المنشورات

الجندر في العلاقات الدولية

لقد كان الحوار الثالث، في أواخر الثمانينيات حقبة بدأ فيها عديد من الباحثين الأكاديميين في التخصص بالتداول بشأن طرائق التخصص في الحصول على المعرفة. وقد بدا مفكرون معينون بالتشكيك في الأسس المعرفية والوجودية على حد سواء، لمجال كانت تسيطر عليه، ولا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، النظريات الوضعية، والعقلانية، والمادية. وأما البحث الأكاديمي الوضعي الذي يتضمن النظرية النقدية، وبعضا من أشكال البنائية، وما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة، فيشكك في معتقدات الوضعية المتعلقة بإمكان تکوين معرفة موضوعية كونية، ومن خلال رفض منظري ما بعد الوضعية المنهجيات العقلانية والتفسيرات السببية، فإنهم أيدوا منهجيات اكثر تاريلية، وأكثر اهتماما بتكوين الأفكار، وأكثر سوسيولوجية لفهم السياسة العالمية، وهم يسألون لمصلحة من بني المعرفة، ولأي هدف بني. للاطلاع على تفاصيل أكثر لتصورات الأشكال المختلفة للتنظير في تخصص العلاقات الدولية، انظر الفصل الأول
بتشارك عديد من النسويين في هذا الالتزام بعد الوضعي في دراسة العلاقة بين المعرفة والقوة (knowledge and power)، ويشيرون إلى أن معظم المعرفة قد كونها الرجال وتتعلق بالرجال). وعلى الرغم من أن منظري بعد الوضعية في تخصص العلاقات الدولية كانوا ببطء الوضعيين نفسه في إدخال الجندر في أبحاثهم، إلا أن أدبياتهم النقدية المعرفية قد خلقت مساحة للتحليلات النسوية بطريقة لم تبعها الأبحاث الأكاديمية الأخرى في تخصص العلاقات الدولية. ويعتمد تخصص العلاقات الدولية التقليدي على تفسيرات عقلانية تعميمية لسلوك الدول المحايدة اجتماعيا (asocial) في نظام دولي فوضوي. وتركز النظريات النسوية في تخصص العلاقات الدولية على العلاقات الاجتماعية، ولا سيما العلاقات بين الجنسين. وبدلا من الفوضى، پري منظرو النسوية نظاما دوليا بنشگل من خلال تسلسلات هرمية جندرية مبنية اجتماعيا تساهم في التبعية الجندرية. ومن اجل الكشف عن هذه التسلسلات الهرمية الجندرية، عادة ما يبدأ النسويون تفخصاتهم للعلاقات الدولية على المستوى الجزئي، وذلك في محاولة فهم كيف تؤثر حياة الأفراد (خصوصا الأفراد المهمشين) في السياسة العولمية، وتتأثر بها.
يمكن تقسيم البحث النسوي في تخصص العلاقات الدولية إلى جيلين منفصلين يكمل أحدهما الآخر، وهما: الجيل الأول الذي ركز إلى حد كبير على صوغ النظرية، والجيل الثاني الذي نظر إلى المواقف الإمبيريقية من خلال عدسات جندرية». وقد كانت نظرية الجيل الأول النسوية في تخصص العلاقات الدولية مهتمة بالدرجة الأولى بإلقاء الضوء على الأسس الجندرية [المتحيزة جنسيا لنظريات العلاقات الدولية ولممارسات السياسة الدولية ونقدها جميعا، أما الجيل الثاني من نسويي تخصص العلاقات الدولية فقد بدأوا بتطوير برامجهم البحثية الخاصة بهم من خلال التوسع في حدود التخصص، والتحقيق في قضايا مختلفة، والاستماع إلى أصوات غير مألوفة. وقد استخدم هؤلاء النسويون الجندر على أنه فئة للتحليل في دراساتهم لحوادث العالم الواقعي في السياسة العالمية، مضمنين انتقادات مفاهيمية نسوية في تحليلاتهم لمواقف محددة، وقد درسوا الطبيعة المتحيزة
جنسيا للاقتصاد العالمي، والسياسة الخارجية، والأمن، من خلال تفحصهم المواقف سياسية واقتصادية محددة ضمن سياقات تاريخية وجغرافية حقيقية. 

الكتاب المنتقي
کتاب سينتيا إنلو بعنوان المناورات السياسة الدولية في عسكرة حياة النساء) يقدم كتاب سيتيا إنلو المناورات تحليلا شاملا للسياسة الدولية في عسكرة حياة النساء. وتتبع إنلو تفشي العسكرة في الحياة اليومية ابتداء من علبة الحساء التي تنتجها شركة كامبل (Campbell التي تحتوي على حبات النودلز المشكلة بأشكال الأقمار الصناعية لفيلم حرب النجوم" Star) (Wan، إلى استمرار الاغتصاب في أوقات الحروب (vartime mape) عبر الثقافات، والأزمنة، والصراعات المختلفة (الفصل الرابع من الكتاب).
تجادل إنلو بأن الجيوش العسكرية ومؤيديها من المدنيين يعتمدون على وجود النساء وعلى دعمهن، ليس بوصفهن بشرا وحسب، بل بوصفهن نساء تحديدا، إضافة إلى اعتمادهم على افكار تتعلق بالذكورة والأنوثة. وتحدد إنلر عددا من الأدوار التي يتوقع من المرأة أن تشغلها حتى تصبح الحرب ممكنة، وهي أدوار شديدة التنوع کالدعارة العسكرية (المخفية عن الأنظار)، والدور الرسمياتي» لزوجات العسكريين والدبلوماسيين. وتزعم إلى أن هذه الأدوار تربطها توقعات سلوكية مبنية على أساس الجندر، وأن هذه التوقعات ضرورية لتشجيع العسكرة ولعملها في السياسة العالمية.
وتحاج إنلو من خلال التحليل الإمبيريقي الخصب، أن «العسكرة لا تظهر فقط في الأماكن الواضحة، وإنما يمكنها أن تحول معاني واستخدامات الأشخاص، والأشياء، والأفكار الموجودة في أماكن بعيدة من القنابل والبزات العسكرية المموهة». ومع هذا، توضح إنلو أن شيوع العسكرة الجندرية وقوتها لا يأتيان عرضا ولا على نحو طبيعي، وإنما ينشان من كثرة المحددات، ويشير عنوان الكتاب، المناورات، إلى العمل الذي يبذل في بناء الأدوار الجندرية العسكرية والمحافظة عليها في الحياة العسكرية والمدنية تلك الأدوار التي تعزز الجيوش العسكرية المنفردة، وقتال الحروب على حد سواء. وتؤكد إنلو أن «العسكرة ليست عملية بسيطة ... فهي تتطلب عددا من القرارات التي تدفع عجلة العسكرة وتحافظ عليها). ويتم اتخاذ هذه القرارات على نحو فوري لأنه «يبدو أن الذين يقومون بالعسكرة يؤمنون بأنه إذا لم يكن في الإمكان السيطرة على النساء بشكل فعال، سيصبح من غير الممكن ضمان مشاركة الرجال في مشروع العسكرة» (10)
هذه هي المشاهدة التي تلتقي فيها النقطة النظرية الرئيسة لسيتيا إنلو مع الأدلة الإمبيريقية؛ فالعسكرة الجندرية ليست أعراضا جانبية للسياسة العالمية المعاصرة، ولا مرحلة عابرة فيها، وإنما - كما توضح إنلر من خلال دراسات واسعة عن النساء العاملات في قطاع الخدمات، وفي الدعارة، وضحايا الاغتصاب، والزوجات، والجنديات - فإن مجرد وجود الحرب في السياسة الدولية يعتمد بشكل كبير على التوقعات المبنية على أساس الجندر [التمييز على اساس النوع الاجتماعية والتي تتعلق بالكيفية التي ينبغي من خلالها على الرجال بكونهم رجالا والنساء بكونهم نساء أن يتصرفوا لدعم الجهد الحربي لدولتهم. 












مصادر و المراجع :

١- نظرية العلاقات الدولية

المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث

المترجم: ديما الخضرا

الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت

الطبعة: الأولى

تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید