المنشورات

الليبرالية

(Liberalism)
بروس راسيت (BRUCE RUSSETT)
محتويات الفصل: مقدمة. أربعة تغييرات كبيرة في العالم: دراسة وبائيات الصراع الدولي
تحليل التجربة العولمية على مدى قرن من الزمان هل تعد الديمقراطيات مسالمة بشكل عام؟ |
نظام يديم ذاته؟
دراسة حالة تعزيز النظام في الفوضى الاستنتاج دليل القارئ
إن التحول الأهم في السياسة العالمية خلال السنوات السنين الماضية نشأ من توسع ثلاث ظواهر رئيسة مزامنة له ومتداخلة معه، ومرتبطة بالليبرالية (liberalism) وبتركيزها على الإمكانات الكامنة في المؤسسات المحلية وعبر الوطنية للتأثير في صنع السلام. وأول هذه الظواهر هو انتشار الديمقراطية عبر معظم أرجاء العالم. وثانيها هو الشبكات المتعددة للتواصل، والتجارة، والتمويل التي عادة ما تلخص بالعولمة. وثالثها هو تضاعف أعداد المنظمات بين الحكومية الدولية (intergovermental organizations)، خصوصا تلك التي تتألف من حكومات ديمقراطية بشكل أساس. وكل واحدة من هذه الظواهر تدعم الأخرى وتعززها من خلال نظام قوي للتغذية الراجعة وضع تصوره إيمانويل كانط. إضافة إلى ذلك، فإن كل واحدة منها تخلق مجموعة من المعايير والمصالح التي تقلل، وبشكل كبير، من خطر وقوع صراع عنيف بين البلدان التي ترتبط مقا بهذه الطريقة. وتشكل أوروبا المعاصرة المثال التطبيقي الأساس لهذه العمليات على أرض الواقع، لكنها ليست مقصورة على أوروبا ولا على الاقتصادات المتقدمة. 

مقدمة
إن العالم مليء بالشواهد التي تدل على التراجيديا [الماساة). فالحكومات تضطهد شعوبها وتمارس العدوان ضد جيرانها. وتتم إدارة السياسة الدولية في حالة من الفوضى (anarchy)، حيث استخدم الإغريق ذلك المصطلح ليس بمعني فوضى الفلتان (chaos)، وإنما يعني باليونانية من دون حاکم، أي انعدام وجود سلطة مسيطرة تفرض النظام. فهناك انتظام معين، لكنه موجود في عالم أبعد ما يكون عن كونه مستعدا لحكومة عالمية، فالانتظام في معظمه ليس شيئا يتم فرضه من أعلى.
يقول الواقعيون إن كل دولة هي عدو محتمل لكل دولة أخرى، وإنها خطر يهدد أمن الدول الأخرى وجوهر بقائها، سواء أكان ذلك عن قصد أم عن غير قصد، وفي غياب دولة عالمية، تبقى الدول محاصرة إلى الأبد في هذه الحالة الخطرة المتداعية من الحرية والمخاطرة، ولهذا الفكر، كما الفوضى التي تشکل اساسا له، تاريخ يمتد منذ أيام ثوسيديدس، ونيكولو مكيافيلي Niccolo) (Machiavelli، وتوماس هوبز، وهو بشكل وجهات نظر عديد من صانعي السياسات، وعلى الرغم من ذلك، فهنالك قيود على استخدام القوة. فالدول لا تقاتل جميع الدول الأخرى حتى عندما تسيطر المبادئ الواقعية البحتة، وذلك لأنها مقيدة بالطبيعة الجغرافية، وبتلاقي المصالح القومية العرب عنها في التحالفات، وبتوازن القوى. ويشكل الردع المحور الرئيس للبقاء، لكن الردع - ولا سيما الردع النووي - هو طريقة غير أكيدة وخطرة لتجنب الحروب. إن التعامل مع السياسة الدولية كلها وكأنها صراع لا ينتهي، ومع الجميع وكأنهم عذر محتمل، بخاطر بتحوله إلى نبوءة تحقق ذاتها. 

