| تبدا الليبرالية الجديدة تحليلها من خلال تحديد المصالح الذاتية المشتركة التي يهدف إلى تحقيقها جهد تعاوني معين في إطار مؤسسي دولي، بمعني، ما هو الغرض المشترك أو الهدف المشترك الذي صممت من أجله المؤسسة؟ بعد ذلك يلتفت التحليل الليبرالي الجديد إلى السؤال عن كيفية قيام ذلك التصميم المؤسسي الهيكل التنظيمي المحدد بضمان تحقيق تلك الفوائد بشكل كاف، أو ما إذا كان ذلك التصميم المؤسسي يضمن تحقيق تلك الفوائد بكفاءة، ومن خلال ذلك، تستخلص الليبرالية الجديدة دروسا قابلة للتعميم تتعلق بجوانب المؤسسة الأكثر نجاحا أو الأقل نجاحا في تحقيق نتيجة تعاونية. ومن خلال دراسة التعاون والمؤسسات بهذه الطريقة، حدد الباحثون الليبراليون الجدد ثلاث صعوبات واسعة في التصميم المؤسسي الدولي، حيث تؤثر هذه الصعوبات في مدى إمكان تحقيق التعاون الدولي.
المساومة
تتعلق الفكرة الرئيسية الواسعة الأولى بمدى الدور الذي يؤديه التصميم المؤسسي في المفاوضات الدولية والمساومة (bargaining) الدولية، ومن أجل الوصول إلى قرار متفق عليه جماعيا، تحتاج الدول إلى درجة من الانتظام في القواعد والإجراءات من أجل عملية اتخاذ القرارات الجماعية، ومن خلال جعل القواعد والإجراءات أكثر طبيعية، تعكس المؤسسات حدودا متفقا عليها، تفرض على السلوك وعلى تحقيق الأهداف الجماعية. إلا أن أي جهد دولي تعاوني سيشتمل بالفعل على قدر كبير من المفاوضات، غالبا ما تكون بين عدد كبير من الجهات الفاعلة من الدول التي لديها مصادر ومصالح مختلفة نسبيا. كذلك، فإن خصوصية إجراءات المساومة وانتظام هذه الإجراءات يختلفان وفقا المجالات القضايا المحددة والمؤسسات الخاصة بها، لذا يوجد تباين في مدي جودة تحقيق مؤسسات معينة لأهدافها المحددة.
من الواضح أنه يمكن أن يكون لدى القوى العظمى تأثير أكبر في المفاوضات الدولية ونتائجها، وذلك بحسب الاتهام الذي وجهه النقاد إلى الليبرالية الجديدة (29). وربما أنه، كما حاج جوليو غالاروتي (20)، على الرغم من أن المؤسسات الدولية مي فعليا بمنزلة منتديات مهمة للتفاوض، إلا أنها لم تكن مديرة جيدة تحديدا لبعض المشكلات الجماعية لأنها لا تستطيع أن تحل الصراعات الخطيرة بين الدول. وتشير هذه الانتقادات إلى أن إعادة التصميم المؤسسي سيحيد عن هدفه لأنه لا يخاطب المشكلات التي تشكل أساسا العملية المفاوضات ذاتها، فالصعوبات التي تحول دون التعاون موجودة في مكان آخر، هو مجال القضية أو الدول المعنية.
في ضوء هذه الانتقادات، يجب علينا أن نكون حريصين على تمييز المتغيرات السببية بدقة وأن نأخذ في الحسبان دور القوة حينما نتفحص نتائج المساومة. لكن صرف النظر عن دور المؤسسات، وعن كامل العمل التحليلي الخاص بالليبرالية الجديدة، بناء على تلك الأسس، يتجاهل مدى اعتماد الدول ذات السيادة القوية منها والضعيفة) على المؤسسات في كونها بالدرجة الأولى منتديات مهمة للتفاوض. كما أنه لا ينفي الدور الذي قد تؤديه التصاميم المؤسسية المختلفة في تحقيق مفاوضات أكثر فعالية في مواقف معينة. وبالتأكيد، قد تنجم اختلالات نتيجة للقوة النسبية، إلا أن هذه الاختلالات لا تفسر كل الحالات التي كان من الممكن للتعاون فيها أن يتحقق بشكل أكثر فعالية. بعبارة أخرى، هنالك أوقات تكون فيها اختلالات المساومة ضمن متناول مصممي المؤسسات.
