اعتقد أرسطو (19) أن من غير المرجح أن تكون الأبحاث البشرية قادرة إطلاقا على إنتاج ما سماه episteme، والتي عرفها بأنها المعرفة المتعلقة بالطبائع الأساس التي تم التوصل إليها من خلال الاستنباط من المبادئ الأولى. ولا يناقش ثوسيديدس الأسئلة المتعلقة بالمعرفة (epistemology) بشكل مباشر، لكن يمكنك الاستدلال بسهولة أنه أيضا يعتقد بمحدودية البحث الاجتماعي. ومن المواضيع التي يتطرق إليها تكرارا هي الدرجة التي يكون فيها السلوك البشري معتمدا على السياق؛ أي إن التحديات الخارجية المتشابهة تثير طيفا من الردود المختلفة عند الثقافات السياسية المختلفة. وفيما تتطور هذه الثقافات، فإن سياساتها الخارجية تتطور أيضا، وهو تطور فم بتوثيقه بالنسبة إلى أثينا، وهناك أيضا تباين داخل الثقافة نفسها. إن التصورات التي وضعها ثوسيديدس بشأن القرار الاسبارطي الدخول في حرب، والطاعون في أثينا، والجدال الميتيليني والضغينة (stasis) بين الأرستقراطيين في کرگيرا [stasis هو العداء والضغينة بين الأرستقراطيين الإغريق حول من هو الأفضل، كلها تكشف عن أن الأفراد يستجيبون بطرائق مختلفة للموقف نفسه أو للمواقف المتشابهة
وينکر مورغنتاو بصراحة احتمال وجود قوانين عامة وتنبؤات مبنية على أنواع محدودة من التعميم. وقد تصور مورغنتاو العالم الاجتماعي كأنه فرضي من الحالات الطارئة»، لكنها الا تخلو من التدابير العقلانية. يمكن اقتصار العالم الاجتماعي على مجموعة محدودة من الخيارات الاجتماعية غير معروفة التيجة، بسبب عدم عقلانية الجهات الفاعلة والتعقيد المتأصل في طبيعة العالم الاجتماعي، وأفضل ما يمكن النظرية أن تفعله هو أن تسرد النتائج المحتملة الاختيار أحد الأبدال دون سواه، والظروف التي يكون ظهور أحد الأبدال ضمنها مرجحا أو أكثر نجاحا من سواه (40)
وتعد كل من هذه المصطلحات thearie و theoretin و theoros كلمات من حقبة ما بعد هوميروس، ولها علاقة بالمشاهدة والزيارة. فقد كان مصطلح theords ي عني «شاهد» (witness) أو مشاهدة [متفرج)، وكان يتم ابتعاث الشاهد (thearts) إلى مدينة دلفي (Delphi) من جانب مدينته ليجلب معه سرا کاملا لتعاليم الوسيط الروحي (أوراكل (oracle). وقد يتم إرساله أيضا إلى المهرجانات الدينية والرياضية، ومن هنا أخذت الكلمة دلالتها بمعنى المتفرج. ومع الوقت، أصبح دور المشاهد (thedris) أكثر فعالية؛ فقد كان متوقعا منه ليس أن يصف ما رآه وحسب، بل أن يفسر معناه أيضا.
وثوسيديدس هو أقرب ما يكون إلى نموذج theords؛ فهو يزود القراء بوصف للحوادث يشتمل على تأويلات المعاني هذه الحوادث متضمنة في الوصف. ويجري مورغنتاو تحقيقات نظرية مستقلة، يتم فيها استخدام تصورات تاريخية موجزة، توصف بشكل أدق أنها أمثلة، وذلك بهدف التوضيح. لكن من خلال سيره بحسب التراث الفكري الأفضل للإغريق، يطمح مورغنتاو إلى تطوير إطار يمكن الجهات الفاعلة أن تستخدمه من أجل الوصول إلى فهم للمشكلات المعاصرة، ويصر مورغتار على أن جميع المساهمات الخالدة في العلوم السياسية، ابتداء من أفلاطون، وأرسطو، وأغسطين (8 ugustine) ووصولا إلى الاتحادية [الفدرالية]، ومارکس، وكالهون (Calhoun)، قد كانت ردودا على مثل هذه التحديات التي تبرز من الواقع السياسي، لكنها لم تكن تطورات نظرية مكتفية ذاتيا تسعى نحو أغراض نظرية من أجل مصلحتها الخاصة» (91). أما المفكرون السياسيون العظماء الذين واجهتهم المشاكل التي لم يكن في الإمكان حلها باستخدام الأدوات المتاحة، فقد طوروا طرائق جديدة في التفكير من أجل استخدام تجارب الماضي لتسليط الضوء على الحاضر. وفوق ذلك، نقد سعي ثوسيديدس ومورغتاو إلى استثارة ذلك النوع من التأملات الذي يقود إلى الحكمة، وإلى جانبها تقدير الحاجة إلى ضبط النفس (sophrosune). وبالنسبة إلى بلا الواقعين الكلاسيكين، فقد كان التاري هو الوسيلة الناقلة للتراجيديا والأستاذ المعلم للحكمة.