يستحق المنظور المنافس اللواقعية] أهمية مساوية. ويرتبط هذا المنظور، الذي يسمى أحيانا بالمؤسساتي الليبرالي (liberal institutionalist)، بالمحللين الكلاسيكيين أمثال جون لوك (John Locke)، هيوغو غروتيوس (Hugo Groticus)، وإيمانويل كانط. فقد اقترح كانط أن «الدساتير الجمهورية، والتبادل التجاري المتجسد في القانون الكوزموبوليتانية (cosmopolitan haw)، ونظام من القانون الدولي بين الجمهوريات التي بحكمها داخليا حكم القانون، تشكل معا قاعدة للسلم المستدام. في حين أن البديل هو سلام على شكل قبر شاسع تدفن فيه كل أموال العنف مع أولئك المسؤولين عن هذه الأهواله). ولم يكن السلام مجرد مثل عليا بالنسبة إلى كانط؛ فقد اعتقد بأن العمليات الطبيعية التي تتعلق بالمصالح الشخصية يمكنها أن تدفع الأفراد العقلاء إلى التصرف بوصفهم عملاء لإحلال السلام العادل. وقد كان كانط واقعيا أيضا في اعترافه بان على الأمم أن تتصرف بحكمة إلى أن يتم تشكيل الفدرالية من الجمهوريات ذات الاعتمادية المتبادلة.
تشتمل الافتراضات «الليبرالية الرئيسة في الإطار الذي وضعه كانط على الإيمان بالخصائص العقلانية للأفراد، والإيمان بجدوى التقدم في الحياة الاجتماعية، والقناعة بأن البشر، على الرغم من حرصهم على مصلحتهم الشخصية، قادرون على التعاون وبناء مجتمع أكثر سلمية وتناغما. وقد عملت الدولية الليبرالية (liberal internationalism) التي أنشأها كانط على نقل هذه المعتقدات إلى المجال الدولي من خلال تأكيد حقيقة تقول بإمكان التغلب على الحرب والصراع، أو تخفيفهما، من خلال التغييرات المنسقة في بني الحكم المحلية الوطنية والدولية على حد سواء
كثيرا ما وصف المنظور الكانطي بأنه متناقض مع الليبرالية، لكن هذه غلطة، فقد قبل كانط وصف هويز للصراع بين عدد من الأمم، لكنه ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فالفدرالية السلمية التي نخيلها هي بتعبير أدق كونفدرالية، وليست دولة عالمية، بحفظ أعضاؤها بسيادتهم، ولا يربط في ما بينهم إلا مؤسسات شبه فدرالية، كما هو الحال في أوروبا اليوم، أو أنهم يرتبطون بعضهم ببعض من خلال تحالفات أمنية جماعية، والفرق بين النظامين الفكريين هو أن كانط ينظر إلى الحكومة الديمقراطية، والاعتمادية الاقتصادية المتبادلة، والقانون الدولي، والمنظمات الدولية، بوصفها وسائل للتغلب على المعضلة الأمنية الخاصة بالنظام الدولي
وقد جادل كانط بأن عناصر الفدرالية السلمية (pacific federation) الثلاثة التي طورها ستقوي مع الوقت لتولد عالما أكثر سلمية. ولأن الأفراد يرغبون في أن يكونوا أحرارا وأثرياء، ستتوسع الديمقراطية والتجارة، ما سيقود طبيعيا إلى نمو القانون الدولي والمنظمة الدولية من أجل تيسير هذه العمليات. وقد تمتك كانط بالاعتقاد بأن السلام بين الدول الجمهورية لا يعتمد على التحول الأخلاقي للبشرية، فحتى الشياطين تعرف كيف تروج لمصالحها من خلال التعاون. لقد كان كانط إمبيريقيا درس الأنثروبولوجيا والجغرافيا، وقد استند إلى تاريخ موطنه الأصلي كونيغزبرغ (Konigsberg) الذي كان ذات يوم عضوا في الرابطة الهانزية للدول التجارية في شمال أوروبا (The Hansentic League) . وقد علم كانط أن تحقيق السلام الدائم ليس عملية ميكانيكية، وأن نتائجه غير محددة، وأن على أفراد البشر أن يتعلموا من تجاربهم الخاصة ومن تجارب غيرهم، وذلك يشتمل على تجارب الحروب.
الكتاب المنتقي
کتاب مايکل دوئل بعنوان شبل الحرب والسلام) في كتابه شبل الحرب والسلام، يتبع مايكل دوئل تطور نظرية العلاقات الدولية بدءا بنوسيديدس في ما يتعلق بالحرب البيلوبونيزية Peloponnesian) (War قبل 2500 عام تقريبا. وقد كان دوئل من أوائل منظري العلاقات الدولية في العصر الحديث الذين يروجون للفكرة الكانطية حول السلام الليبرالي. وفي هذا النص التوضيحي، لا يقوم دوئل بإعطاء تصور مفصل للفكر الليبرالي الكلاسيكي وحسب، بل يوضح أيضا كيف تطور هذا الفكر جنبا إلى جنب مع بديلين تاريخيين اثنين، هما الواقعية والماركسية. |
