعقيداتها وغموضها، وتقديرها للفاعلية، وفهمها أن القوة تتحول بسهولة إلى نفوذ حينما تكون مقنعة ومتخفية في نظام من المعايير يحظى بقبول عام. يمكن إذا أن ترى الواقعية الجديدة محاكاة أدبية ساخرة للعلم؛ فمفرداتها الرئيسة كالقوة (power) والقطبية (polarity) مصوغة بطريقة فضفاضة غير دقيقة، وشروط نطاق شمولها قد تركت من دون أن تعرف. وهي تعتمد على عملية تشبه الانتقاء الطبيعي من أجل تشکيل سلوك الوحدات في عالم لا يتم فيه بالضرورة انتقال الاستراتيجيات الناجحة إلى الزعماء المتعاقبين، ونادرا ما تحدث فيه غربلة للوحدات الأقل نجاحا؛ فهي تشبه أيديولوجية غير قابلة اللدحض أكثر من كونها نظرية علمية.
كمعظم الأيديولوجيات، فإن الواقعية الكلاسيكية غير قابلة للادحض، ولم يكن لصعودها وانحدارها علاقة كبيرة بالتقدم المفاهيمي والإمبيريقي. وتكمن جاذبيتها في تقتيرها الواضح في إعطاء التفسيرات، وتشابهها السطحي بالعلوم. وقد عجل انتهاء الحرب الباردة في نحذرها، الأمر الذي بدا للعديد قضية اختبارية حاسمة لنظرية سعت بالدرجة الأولى إلى تفسير استقرار العالم ذي الثنائية القطبية، وقد أدى انتهاء الحرب الباردة ومن ثم انهيار الاتحاد السوفياتي إلى لفت انتباه الباحثين الأكاديميين والرأي العام إلى طيف جديد من المشكلات السياسية التي لم تكن الواقعية الجديدة ذات صلة بها. (للحصول على رأي مغاير حول الخصائص المميزة للواقعية الجديدة، أو الواقعية البنيوية، انظر الفصل الرابع الذي قدمه جون ميرشايمر (John Mearsheimer)).
شجع انحدار الواقعية الجديدة عديدا من الواقعيين على العودة إلى جذورهم. ومن خلال ذلك، قرأوا باهتمام متجدد أعمال الواقعيين العظماء من القرنين التاسع عشر والعشرين أمثال ماكس فيبر (Max Weber)، وإدوارد کار (E
H . Can)، وهانز مورغتاو (Hans Morgenthau)، وذلك في بحثهم عن مفاهيم ورژي ذات صلة بالعلاقات الدولية المعاصرة، وبدورهما، دان فيبر ومورغتاو بشكل كبير للإغريقيين - للكتاب المسرحيين والمؤرخ ثوسيديدس - كما للنظام الفكري الأوسع للواقعية الكلاسيكية
وقد أظهرت الواقعية الكلاسيكية وحدة جوهرية في الفكر عبر حقبة زمنية تقارب ال 2500 عام. وتعني كتابات مؤيديها الرئيسيين - ثوسيديدس، ونيکولو مكيافيلي (Niccolo Machiavelli)، وكارل فون کلاوز فيتز (Carl von Clausewitz) وهانز مورغتاو - بالمسائل المتعلقة بالنظام، والعدالة، والتغيير على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية. ولدى الواقعيين الكلاسيكيين مفاهيم شمولية عن السياسة تركز على التشابهات، وليس على الفروق بين السياسة المحلية (domestic politics) والسياسة الدولية (international politics)، وعلى دور الأخلاق والمجتمع المحلي في تعزيز الاستقرار في كلا المجالين. وتوافقا مع توجههم التراجيدي، بعترف الواقعيون الكلاسيكيون بأن الروابط المجتمعية المحلية (communal) هشة ويسهل تقويضها والانتقاص من شأنها من خلال السعي غير المقيد للحصول على مزايا أحادية الجانب من جانب الأفراد، والفصائل، والدول. وعندما يحصل هذا الأمر، قد تفشل الآليات العريقة التي تعنى بإدارة الصراعات، كالتحالفات وتوازن القوى (balance of power)، في المحافظة على الوضع السلمي، وليس هذا فحسب، لكنها قد تؤدي أيضا إلى زيادة احتمال وقوع العنف المحلي والدولي. ويميل الواقعيون الكلاسيكيون، مثلهم كمثل التراجيديين الإغريق، إلى اعتبار أن التاريخ يسير في دورات متوقعة، بمعني أن الجهد الذي يبذل في تثبيت النظام والهروب من العوالم المنقادة بالخوف، والذي قد ينجح لحقبة زمنية لا بأس بها، يخضع في النهاية للتأثيرات التي زعزع الاستقرار والتي تأتي من الجهات الفاعلة التي تعتقد بأنها أقوى من أن قيد بالقانون والعرف
يستكشف هذا الفصل فكر اثنين من أهم كتاب الواقعية الكلاسيكية في الشؤون الدولية، وهما: ثوسيديدس (حوالي 460 - 390 قبل الميلاد)، وهو قائد عسكري أثبني عاش في القرن الخامس، وكاتب قدم وصفا عن الحرب البيلوبونيزية بين أثينا واسبارطة، وحلفاء كل منهما؛ والآخر هو هانز مورغتاو (1904 - 1979)، وهو محام ألماني المولد جاء إلى الولايات المتحدة لاجئا خلال الحرب العالمية الثانية، ودرس لسنوات عديدة في جامعة شيكاغو، ويزعم بأنه كان منظر العلاقات الدولية الأكثر تأثيرا في حقبة ما بعد الحرب). وسوف أبين أوجه التشابه العديدة في كتاباتهما، في الأقل تلك التي تستقي من النظرة التراجيدية للحياة والسياسة والتي تشارك كلاهما فيها
يخوض القسم الأول في تأملات الواقعية الكلاسيكية عن المجتمع. ويعتقد ثوسيديدس ومورغنناو بانه يمكن جزئيا تسوية الخلافات والشقاقات بين الأفراد والمجتمعات على مستوى أعمق من التفاهم، وذلك لأن المجتمع المحلي الذي يعمل بشكل جيد يعد أساسيا في تشكيل المصالح الفردية وفي السعي إلى تحقيقها بذكاء. كذلك تتيح مبادئ العدالة التي تعتمد عليها كل المجتمعات القابلة للحياة والنمو، المجال أمام تحويل القوة إلى نفوذ. وتفرض العضوية في مجتمع ما قيودا على غايات القوة ووسائلها. وعدم إخضاع الأهداف لمتطلبات العدالة يقود إلى سياسات توسعية زائدة عن اللازم، تؤدي إلى نتائج عكسية. يفهم الواقعيون الكلاسيكيون أن القوى العظمي عادة ما تكون أسوأ عدو لنفسها لأن النجاح، والغطرسة التي يولدها هذا النجاح، شجعان الجهات الفاعلة على أن ترى نفسها خارج مجتمعها وأعلى منه، وهذا بدوره يعميها عن الحاجة إلى ضبط النفس.
أما القسم الثاني فيستكشف التغيير والتحول. فالواقعيون الكلاسيكيون يفكرون في الأنظمة السياسية من جهة مبادئها المتعلقة بالنظام، ومن جهة الطرائق التي تقوم من خلالها بالمساعدة في تشكيل هويات الجهات الفاعلة والخطابات التي يستخدمونها في قولبة مصالحهم. يعتبر ثوسيديدس ومورغتتار أن التغيرات في الهويات والخطابات تأتي غالبا نتيجة التحديث والتجديد، وأن
حرب الهيمنة (hegemonic war) غالبا ما تكون نتيجة أكثر من كونها سببا لهذا النوع من التحول. ولهذا الفهم المختلف عن السبب والنتيجة مضامين مهمة تتعلق بأنواع الاستراتيجيات التي يتخيل الواقعيون الكلاسيكيون أنها فقالة ومؤثرة في المحافظة على النظام أو في إعادة إحلاله. فهم يعطون أهمية أكبر للقيم والأفكار من تلك التي يعطونها للقوة
ويناقش القسم الثالث طبيعة النظرية والغرض منها، وعلى الرغم من أن ثوسيديدس لم يبن أي نظريات بالمعنى المعاصر للمصطلح، لكنه يعد، وعلى نطاق واسع، اول منظر في العلاقات الدولية. أما مورغنتار، فهو نظري بشكل واضح. وقد وحدهما اعتقادهما بأن المعرفة النظرية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي نقطة بداية للجهات الفاعلة کي تجد حلولا للمشكلات المعاصرة، وتتوصل خلال تلك العملية إلى أشكال أعمق من الفهم.
أما القسم الرابع من الفصل فهو تحليل واقعي کلاسيکي للغزو الأنكلو - أميركي للعراق. وأجادل فيه أن هناك ثلاث خصائص تميزه - بل هي أمراض - تصفها الواقعية الكلاسيكية بشكل جيد، لكن الواقعيين الجدد غافلون عنها بشكل كبير. الخاصية الأولى (المرض الأول لها علاقة بعدم القدرة على صوغ المصالح بشكل ذكي ومترابط منطقيا خارج لغة العدالة. والخاصية الثانية هي الغطرسة، وكيف يمكنها أن تقود إلى مخرجات مأساوية تراجيدية معاكسة تماما لتلك الغايات المنشودة. والخاصية الثالثة لها علاقة باختيار الوسائل، وبالنتائج التي هي بشكل عام سلبية وناجمة عن اختيار تلك الوسائل التي تناقض قيم المجتمع.
وأختتم الفصل بمناقشة موجزة للتراجيديا، حيث يجب أن يعد ثوسيديدس رابع اعظم تراجيدي في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. فالتصور الذي وضعه عن الحرب البيلوبونيزية (431 - 404 قبل الميلاد) مبني على شكل التراجيديا واسلوبها الأدبي. في المقابل لم يكتب مورغنتاو أي تراجيديات، لكن تفكيره، كما عديد من المثقفين الألمان في القرنين التاسع عشر والعشرين، كان منغمسا بعمق في الفهم التراجيدي للحياة والسياسة. وتكمن التراجيديا في لب نظريته، وفي الاستراتيجيات التي اعتقد بأنها مناسبة لإعادة صوغ النظام السياسي.
مصادر و المراجع :
١- نظرية العلاقات الدولية
المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث
المترجم: ديما الخضرا
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016
تعليقات (1)
Zaproxy alias impedit expedita quisquam pariatur exercitationem. Nemo rerum eveniet dolores rem quia dignissimos.