وقد وجدت باربرا کوريمينوس (Barbara Koremenos)، وتشارلز ليبسون (Charles Lipson)، ودنكن سنايدل (27) (Dunkin Snidal أن هناك عددا من خصائص التصميم الرئيسة التي لها تأثير في نتائج المساومات. وتشتمل هذه الخصائص على نطاق القضية الذي تغطيه المفاوضات، ومدى ارتباط القضايا بعضها ببعض، والقواعد التي تتحكم في كيفية اتخاذ القرارات (بما فيها القواعد المتعلقة بالتصويت في الانتخابات). فربط القضايا، على سبيل المثال، أضحي غالبا في المساومات بين الدول الأوروبية على وجه التحديد، حيث تطورت درجة عالية من الماسسة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، ويشير توماس أوتلي (20) (Thomas Outley) إلى أن المئات من الاتفاقات التجارية الأوروبية ثنائية الأطراف التي أبرمت عقب الحرب العالمية الثانية قامت في البداية بتقييد المكاسب الكبيرة التي يمكن تحقيقها من خلال التجارة في ما بين الدول الأوروبية. إلا أن هذه الاتفاقات كانت أيضا بمنزلة نقاط انطلاق إلى تعددية الأطراف في التجارة الأوروبية من خلال المؤسسات الإقليمية. ومن خلال تطوير مؤسسات كالاتحاد الأوروبي، حققت المفاوضات متعددة الأطراف مکاسب جماعية أكبر، وأتاحت ربط المفاوضات عبر مجالات عدة من القضايا المشتركة. وبناء عليه، فقد أصبح ربط القضايا مهما للغاية في السياق الأوروبي،
حيث يقود التشبيك بين المؤسسات الإقليمية والعالمية إلى ألعاب مؤسسية معقدة في المساومة تشتمل على قطاعات عدة (29). ولم يكن هذا التشبيك، أو التعتقد في المفاوضات، ممكنا في غياب التنظيم المؤسسي الدولي وثمة جدال بين الباحثين الليبراليين الجدد حول ما إذا كانت الترتيبات المؤسسية الإقليمية أكثر أم أقل فعالية نسيا من الترتيبات المؤسسية العالمية في تيسير المفاوضات (10). وكان التوجه نحو الإقليمية منذ تسعينيات القرن العشرين قد صاحبه أيضا ازدياد في إعطاء شرعية للمفاوضات، والذي أصبح من تلقاء نفسه موضوعا مهما للتحليل الليبرالي الجديد"). وقد كان تشريع المفاوضات الدولية يعني أنه قد تم إعطاء تعريف واضح لقواعد اتخاذ القرارات وآليات حل النزاع، وأن المفاوضات الدولية تسير على خطوط محددة بشكل دقيق. وعلى الرغم من أن تشريع مجال قضية ما لا يضمن امتثال الدول له، يبدو أن عملية التشريع ودرجتها في مجال قضية ما، تؤثران في نتائج المساومة بطرائق مهمة
على سبيل المثال، تعتمد الدول الآن وبشكل متزايد على الإجراءات القانونية الدولية من أجل حل النزاعات التجارية، وذلك من خلال تقديم شكاوى تتعلق بخروقات المعاهدات إلى أطراف ثالثة محايدة تقوم بعدها بإصدار أحكام شرعية ملزمة قانونا. وهذا الأمر مربك لأنه، وبالنظر إلى نظام الفوضى الذي يتكون من دول ذات سيادة، فإن سبب سعي الدول في الأساس إلى تجنب صدور حكم لا ترغب فيه، لا يتضح على الفور. فلماذا لا تقوم الدولة من الأساس وببساطة بتجاهل الحكم الذي لا يعجبها؟ وبما أن هناك عددا من المسببات المحتملة لسلوك التجنب هذا تجنب الدول لتجاهل الحكم القانوني، فقد يكمن بعض أجزاء من التفسير، في الأقل، في القيمة المعيارية التي تقرنها الدول ذات السيادة بأي إجراء قانوني، بوصفها هي نفسها کيانات مؤسسية قانونية (37). ويشير هذا إلى أنه كلما استطاعت المؤسسة الدولية أن شرع عملية أو إجراء ما (ما يجعله شفافا وواضحا)، ازدادت فرص أن تختم المفاوضات بنجاح.
وقد يساعد هذا النوع من الوضوح صناع القرار داخل الدولة حين يواجهون بضغوط محلية في أن يقوموا بسن القوانين المتعلقة بالحواجز التجارية (2). في المقابل، أشار توماس أوتلي وروبرت نابورس"، إلى أن صناع القرار يقترحون أحيانا مؤسسات دولية تعمل على إعادة التوزيع کي تهذي الضغوط السياسية المحلية. ومن خلال ذلك، يحقق صناع القرار مصالحهم المحلية، في الوقت نفسه الذي يكونون فيه قد ساهموا في مأسسة مجال قضية دولية معينة وفي إعطائه صفة شرعية. في الواقع، قد تكون قيادة صناع القرار عنصرا مهما في القدرة على إزالة معوقات المساومة على المستويين المحلي والدولي على حد سواء (99). وقد اكتشف الباحثون الليبراليون الجدد أن التصميم المؤسسي، في جميع هذه الحالات، يؤدي دورا في تعزيز بعض جوانب المساومة الدولية أو إحباطها، مؤكدين بذلك وجود علاقة وثيقة بين دراسة التصميم المؤسسي وتحقيق الأهداف الجماعية.
التنصل من الالتزام
الفئة الثانية الواسعة من فئات مشاكل التصميم المؤسسي والتي تهم علماء الليبرالية الجديدة تتعلق بقضية التنصل (defection) أو عدم القيام بالالتزام] ولأن الدول تخشى من احتمال أن لا يفي شركاؤها التعاونيون بالاتفاقات المتبادلة، فقد يثنيها ذلك عن الاشتراك في المشاريع التعاونية في الأساس. وقد تقلق أيضا بشأن إمكان أن تركب الدول الأخرى مجانا على جهدها التعاوني مع الدول الأخرى، أو أن تقوم الدول الأخرى بطريقة غير مباشرة (ومن دون أن تتحمل أي تكلفة) بالانتفاع من جهدها التعاوني. وتقود هذه المخاوف إلى سؤال واضح وهو: كيف يمكن تصميم المؤسسات الدولية بحيث تخفف من القلق المتعلق بالتنصل؟
بشير وجود المؤسسات الدولية، وإلى حد معين، إلى أن مشكلة التنصل ليست مثبطة بالحد الذي تبدو عليه من الوهلة الأولى. فالدول نشي أصلا هذه المؤسسات مفترض أن في الإمكان أن تلزم الدول بعضها بعضها الآخر في الترتيبات والاتفاقات المؤسسية التي تم توقيعها. وبذلك، تحصل الدول على معلومات وفيرة عن أفعال الآخرين وأولوياتهم، مترافقة مع معرفة أكبر بنتائج الغش والخداع والتعرض للغش، ما يقلل الرغبة في الغش بشكل عام. وينطبق الأمر نفسه على المخاوف بشأن الركوب المجاني، بما أن المؤسسات هي المنتديات التي وقعت الدول من خلالها المشاركة متعددة الأطراف في تزويد الشلع الجماعية. وقد قاد هذا الأمر بعض الباحثين الأكاديميين إلى أن يحاجوا بانه بما أن الدول تتابع عادة ما يتعلق باتفاقاتها الدولية، فإن موضوع التنصل ليس مهما إلى ذلك الحد (10)
لكن يبقى قائما أنه في بيئة الفوضى التي يكون فيها حتما اتفاق التعاون الامركزيا وذاتي التطبيق، فإن الدول لا تقوم دائما باحترام الاتفاقات التي توصلت إليها في بادئ الأمر، ولا متابعتها ولا تطبيقها بالكامل. وكما لاحظ جورج داونز (George Downs)، ودايفد روك (David Rocke)، وبيتر بار سوم (Peter Barsoom)، فإن «التعاون ... قد يبدا باتفاقات تتطلب قليلا من التنفيذ، لكن يبدو أن التقدم المستمر على الأرجح يعتمد التأقلم مع بيئة يقدم فيها التنصل فوائد كبيرة» (17) وهكذا فإن القضية لا تتعلق كثيرا بما إذا كان التنضل سوف يحدث أم لا، بما أن من الواضح أن حدوثه ممكن وبأنه سيحصل فعلا، وإنما تتعلق المسألة بكيفية التعامل مع التنضل حين يحدث. وكما هو الحال بالنسبة إلى المساومات، فإن القوة النسبية بين الدول يمكن أن تؤدي دورا مهما في تحديد الدول التي تتنصل وتركب مجانا، إضافة إلى الدول التي لديها مصلحة في، وقدرة على تحدي المتصلين والضغط عليهم. وبما أن المؤسسات الدولية عموما لا تمتلك الإمكانات ولا المصادر لمعاقبة المتصلين مباشرة، فإن التحليلات الليبرالية الجديدة توضح أن الترتيبات المؤسسية المختلفة قد تزيد من احتمال التنقل أو تقلل منها.
تستطيع المؤسسات أن تؤدي دورا في التخفيف من جانبين مهئين من جوانب التنصل، وهما الامتثال (compliance)، والتنفيذ. ويتضمن الامتثال مدي إمكان حت الدول وتشجيعها على الامتثال للاتفاقات الدولية التي تكون طرفا فيها، ويتضمن التنفيذ مدى إمكان إجبار الدول على الامتثال، وإمكان عقابها إذا لم تقم بذلك. والآليات المؤسسية التي تستخدم لمراقبة سلوك الدول مهمة جدا بالنسبة إلى الامتثال، لأن هذا النوع من الرقابة يجعل جميع الدول على علم بعضها بسلوك بعضها الآخر، ومن خلال نهوض المؤسسات بأعباء المراجعة المنتظمة لممارسات كل عضو، فإنها تسلط الضوء على مجالات يحتمل أن يحدث فيها تنصل، ولأن الدول تدرك أن سلوكها مراقب بانتظام، فهي تشجع الامتثال. وقد انطبق هذا الأمر على مجالات من القضايا التجارة، وحقوق الإنسان، والبيئة التي تواجه الدول فيها ضغوطا محلية ودولية، أو استنكارا مؤسسيا بسبب عدم امتثالها للاتفاقات. وهكذا، فمن العناصر المهمة في تصميم المؤسسات الدولية عنصر المسؤولية في جمع المعلومات المتعلقة بسلوك الدول الأعضاء ونشرها.
إلا أن الشفافية وحدها ليست كافية في العادة لضمان الامثال. ففي دراسة مقارنة لنظام الامتثال المؤسسي، وجد رونالد ميتشل (Ronald Mitchell) أن هنالك حاجة إلى الجمع بين الشفافية العالية والتكاليف المخفضة للتطبيق، وخطر العقوبات، والتركيز على منع الانتهاكات بطريقة فاعلة بدلا من مجرد ردعها. وقد قلل هذا النوع من أنظمة الأمثال المتكاملة من احتمال الانشقاق، مشيرا بذلك إلى أنه يرجح بتركية الآليات التي يكون بعضها خاصا بمجال القضية المعنية) أن تكون فاعلة أكثر في حث الدول على الامتثال. وتشتمل الآليات الأخرى على قدرة المؤسسات الدولية على إعطاء حوافز مالية، والعمل بوصفها جهات إقناع معنوية، وأن تكون بمنزلة أطراف ثالثة محايدة، وأن تعالج خلافات الدول الأعضاء بطرائق فعالة. وقد تتضمن أساليب حل الخلافات إما التحكيم في النزاع مباشرة، أو إعطاء التوجيه القانوني بخصوص قراراتها).
كما هو الحال بالنسبة إلى المساومة، قد يصبح الربط بين القضايا جانبا مهما من جوانب الامتثال. وقد تصبح المؤسسات بمنزلة منتديات يتم من خلالها ربط القضايا بعضها ببعض، وذلك إما مكافأة على سلوك ما، أو عقابا عليه، مع أن هذا أيضا يختلف تبعا للمشكلة المطروحة، وللتأثير النسبي للتنصل، وللقوة النسبية للدول المعنية (40). وهذا الأمر واضح تحديدا في حالة فرض العقوبات الاقتصادية، أو التهديد بقضها، والتي يمكن استخدامها على أنها وسائل مؤسسية لتطبيق الاتفاقات ومعاقبة الأطراف المتنصلة. مع ذلك، فكما تشير ليزا مارتن (11) (Lisa Marin)، لا يمكن أن تكون العقوبات ناجحة إلا عندما نمتثل جميع الأطراف المعنية بقرار فرض العقوبات. إن عملية إقناع الدول بالموافقة على العقوبات المقترحة يتضمن ما طلق ليزا مارتن عليه اسم «التعاون القسري (coercive cooperation). وهو يعتمد على القوة النسبية للدول المعنية بإقناع الدول الأخرى أو تهديدها كي تمتثل للعقوبات. ومن أجل القيام بذلك بطريقة فعالة، تعتمد هذه الدول المعنية على المؤسسات الدولية لتحقيق التعاون، إضافة إلى تطبيق العقوبات المفروضة على الأطراف المتنصلة ومراقبتها.
من جوانب التصميم المؤسسي الأخرى المهمة للامتثال والتنفيذ هو الاشتمال على البات لحل النزاع. فقد اكتشف المحللون الليبراليون الجدد أن المرونة في آليات الامتثال المؤسسي عنصر أساس من عناصر التصميم إذا كان يراد بها أن تثني عن التنقل بطرائق فعالة. وقد لاحظت باربرا کوريمينوس (42) (Barbara koremenos) أن شروط إعادة التفاوض تقلل من المخاوف المتعلقة بالتأثيرات التوزيعية للاتفاق. وهذا يشجع الدول على التعاون والامتثال على حد سواء، بما أنها تعلم أن إعادة التفاوض ستتطرق إلى التأثيرات والمخاوف التوزيعية اللاحقة. وعلى نحو مشابه، يحاج بيتر روزندورف (Peter Rosendorf) وهيلين ميلنر (9) (Helen Milner) بأن الاشتمال على الثغرات والفقرات المتعلقة بالتهرب يشجع على الامتثال، لأن الدول قد ترفض التوقيع على اتفاق إذا كان شديد الصرامة في الأساس. وفي وجه الضغوط المحلية المتزايدة، قد يشعر صناع القرار بأنه ليس لديهم أي خيار آخر سوى التخلي عن الاتفاق. ومن ناحية أخرى، فالفقرات المتعلقة بالتهرب تتيح للدول الفرصة في التراجع موقتا عن الاتفاقات، مع أنه ينبغي أن تكون هذه الفقرات مصوغة بشكل دقيق بحيث لا يكون اعتماد الدول عليها أكثر مما يجب ولا نادرا للغاية.
الاستقلالية
أما المجال الثالث الواسع في التصميم المؤسسي والذي يهم الباحثين الأكاديميين الليبراليين الجدد فيتعلق بقضية الاستقلالية (autonomy). بما أن الليبرالية الجديدة تفترض أن المؤسسات الدولية تيشر التعاون الذي يصب في المصلحة الذاتية، فليس من الواضح دائما أن سبب التانج يعود إلى وجود المؤسسات تحديدا. وتكمن المشكلة في افتراض الليبرالية الجديدة أن المؤسسات الدولية تخلقها الدول الخدمة مصالحها الذاتية. فكيف في الإمكان إذا أن فصل تأثيرات مصالح الدول عن خصائص المؤسسات الدولية؟ وإذا كانت المؤسسات تطبق ما تريده الدول، فلماذا إذا لا ندرس الدول المعنية فحسب؟ وهل تملك المؤسسات الدولية أصلا مكانة مستقلة ذاتيا يمكن تحليلها بشكل منفصل عن تحليل مصالح الدول؟
استجاب الباحثون الأكاديميون لهذه المشكلة التحليلية بمقاربات عدة، إحداها هي فحص الطريقة التي تمارس فيها المؤسسات الدولية دور الرائد في وضع المعايير والواضع للأجندات في السياسة العالمية). ولأنه نظر عادة إلى المؤسسات الدولية بوصفها أطرافا محايدة مثل تيما مشتركة بين الجميع، فإنها
منح درجة معينة من الشرعية في القضايا العالمية. ويتيح لها هذا الأمر أن تعزز پيما واهدائا معينة على مستوى عالمي؛ فهي تستمد سلطة إضافية من سيطرتها، و تنسيقها للخبرات والمعلومات التقنية. أما مدى فعالية مؤسسة ما في قدرتها على صوغ الأجندة العالمية فيعتمد على مجموعة متنوعة من الجوانب، إلا أن واحدا من العناصر الأساس في العملية، وذلك كما تحاج مارتا فينمور (1) يتضمن قدرة المؤسسة على أن توقلم الدول، وبعض المكونات المحلية ضمن تلك الدول، وفق المعايير العالمية، وبهذه الطريقة، يمكن الأجندات السياسية المحلية، وتاليا السياسات الخارجية للدول، حتى تلك القوية نسبيا، أن تتأثر بالمؤسسات الدولية
وثمة ردة فعل أخرى على المشكلة التحليلية للاستقلالية وهي تفحص كيفية تطبيق المؤسسات الدولية للمهام الموكلة إليها من الدوله). ومن الضروري هنا التشديد على كثرة هذه المهام في السياسة العالمية. وحيث إن الأمور المثيرة للجدل والمؤسسات المرتبطة بها ستظهر على الأرجح في عناوين الصحف (کالاحتجاجات على منظمة التجارة العالمية، أو على برامج التعديل الهيكلي الصندوق النقد الدولي، أو على إدانات محكمة الجنايات الدولية)، فإن نشاط الحياة اليومية عالميا يتم حتما مراقبته من جانب مؤسسة دولية. فهنالك تبادل للأشخاص، والسلع والخدمات، والأفكار يجري عبر الحدود الوطنية حول العالم في كل لحظة من اليوم. وقد كلفت المؤسسات الدولية بمهمة الرقابة على هذا النشاط اليومي وعلى الاتفاقات القانونية المصاحبة له، وتنفيذها.
إلا أن المؤسسات الا تقوم بمجرد متابعة الأمور المفوضة إليها»، وذلك كما يشير مايكل بارنت (Michael Barnet) ومارتا فينمور (0) (Marhan Finnemore)، وإنما يجب على العاملين في المؤسسة أن يحولوا هذه التفويضات الواسعة إلى مبادئ، وإجراءات، وطرائق عملية قابلة للتطبيق للتصرف ضمن العالم،. ولدى المؤسسات الدولية تأثير سببي مستقل، تحديدا لأنها تراقب المهام العالمية اليومية التي لا تراقبها الدول. أما الطريقة التي تمارس من خلالها المؤسسات دورها الرقابي هذا فقد لا يكون دائما فعالا جدا؛ إلا أن هذه ايضا إحدى الطرائق التي تمكن من خلالها الباحثون الأكاديميون من التعرف إلى التأثير السببي المستقل للمؤسسات الدولية؛ أي إن المؤسسات الدولية تظهر مجموعة متنوعة من الاعتلالات البيروقراطية القياسية عند تطبيق مهامها، وهذه لا يمكن أن تعزى إلى نوايا الدول أو مصالحها. ويقترح بارنت وفينمور) أن في الإمكان تجنب مثل هذه الاعتلالات من خلال جعل عمليات صنع القرار أكثر شفافية وشمولا.
أخيرا، فإن السؤال حول التطبيق والعمل المستقلين قد قاد إلى تطوير برنامج بحثي ليبرالي جديد بعرف باسم نظرية الرئيس الأصيل والوكيل (principal - agent theory). ويدرس هذا البحث كيف تفوض الدول (في كونها الرئيس أو الأصيل]) المهام والسلطة إلى المؤسسات الدولية التي هي بمنزلة ممثلة مستقلة لها (کوکلاء) ضمن مجالات فضايا معينة). ويخدم التفويض مصالح معظم الدول، لكنه يتيح المجال أيضا أمام المؤسسات الدولية أن تعمل باستقلالية على متابعة تشكيل الأجندات متعددة الأطراف. ولأن هناك فروقا تبرز بين ما تريده الدول على اعتبارها رئيسة أو أصيلة وما تقوم به المؤسسات في كونها فاعلة، فإن الدول تقوم مقا بتطوير آليات للسيطرة على الاستقلالية والتأثير التنظيمي (99). وهذا النوع من الآليات هو بمنزلة مصدر مهم لإعادة التصميم المؤسسي، وعليه، فإن عملية التفويض والقواعد التي تحكمها، قد تطورت عبر الزمن لتعزز مصالح الدول بطريقة أكثر فاعلية، حتى وإن كانت العملية، وبشكل متناقض، تعزز الاستقلالية المؤسسية.
مصادر و المراجع :
١- نظرية العلاقات الدولية
المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث
المترجم: ديما الخضرا
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016
تعليقات (0)