يفرق الواقعيون المعاصرون بين الأنظمة على أساس فطينها (أحادية، وثنائية، ومتعددة الأقطاب) (
uni , bi , and multi polar). ويظهر التغيير في النظام المنظومة) حينما يتغير عدد الأقطاب، وغالبا ما يكون هذا نتيجة لحروب الهيمنة التي تأتي بدورها من التحولات في توازن القدرات المادية. وقد تدخل القوى الصاعدة في حرب من أجل إعادة تشكيل النظام لمصلحتها، أما قوي الوضع الراهن فقد تدخل في الحرب کي تحبط مثل هذا التغيير، ويرى بعض الواقعيين أن هذه الحلقة لا ترتبط بأي زمان وأنها مستقلة عن التكنولوجيا والتعلم. ويعتقد آخرون بأن الأسلحة النووية قد أحدثت ثورة في العلاقات الدولية حيث إنها جعلت الحروب شديدة الدمار أكثر من أن تكون عقلائية. ومن وجهة نظرهم، فإن هذا يفسر التحول السلمي من الثنائية القطبية إلى التعددية القطبية في نهاية الحرب الباردة، والذي لولا هذا التفسير، سيعد تحولا شاذا (27).
وبالنسبة إلى الواقعيين الكلاسيكيين، يعد التحول مفهوما أوسع، إذ يربطونه بعمليات أصبحنا نصفها بالتحديث. وهو يجلب تحولات في الهويات والخطابات، التي ترافقها مفاهيم متغيرة تتعلق بالأمن.
شجع لغة ثوسيديدس (29) ژاءه على أن يجروا ممائلة بين السعي الفردي إلى الثروة والسعي الأثيني إلى القوة. فالإمبراطورية مبنية على قوة المال، وهي تولد عائدا (من أجل بناء أكبر قوة بحرية في اليونان والحفاظ عليها). وأثينا شديدة القوة مقارنة بالدول المدن الأخرى، إلى حد أنها يمكن أن تسيطر عليها
ولي القوة. فان يجروا مما أجل بن
system»، وذلك لتمييزها عن
(0) استخدمنا في بعض الأحيان كلمة المنظومةا للإشارة إلى النظام order
John J. Mearsheimer, wBack to the Future: Instability in Europe after the Cold War.» (27)
T (1990) ; Kermeh N , Waltz , The Emerging Secture of International م ,15 , International Suri
, vol
C. Wohlfonh, Realism and the End of
Politics International Scurly, mol. IR, m, I (1993). und Willis the Cold War International Story, vol. 19, no. 1 (1994 - 1995). Thuey didas, History of the Pelopomnesian lar, wl. 1, p. 16, بالقوة، وقد كان الطغاة، بالنسبة إلى الإغريق، ?کاما ليس لديهم أي أساس دستوري، تخلوا عن مبدأ المعاملة بالمثل وحصلوا على ما يرغبون فيه، وكان غينيس ليديا Gyges of Lydia [غيغيس هو مؤسس السلالة الملكية الميرمندية الثالثة من ملوك ليديا]، أول طاغية عرف، وليس مصادفة أن ليديا وصفت بأنها أول مدينة نستخدم الأموال. ويتصرف أثينا كأي طاغية عندما تحكم مدنا أخرى، لم تعد في حاجة إلى إعطاء شرعية لمحكمها أو منح الامتيازات التي عادة ما كانت تبقي التحالفات أو الدول المدن مقا. وقد شجعت الثروة على شرفنة» (orientalization) أثينا، وهو منظور مألوف لدى هيرودوتس (Herodotus) وثوسيديدس، وقد قاد إلى تحول عميق في القيم الأثينية، تجلي ظاهريا في الاعتماد المتزايد على القوة، وكان نمط السلوك هذا انعكاسا للأهداف المتغيرة؛ فقد تنخي هدف الشرف (time
) (timi) ليفسح المجال بشكل متزايد الهدف الكسب أو الاستحواذ (acquisition). وقد استبدلت الهيمنة (hegemonian) (higemonia) - وهو الحكم الذي بني على موافقة الآخرين ورضاهم - بالسيطرة (arche
) (archi) التي مورست من خلال التهديدات والرشوات.
إن التصورات التي وضعها ثوسيديدس للحرب البيلوبونيزية غنية بالمفارقات. فقد تخلصت أثينا الطاغية بوصفها تحكم مدئا أخرى من الروابط والالتزامات التقليدية المتعلقة بالمعاملة بالمثل متوقعة حرية ومكاسب أكبر، فقط لتصبح محاصرة بمجموعة جديدة من الالتزامات الأكثر إرهائا. فكما أشار بريكليس في خطبة المرثاة، لقد احتفظت أثينا بهيمنتها (hegemonia) من خلال إظهارها الجود (charis) لحلفائها. وقد أخبر المجلس «إننا أيضا نتفرد في كرمنا،
حيث إننا نكسب أصدقاءنا من خلال منحهم الأفضال وليس من خلال تلقيها منهم (29). وكان ينبغي لإمبراطورية ما بعد الحكم البريکلي أن تحافظ على سيطرتها (arche) من خلال استمرارها في إظهار قوتها وعزمها على استخدامها. وكان عليها أن تستمر في التوسع، وهو منطلب يفوق قدرات أي دولة. وقد اكتشف الأثينيون هذه الحقيقة المرة بعد هزيمتهم الساحقة في صقلية.
ولا يختلف مفهوم مورغنتاو للتحديث (modemization) عن هذا. فقد قاد إلى إيمان خاطئ بالمنطق والعقل، وقلل من شأن القيم والمعايير التي كانت قد قيدت سلوك الفرد والدولة. وقد استند مورغتاو بشكل أكثر مباشرة إلى هيغل (Hegel) وفرويد (Freud). ففي كتابه ظواهرية الروح (Phenomenology of the Spirit)
عام 1807 وکتاب فلسفة الحقوق (Philosophy of Right) عام 1821، حذر هيغل من مخاطر مجانسة المجتمع التي تنجم عن المساواة ومشاركة عموم الناس في المجتمع، حيث إنها تؤدي إلى شطر المجتمعات التقليدية والروابط التي تربط الأفراد بها، من دون أن تعطي مصدرا بديلا للهوية. وقد كتب هيغل عن عشية الثورة الصناعية ولم يتخيل الدولة الصناعية الحديثة ببيروقراطياتها الضخمة ووسائل اتصالاتها العصرية، وقد حاج مورغنتاو بأن هذه التطورات سمحت لقوة الدولة بأن تتغذى على نفسها من خلال عملية تحول سيكولوجية، جعلت الدولة أكثر أهداف الولاء تعظيما. فقد حركت الدولة النزوات الشهوانية التي يكبتها المجتمع، وذلك من أجل غاياتها الخاصة، ومن خلال تحويل هذه النزوات إلى الأمة، حقق المواطنون إشباعا بديلا لرغباتهم، ما كانوا ليحصلوا عليه لولا ذلك التحويل، أو لكانوا قد اضطروا إلى كبته. فقد كان القضاء على الكولاك (Kulaks) [طبقة المزارعين الأثرياء في روسيا، وفرض الزراعة الجماعية (collectivization) بالقوة، وحملات التطهير التي مارسها ستالين في الحرب العالمية الثانية، والمحرقة [الهولوكوست)، كلها تعبيرات عن تحويل تحقيق الرغبات الخاصة المتعلقة بالناس وإلقائه على عاتق الدولة وغياب أي قيود على السلطة التي تمارسها الدولة. وفي كتابات مورغنتار في أعقاب الاضطرابات الكبرى في النصف الأول من القرن العشرين، اعترف بأن الهوية المجتمعية كانت أبعد ما تكون عن النعمة الصافية الخالية من الشوائب؛ فهي أتاحت للناس أن يطوروا إمكاناتهم الكامنة في كونهم بشرا، لكنها أيضا خاطرت بتحويلهم إلى درجال اجتماعيين، أمثال أيخمان (Eichmann)، والذين يفقدون إنسانيتهم أثناء تطبيقهم للأوامر العسكرية الخاصة بالدولة (0)
(30) كان مورغتاو وحنة آرندت (Hannah Ard) صديقين وزميلين، ويدل توافق آرانهما الكبير على أنهما استندا إلى رؤى بعضهما في أعمالهما. وقد كان مورغكاو معجبا جدا بکتاب ارندت - إن التحول الذكي الذي يعزوه مورغاو إلى عصر التنوير، يحمل معه أوجه شبه مذهلة بعصور التنوير الأولى في يونان القرن الخامس. ففي كلتا الحقبتين، كانت هناك مضامين سياسية واسعة النطاق تتعلق بالتعريف الذي وضعه البشر الذواتهم، والإيمان الواسع بقوة العقل والمنطق، وانتصار القيم العلمانية على تلك الدينية. أما الفرق الأكبر بين الفترتين فكان في مجال التكنولوجيا؛ فقد أتاح عصر التنوير الحديث الفرصة أمام قيام الثورة الصناعية وحرب عصر الآلات. وعد الأسلحة النووية ثمرة لهذه العملية، أما بالنسبة إلى مورغنتار، فهي «الثورة الحقيقية الوحيدة التي ظهرت في بنية العلاقات الدولية منذ بداية التاريخ. ولم تعد الحرب بين القوى النووية امتدادا للسياسة من خلال وسائل أخرى، وإنما أصبحت انتحارا متبادلا (31)
إعادة إحلال النظام العام
كتب ثوسيديدس ومورغنتار في أعقاب حروب مدمرة ارهنت المجتمعات والأعراف التي كانت قد حافظت على النظام العام داخليا وخارجيا. ولم يعتقد أي منهما بان ثمة جدوى من استعادة نمط الحياة القديم الذي كانت جوانب منه قد أصبحت سببا في مشكلات كثيرة حتى قبل نشوب الحرب. وبحثا بدلا من ذلك عن مزيج ما بجمع القديم بالجديد بحيث يكون في إمكانه أن يستوعب إيجابيات التحديث ويد في الوقت نفسه من إمكاناته الهدامة.
الفقد اراد ثوسيديدس من قراءه أن يدركوا الحاجة إلى نظام توليفي مرکب يجمع أفضل ما في القديم وأفضل ما في الحديث، ويتجنب بقدر الإمكان مخاطر كل واحد منهما، وقد كان أفضل ما في الجديد هو روح المساواة والفرصة التي قدمها لجميع المواطنين من أجل خدمة مدينتهم. أما أفضل ما في القديم فكان تأکيده مفهوم التميز والفضيلة (arete
) (areti) الذي شجع أعضاء من النخبة على كبح شهوتهم للثروة والسلطة، وحتى غرائزهم المتعلقة بالبقاء، وذلك في سبيل الشجاعة، والرأي السديد، وخدمة العامة. وقد أظهر الأثينيون التميز والفضيلة (arete
) (areti) في مدينة ماراثون (Marathon) وجزيرة سالاميس (Salamis) حيث خاطروا بحياتهم من أجل حرية اليونان واستقلالها (1). ومع نهاية القرن الخامس، كان معني مفهوم areti
) arete) قد تطور خلال ثلاث مراحل دلالية: ابتداء من المعنى الأصلي في اللغة اليونانية الهوميروسية [نسبة إلى الشاعر الملحمي هوميروس (Himeros) الذي ألف الإلياذة والأوديسة) والذي يعني مهارة القتال، إلى الدلالة التي تعني أن يصبح المرء ماهرا في أي شيء كان، إلى معنى حسن الأخلاقي. ويستخدم ثوسيديدس كل المعاني الثلاثة، ويقدم بريکليس معني رابعا في خطبة المرثاة (9) حيث أصبح مصطلح
aret) arete) هنا يصف السمعة التي يمكن الدولة أن تبنيها من خلال سلوكها السخي تجاه حلفائها. ويعطي ثوسيديدس تصورا مثاليا لأثينا البريكلسية كمثال على نوع التوليفة التي يتخيلها. فهي النموذج ذاته الخاص بالحكم المختلط (xunknsis) الذي سمح للقادرين أن يحكموا وللجماهير أن تشارك في الحكم بطرائق ذات معنى. وقد أدى ذلك إلى تهدئة التوترات بين الأثرياء والفقراء، وبين الذين يولدون لسلالة نبيلة وأصحاب المواهب من الرجال، ووقف على تضاد صارم مع التوترات الطبقية الحادة ومع شبه الركود في أثينا في حقبة نهاية القرن (fin de siecle). |
وربما يكون ثوسيديدس قد تمنى أن يعاد بناء العلاقات بين المدن على أسس مشابهة. فقد سادت داخل المدن أشكال عدم المساواة نفسها التي كانت سائدة في ما بين هذه المدن. وإذا كان من الممكن لقوة الطغاة أن تتبع المجال أمام الأرستقراطية والديمقراطية المختلطة، وإذا كان في الإمكان كبح النزعة نحو السلطة والثروة من خلال ترميم المجتمع المحلي، إذا قد يكون من الممكن تطبيق ذلك نفسه على العلاقات في ما بين المدن. وقد ترى الدول القوية مرة أخرى أن من مصلحتها أن تمارس النفوذ على أساس الهيمنة (hegemonian) (higimonia). ويمكن معادلة الاختلالات في موازين القوى من خلال مبدأ التناسبية (proportionality)؛ أي إن الدول الأكثر قوة تنال رفعة وشرقا يتناسبان مع درجة الامتيازات التي تمنحها للدول المدن الأقل قوة. وقد كان يراد بالتاريخ الذي كتبه ثوسيديدس أن يثقف الأثرياء والأقوياء بشان النتائج المفجعة التي تنجم عن التصرف كقوة طاغية، وذلك على مستوى الفرد أو الدولة، والمنافع العملية، ولا سيما ضرورة الحفاظ على ظاهر الأشكال الأقدم للمعاملة بالمثل على الساحة الدولية، أو حتى على جوهرها.
إن ثوسيديدس عقلاني ومتشكك صارم، لكنه يؤيد الذين لأنه يراه عمودا اساتها في الأخلاقيات والأعراف. كما يرى أن السفسطائيين الراديكاليين قد اساؤوا إلى أثينا عندما جادلوا بأن القوانين والأعراف (nomos) هي تبريرات تعسفية لأشكال متنوعة من انعدام المساواة. وقد كتب ثوسيديدس لعدد صغير من النخبة المثقفة التي، مثلها كمثله، من غير المرجح أنها كانت ستقبل بالقوانين والأعراف وكأنها منزلة من السماء. ويناشدهم ثوسيديدس من خلال دفاع أكثر تقدما عن القوانين والأعراف لا يتطلب تأصيلها في الطبيعة البشرية (phosis) . ومن خلال توضيحه العواقب المدمرة لانهيار القوانين والأعراف التي دعمتها، فإنه يثبت ضرورتها، واقتضاء حكمة من بيدهم السلطة في أن يتصرفوا وكانهم يؤمنون بأنها تستمد من الطبيعة. ويرى ثوسيديدس أن اللغة والأعراف تعسفية، ولكنها ضرورية، ويعطي التاريخ الذي كتبه، مثله كمثل التراجيديا، امنظورا خارجياء للنخبة كي يولدوا التزاما للعمل في الداخل من أجل ترميم ما هو مفيد أو حتى ضروري للعدالة والنظام.
أما مورغتتاو فيرى أن غياب القيود الخارجية على قوة الدولة كان الخاصية الوحيدة المحددة للسياسة الدولية في أواسط القرن. فقد أمسى النظام المعياري القديم خرابا و عاجزا عن كبح جماح القوى العظمى). وفي ضوء هذا الوضع، بات الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية أسيري صراع متصاعد، وفد جيل أكثر شؤما وحتمية من خلال الإمكانات المدمرة منقطعة النظير للأسلحة النووية، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان الخطر الأساس على السلام سياسيا؛ حيث إن موسكو وواشنطن كانتا مشبعتين بروح الحملات الصليبية الخاصة بالقوة المعنوية الجديدة للكونية القومية (nationalistic Universalism)»، وواجهت إحداهما الأخرى من خلال المعارضة منعة 99). وقد كان توازن القوى أداء عاجزة في تلك الظروف، وكان من المرجح أن يؤدي الردع إلى تفاقم التوترات بدلا من تخفيفها. وكان ممكنا أن تكون الثنائية القطبية قؤنا في الحفاظ على السلام من خلال تقليل الغموض، أو دفع القوى العظمى باتجاه الحرب بسبب المزايا المفترضة لشن الضربة الأولى. لقد كانت ثمة حاجة إلى ضبط النفس أكثر من أي شيء آخر، وقد خشي مورغتار من أن لا يكون الدي أي من القوى العظمى الزعماء الذين يمتلكون الشجاعة المعنوية اللازمة المقاومة الضغوط التصعيدية للدخول في سياسات خارجية محفوفة بالمخاطر وتقود إلى المواجهة
وقد كانت الواقعية في سياق الحرب الباردة بمنزلة مناشدة لرجالات الدول، ولا سيما زعماء الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، للاعتراف بالحاجة إلى التعايش المشترك في عالم من المصالح المتعارضة والصراع. ولم يكن من الممكن قط ضمان أمنهما، ولكن كان في الإمكان فحسب إعطاء تقدير له من خلال توازن قوي ضعيف، ومن خلال التنازلات والتسويات المشتركة التي قد تحل، أو في الأقل تعطل، سباق التسلح واحتمالات تصعيد الصراعات الإقليمية المتنوعة التي أصبحت الدولتان متورطتين فيها. وقد أصر مورغتاو على أن ضبط النفس وتسوية الخلافات جزئيا هي الاستراتيجيات قصيرة الأجل الأكثر عملية للحفاظ على الوضع السلمي. وبحلول عام 1958، أصبح الرجل الذي كان قبل عشرين عاما يصب ازدراءه على مطامح مؤيدي مبدا و السكاني، والمباع
و من هذه المشلم يكن لديه الإيمان
الدولية التنظيم الدولي] (internationalists)، يصر على أن صلاح الجنس البشري يتطلب الآن دمبدأ في التنظيم السياسي يتخطى الدولة القومية (97). |
وفي سبعينيات القرن العشرين، أصبح مورغتاو أكثر تشددا في التزامه بشكل من أشكال السلطة فوق القومية (supranational authority). فإلى جانب خطر حدوث محرقة نووية، واجهت البشرية مخاطر الانفجار السكاني، والمجاعات العالمية، والتدهور البيئي، ولم يكن لديه الإيمان بقدرة الدول القومية على تحسين أي من هذه المشكلات. لكن إذا كان الزعماء والشعوب متحمسين إلى هذا الحد لون سيادتهم، فأي أمل يوجد هناك من أجل توجيههم نحو قبول نظام جديد؟ ولن يحدث تقدم إلا عندما يقتنع عدد كاف من زعماء الأمم بأن هذا الأمر هو في مصلحة كل واحدة من أممهم. وتوضح سلسلة الخطوات التي اتخذها الأوروبيون نحو الاندماج، التناقض الواضح بأن اما هر مشترط تاريخيا في فكرة المصلحة القومية الدولة واحدة يمكن التغلب عليه من خلال تعزيز المصلحة القومية لعدد من الدول بالتنسيق المشترك في ما بينها فحسب، (10)
وقد أحسن كل من ثوسيديدس ومورغنتاو التعامل مع موضوع المراحل المتعاقبة للتحديث والنتائج الاجتماعية، والسياسية، والعسكرية لتلك المراحل. فقد فهما هذه النتائج، والتحديث نفسه، بوصفها تعبيرا عن الهويات والخطابات التي تبرز، فلم يكن البشر محاصرين قط بثقافتهم أو مؤسساتهم، وإنما كانوا يعيدون دائما تشكيلها ويحدثون فيها التغييرات، ويخترعونها من جديد. وقد كانت المشكلة المركزية بالنسبة إلى ثوسيديدس ومورغتاو هي أنه كان يتم ترك الإجراءات القديمة، أو أن تلك الإجراءات لم تكن تعمل، وكان يجري استبدالها بممارسات جديدة وخطرة قد دخلت من دون سابق إنذار. وقد اعترفا بأنه لا يمكن استعادة الأنظمة المحلية المستقرة، والأمن الذي يمكن هذه الأنظمة أن نتيجه، إلا من خلال تركيبة ما تجمع القديم بالجديد. وكان لا بد لهذه التركيبة من أن تس?ر قوة العقل، وتضع في الحسبان أيضا الرغبات الهامة التي غالبا ما تحفز الأفراد، والطبقات، والوحدات السياسية. ولا بد لهذه التركيبة من أن تبني مجتمعا، لكن لا يمكنها أن تتجاهل القوى الانفصالية المؤثرة [الراغبة في الاستقلال أو الابتعاد عن المركزي، ولا سيما المصلحة الذاتية على المستويات الفردية، والجماعتية، والقومية، والذي شجعه التحديث وأعطاه شرعية. وقد كان التحدي الأكبر على الإطلاق هو بناء النظام الجديد من خلال الجهة الراغبة من ممثلي النظام القديم، بالتعاون مع ممثلي التحديث الذين أعطوا الصلاحيات حديا.
وبالنظر إلى طبيعة التحدي، ليس مفاجئا أن الواقعيين الكلاسيكيين كانوا أفضل في التشخيص منهم في العلاج، إذا أردنا استخدام الاستعارة المجازية الطبية التي استخدمها ثوسيديدس. وقد كان ثوسيديدس الأكثر ثقافة واطلاقا من بين هذين المفكرين. وربما يكون عدم تقديمه لأي تركيبة واضحة أما مقصودا، وإنما اكتفى بالرجوع إلى تركية سابقة - وهي أثينا البريكليسية - والتي يمكنها أن تكون بكتابة نموذج، أو في الأقل نقطة بداية، للتفكير في المستقبل. أما مورغنتاو فقد تطرق إلى مشكلة النظام على مستويين اثنين؛ فقد سعى نحو تدابير سياسية موقتة لكسب الوقت من أجل أن يستوعب رجال الدولة الحاجة إلى السمو إلى ما هو أعلى من نظام الدولة. وتبقى أعمالهما مقتنيات تصلح لكل زمان، ليس بسبب بصيرتها النافذة في الحرب والسياسة والطبيعة البشرية وحسب، لكن بسبب شيء ربما ما كانوا يلحظونه عن وعي قط، وهو التوترات العالقة التي تشير إلى ضرورة التوفيق بين التراث التقليدي والتحديث من خلال خطط واعية ومنطقية، وتشير في الوقت نفسه إلى الصعوبة الضخمة التي ترتبط بعملية التوفيق هذه
مصادر و المراجع :
١- نظرية العلاقات الدولية
المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث
المترجم: ديما الخضرا
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016
تعليقات (1)
Zaproxy alias impedit expedita quisquam pariatur exercitationem. Nemo rerum eveniet dolores rem quia dignissimos.