الكتاب المنتقي کتاب ريتشارد ند لييو بعنوان نظرية ثقافية في العلاقات الدولية (2)
سيرا على نهج الإغريق، فإني أطرح افتراضا أن الروح المعنوية (بمعني الطموح إلى الأمور المعنوية كالشرف والمكانة، والشهوات، والعقل هي دوافع اساسية لها أهداف او غايات متميزة واضحة، وتؤدي إلى اشكال مميزة من المنطق لها مضامين مختلفة حول التعاون، والصراع، والمجازفة. وهي تتطلب نماذج متميزة لمحددة من التسلسلات الهرمية المبنية على مبادي مختلفة في العدالة، كما أنها تساعد في توليد هذه النماذج. وعلى سبيل المثال، ففي العوالم المبنية على أساس الروح المعنوية (الطموح المعنويا، بعد الشرف ورفعة الشان هدفين رئيسين، وهما أهم من البقاء وتتصف التسلسلات الهرمية بكونها تعتمد على الزبونية والمحسوبية] وتقاوم مبدأ الإنصاف، ويتم الحفاظ على النظام في مستوى الفرد، والدولة، والإقليم، وفي المستوى الدولي، من خلال التسلسلات الهرمية و?م القواعد الخاصة بكل واحدة منها، وهي تضعف أو تنهار عندما يصبح التناقض بين السلوك وبين مبادئ العدالة التي تعتمد عليها، کبيرا وواضحا. إن الاستتباب النظام أو اختلاله على أي مستوي، مضامين تتعلق بالنظام على المستويات المتقاربة. اما
كما أعطى وصفا للآليات التي تحول انعدام التوازن إلى اختلال في النظام الاجتماعي وانهياره. أما المجتمعات المبنية على اساس الروح
الطموح والشهوات معا، فهي مجتمعات ضعيفة التوازن حتى عندما تسير بشكل جيد. وکلا هذين الدافعين يتقدم من خلال المنافسة، وهذه المنافسة المدفوعة بدوافع الروح لتحقيق رفعة الشان شديدة بشكل خاص بسبب طبيعتها العلانية. وعندما لا يكبح العقل جماح المنافسة، سواء أكانت على الشرف ورفعة الشأن (الروح) أم على الثروة الشهوة)، فيمكن المنافسة أن تتخطى القيود المتعارف عليها وتقود إلى انحلال سريع للنظام. ومن جهة أخرى، يمكن اختلال التوازن باتجاه الروح أن يزيد من حدة المنافسة بين أفراد النخبة إلى حد أن تصبح أعداد كبيرة من الأطراف الفاعلة التي نتمي إلى النخبة في خشية من أن حرم رفعة شأنها ومكانتها او حتى من أن سلب منها حياتها. وتصبح هذه المخاوف شديدة الأهمية عندما يظهر أن إحدى الجهات الفاعلة، أو الطوائف (أو الدول أو التحالفات على وشك الاستيلاء على اليات الدولة أو إساءة استغلال قوتها لتؤسس لطة غير مرغوب فيها على غيرها) وذلك خلال سعيها إلى تحقيق أهدافها ضيقة الأفق. وفي هذه الظروف، قد تندلع أعمال العنف أو الحرب التي تكون قد حصلت نتيجة مراهنة أحد الأطراف على السيطرة أو العمل الاستباقي من الطرف الآخر عليها. ومن المرجح أن يقود اختلال التوازن باتجاه الشهوات من جانب النخبة إلى تقليد الجهات الفاعلة الأخرى بالمنافسة وإلى استيائها على حد سواء. كما أن اختلال التوازن هذا بخاطر بانحلال النظام الاجتماعي من خلال الخرق الواسع للقوانين والأعراف (nomos) وزيادة التوترات الطبقية التي تقود في النهاية إلى النوع نفسه من المخاوف وردات الفعل عليها المترافقة مع إفراط في الروحانية
جميع هذه الدوافع الثلاثة، إضافة إلى الخوف، حاضرة بدرجات متفاوتة في العوالم الحقيقية. والعوالم الحقيقية وعرة، من حيث إن مزيج دوافعها يختلف من جهة فاعلة إلى أخرى وبين الجماعات التي تشكلها. وتقوم الدوافع المتعددة عادة بالاختلاط أكثر من كونها تندمج تماما، مؤدية بذلك إلى ظهور طيف من السلوكيات التي غالبا ما قد تبدو متناقضة. وقد أوضح هذا التنوع ونفعية نظريتي في انتي عشرة حالة دراسية تمتد من الحضارة الإغريقية القديمة وصولا إلى الغزو الأنكلو - أميركي للعراق، واستخدم مجموعة واحدة من المؤشرات لبيان مزيج الدوافع في المجتمع أو بين الجهات الفاعلة ذات الصلة ووضع تنبؤات حول نوع سلوك السياسة الخارجية الذي يتوقع أن نشهده. كما استخدم مجموعة أخرى من المؤشرات التي تحدد ذلك السلوك وثبت تنبؤات النظرية بشكل كبير، وفسر السلوك غير المألوف او الغريب بالنسبة إلى النظريات الأخرى. علاوة على ذلك، فإني بين كيف أن نهوض الدولة، والحروب الحديثة، وظهور مناطق السلام (zones of peace)، هي أمور لا يمكن فهمها من دون أن نفع الروح المعنوية لبمعني الطموح للمعنويات في الحسبان، وكذلك الطرائق التي يمكن من خلالها ضبط الروح والشهوة وتهذيبهما من خلال العقل.
مصادر و المراجع :
١- نظرية العلاقات الدولية
المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث
المترجم: ديما الخضرا
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016
تعليقات (1)
Zaproxy alias impedit expedita quisquam pariatur exercitationem. Nemo rerum eveniet dolores rem quia dignissimos.