لقد كان الواقعيون الكلاسيكيون أمثال ثوسيديدس مدرکين الصدارة سياسة القوى. فكما حاج ثوسيديدس في كتابه تاريخ الحروب البيلوبونيزية، كان نمو القوة الأثينية والخوف الذي أثاره هذا النمو عند الاسبارطيين هو الذي قاد إلى نشوب الحرب بين أقوى مدينتين دولتين إغريقيتين. ويركز هذا التصريح الواقعي الكلاسيكي على الضعف الذي يكمن في الدول المستقلة في أي نظام يتسم بالفوضى. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا ليس تصريحا يتعلق بتحول موازين القوى وحسب، لكنه يتعلق أيضا بالفاعلية؛ أي الكيفية التي يقوم من خلالها كل واحد من الزعماء ابوصفه يمثل بلده أو شعبه کوکيلا بتاويل التحولات وباختيار الإجراءات التي يتخذها لحماية أمنه. فالشخصية والسياسة المحلية هما
جزء من روايته. وتتطلب الشخصية السياسية بصيرة ورايا سديدا، وتكمن الأخلاقيات في التزام الشخص بسلامة شعبه. وقد شدد هويز الذي كتب في إنكلترا في القرن السابع عشر عقب حرب أهلية ضارية على الحاجة إلى وجود قائد قوي يفرض النظام من أجل حماية لحكمه داخليا، وعلى قدرة هذا القائد على الدفاع عن دولته في النظام الدولي الفوضوي. وقد كان لدى جميع الدول تقريبا آنذاك قادة أقوياء کهؤلاء، أما الدول التي لم يكن لديها، فقد كانت تعاني من غياب قائد من هذا النوع
وقد كان لدى المنظرين الواقعيين اللاحقين، مثل جان جاك روسو (Jean lacques Rousseana) في عام 1756، تباينات أكثر بشان الطريقة التي يتم فيها حكم الدول، وقد فكروا مليا في الكيفية التي يمكن من خلالها أن تؤثر الديمقراطية، والثورة، والاختلافات الثقافية، في قدرة الدول على البقاء دوليا. وقد انطلق كانط جزئيا من هذه الرؤية وبني عليها، وطورها بشكل أكثر تكاملا من خلال اهتمامه بالحكومة الجمهورية والعلاقات التجارية. وقد كان اختلاف كانط يكمن في رؤيته العقلانية القوية في أنه يمكن القادة أن يضعوا تصورا لنظام مختلف من القواعد والحوافز للتعاون، وحتى أنهم يمكن أن يخلقوا هذا النظام المختلف الذي قد يتمكنون من خلاله، ولمصلحتهم الخاصة، من ترويض الأخطار التي تتهددهم والكامنة في الفوضى. ومع حلول القرن العشرين، طور المفكرون الماركسيون أمثال لينين منظورا شديد الاختلاف؛ فقد تبنوا فكرة أن الضرورات الاقتصادية استخلق دولا تحكمها مصالح تجارية احتكارية، وأن تلك الدول ستحارب
حتما في قتال مرير في سعيها نحو أسواق دائمة التوسع في الخارج. وفي المقابل، فقد كان جوزيف شومپيتر (Joseph Schumpeter) مقتنعا بان التحول إلى الصناعية سيؤدي إلى ظهور عدد أكبر من الزعماء الديمقراطيين، وبأن التجارة الدولية الصاعدة ستروض الإمبريالية المادية.
ويقودنا دوئل إلى التعرف إلى الكيفية التي تطورت من خلالها التصورات الكلاسيكية للواقعية، والليبرالية، والماركسية، في أذهان منظرين وناشطين مهمين في سياق ظروف سياسية واقتصادية كثيرة الاختلاف. ويستمر إرث هذه المدارس الفكرية المتنافسة، إلى جانب الواقع الأقتصادي والسياسي العالمي المتغير، في تشكيل النظرية المعاصرة والسياسات المعاصرة التي تتعلق بمصالحنا ومصالح الآخرين. 













مصادر و المراجع :

١- نظرية العلاقات الدولية

المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث

المترجم: ديما الخضرا

الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت

الطبعة: الأولى

تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید