في عام 1990، غزا العراق الكويت واحتلها، زاعما بان الأراضي الكويتية حق له. وأعلنت الأمم المتحدة أن الغزو العراقي غير مشروع، واستخدمت في النهاية القوة العسكرية لإخراج العراق من الكويت. ويعرف هذا الصراع بحرب الخليج الأولى. وفي نهاية حرب الخليج الأولى، آتي القرار رقم 687 لمجلس الأمن إلى ترك العراق تحت حظر صارم على الواردات والصادرات. ووفقا للقرار، يبقى الحصار ساريا إلى أن بلتي العراق عددا من المطالب التي فرضها مجلس الأمن. وقد ارتبطت هذه المطالب باستقلال الكويت، وأسلحة العراق، والإرهاب، وتحمل مسؤولية حرب الخليج 29). وقد امت نظام العقوبات الذي كان يفترض به أساشا أن بدوم لنحو عام واحد، إلى أكثر من ثلاث عشرة سنة. وقد اتسم بالتناقض، وعدم الانتظام، والامتثال الجزئي، والدوافع الخفية. وكان تعاون العراق في أحسن أحواله غير منسق، حيث إن الرئيس العراقي صدام حسين كان كثيرا ما يلوح بتحذيه للعقوبات. وطوال حقبة التسعينيات، بقي العراق يخضع لواحد من أطول أنظمة العقوبات الاقتصادية واكثرها صرامة على من التاريخ.
في أواسط التسعينيات، انقلب الرأي العام العالمي ضد العقوبات بسبب العواقب الإنسانية المروعة. وأصبح عديد من الدول التي كانت تفضل الإطاحة بنظام حكم صدام حسين، ينتقد العقوبات. وانقلب عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بما فيها فرنسا وروسيا، ضد العقوبات. مع ذلك، لم يجر قط تصويت في مجلس الأمن لرفع العقوبات، لأن مثل هذا التصويت كان سيواجه بفيتو أكيد من الولايات المتحدة الأميركية. وقد أصرت الولايات المتحدة الأميركية، وليس الأمم المتحدة، على تغيير نظام الحكم في العراق كشرط لرفع العقوبات. وفي تلك الأثناء، قامت منظمات ناشطة حارب العقوبات بنشر صور الأطفال يعانون من سوء التغذية. أما الولايات المتحدة الأميركية ومجلس الأمن، فقد ألقيا اللوم على صدام حسين لعدم انصياع العراق، بينما ألقت الحكومة العراقية اللوم على الأمم المتحدة.
كان نظام العقوبات كارثة إنسانية. فقد كانت آثار الحصار الذي دام في مجمله قرابة ثلاثة عشر عاما هائلة على الاقتصاد العراقي؛ حيث كان لدى العراق قبل حرب الخليج الأولى اقتصاد يعتمد على الصادرات، وكان يصدر النفط. وكان العراق يستورد تقريبا كل احتياجاته الغذائية وضرورياته
داشتمل القرار رقم 642 مطالب بان يعترف العراق باستقلال الكويت وأن يحترمه، وأن يسمح بوجود
منطقة منزوعة السلاح بين العراق والكويت؛ وأن يسلم جميع أسلحة النووية، والبيولوجية، والكيماوية وبعيدة المدى، والأبحاث المتعلقة بالأسلحة، والمواد المتعلقة بالأسلحة، وأن يتحمل المسؤولية عن حرب الخليج الأولى بكاملها؛ وأن يعيد جميع الممتلكات الكويتية التي شرفت خلال الاحتلال؛ وان برخل جميع اسرى الحرب الكويتين إلى موطنهم؛ وأن يستنكر النشاط الإرهابي لكونه غير مشروع الأساسية الأخرى من الخارج، وقد هبط الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 50 في المئة خلال السنة الأولى من العقوبات، وانخفض معدل الناتج المحلي للفرد] ليصل إلى أقل من 500 (خمسمئة) دولار أميركي في السنوات التي تلت. وبحلول عام 2000 أصبح العراق ثالث أفقر دولة في العالم. وقد تسبب الانحدار الاقتصادي بانحدار حاد في الأجور الحقيقية وبتفشي البطالة.
وقد تسببت هذه التأثيرات الاقتصادية الضارة بمشکلات مادية خطيرة المعظم العراقيين. وكانت النساء غالبا بعملن في وظائف أقل أما من وظائف الرجال، لأن التمر الوظيفي لهن كان أقصر، ولم يكن ينظر إليهن بوصفهن المعيل الأول لعوائلهن، ولم يكن لدى العراق المال ليشتري به المؤن الأساسية التي يحتاجها، ولا الوسائل الإنتاجها؛ فقد كان قبل العقوبات يستورد معظم غذائه من الخارج. ومع عدم وجود دخل، وفي
ظل بنية تحتية مشلولة، وقانون دولي بحظر الاستيراد والتصدير على حد سواء، واجه العراق صعوبة بالغة في الحصول على الغذاء، وكانت النتيجة سوء تغذية كارنيا. كان من النادر أن يتوافر لدى الأسر ما يكفيها من الغذاء، وغالبا ما كانت النساء هن آخر من باكل. كما كان لدى العراقيين ايضا شخ في كل من المياه النظيفة، وحليب الأطفال، والفيتامينات، ومستلزمات الرعاية الصحية، والتغذية بالتيار الكهربائي. وقد سمح برنامج النفط مقابل الغذاء الذي طبقه مجلس الأمن بدخول بعض المستلزمات الضرورية إلى العراق من خلال السماح له بتصدير كميات محدودة من النفط. وبينما أدى البرنامج فعلا إلى دخول بعض الكميات من الغذاء إلى العراق، فإن أحكامه لم تنص على إعادة بناء البنية التحتية النفطية فيه، والتي كانت قد تعرضت لأضرار بالغة في حرب الخليج الأولى، إضافة إلى خمولها طوال معظم عقد التسعينيات. ونتيجة لذلك، لم يقم برنامج النفط مقابل الغذاء بتلبية احتياجات المواطنين العراقيين الأساسية. ولم تتبدد التأثيرات الأسوا من الناحية الإنسانية إلا بعد أن بدأ بعض أعضاء المجتمع الدولي بالتجارة مع العراق في أواخر التسعينيات على الرغم من العقوبات.
: كان لأوجه الحرمان هذه تأثيرات صحية وطبية شديدة. فعثور النساء العراقيات على رعاية طبية قبل الولادة كان أقرب إلى المستحيل؛ وحتى لو وليد اطفالهن أصخاء، فإن نقص الفيتامينات وحليب الرضع أدى إلى ارتفاع هائل ومفاجئ في أعداد الوفيات عند الأطفال. كما ارتفعت نسبة الإصابة بمرض السرطان بنسبة 400 في المئة. ويقدر بأن العقوبات أدت إلى مقتل مليون عراقي، نصفهم من الأطفال، و 30 في المئة منهم من النساء (20) ففي دولة كانت تمتلك في السابق نظاما طبيا من الطراز العالمي، أصبحت الأمراض غير المستعصية والمجاعة أسبابا رئيسة للوفاة، كما انهار النظام التعليم، وارتفعت نسبة الجريمة والدعارة، بينما انخفض النشاط الثقافي، والفني، والأدبي، والديني، وقد زعمت جوي غوردون (1) (Joy Gordon) بأن العقوبات أعادت العراق إلى العصر الحجري.
بعض تحليلات تخصص العلاقات الدولية للعقوبات
بعد نجاح العقوبات المحدودة التي فرضت على جنوب أفريقيا في الثمانينيات والتي ساهمت في وضع نهاية النظام الفصل العنصري، أصبحت العقوبات الاقتصادية ثرى أداة قوية وإنسانية في الوقت عينه. وتتأثر تحليلات تخصص العلاقات الدولية الفعالية العقوبات بمجموعة متنوعة من الرؤى النظرية. فالواقعيون يرون أن العقوبات هي طريقة الزيادة تكلفة عدم الامتثال على الدولة التي فرضت عليها العقوبات، إلى أن تصبح غير مقبولة (2). ويفتر الليبراليون العقوبات بانها طريقة لحرمان الدولة المقصودة من الوسائل التي تمكنها من انتهاك المعايير الدولية (29)
أي إن العقوبات تسلب الدولة المخطئة مصادرها التي قد تستخدمها التحدي الإرادة الدولية. ويجادل البنائيون بأن العقوبات هي ظاهرة توجيه اجتماعي، تنقل رسالة استنكار من خلال تركيبة من العواقب السلبية والخزي الدولي (200). أما الباحثون الأكاديميون الذين يركزون على اللغة، فيرون العقوبات بوصفها خطابا، أي أدوات للحوار تتبع للجهات الفاعلة أن توضح أهمية وجهة نظرها للجهات الفاعلة الأخرى التي لديها تحفظات بشان موافقتها الراي). وهنالك خلافات في الرأي ضمن كل واحدة من هذه المدارس الفكرية حول أي العقوبات هي التي نجحت (هذا إن كان أي منها قد نجح على الإطلاق)، وما هو المدى الممكن لتكرار استخدام هذه العقوبات. وتستفي النظرية النسوية في العقوبات من جميع هذه الرؤي لكنها تذهب إلى ما هو أبعد منها، مستخدمة الجندر فئة تحليلية.
النسويون يقرون العقوبات على العراق
إن العقوبات الاقتصادية في مظهرها لا تبدو قضية أمنية بالمعني الضيق؛ فهي لا يقاتل فيها بالبنادق على ساحة المعركة، أو بقنابل قذف من الطائرات، ومجلس الأمن لم يعلن الحرب على العراق، والعقوبات التي فرضت على العراق لم تبد حربا تقليدية. لكن، وكما ذكرنا سابقا، فإن نسوبي تخصص العلاقات الدولية الذين يدرسون الحروب، يعيرون انتباههم لجميع أشكال العنف، المادي والبنيوي، ولما يحدث على أرض الواقع للأفراد والمجتمعات المحلية. ومن هذا المنظور، بدت العقوبات الاقتصادية على العراق تماما كالحرب؛ وليس هذا فحسب، لا بل إنها بدت حربا على مواطني العراق الأكثر ضعفا.
كما بينا سابقا، خرم نظام عقوبات مجلس الأمن معظم المواطنين العراقيين من احتياجاتهم الأساسية اليومية، فقد كان الهدف من العقوبات إثارة السخط الشعبي ضد الحكومة العراقية وسياساتها. بكلمة أخرى،
حاولت العقوبات أن نؤذي المدنيين حتى يغيروا حكومتهم. أما المدنيون الذين لحق بهم أكبر أذى، فلم يكونوا الأثرياء ذوي النفوذ ولا صناع القرار، حيث إن هؤلاء كانت لديهم القدرة على شراء الغذاء واللوازم من السوق السوداء، وإنما كان أكثر سكان العراق ضعفا هم أكثر من عانوا، وهؤلاء هم الأشخاص ذوو الدخل المتدني، والنساء والأطفال، وكبار السن. وقد مثلت العقوبات الاقتصادية على العراق عنفا ماديا وبنيويا على حد سواء. فقد ألحق الضرر المادي من خلال الهجمات الصاروخية المتكررة التي كان يقصد منها إيصال رسالة إلى العراق من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعدم رضاها عن عدم امتثال العراق. أما الضرر البنيوي فقد تم إلحاقه من خلال تدمير البنية التحتية الاقتصادية ونقص التغذية والرعاية الصحية اللتين كانتا تدعمان أفقر مواطني العراق في السابق. ومن خلال هذه المقاييس، يستنتج النسويؤن أن العقوبات الاقتصادية شكل حريا. ولما كان الأمر كذلك، سنقترح الآن بعض الأسئلة البحثية التي يمكن أن يطرحها النسويون، وبعضا مما يمكننا أن نتعلمه من تحليلاتهم.
قد تطرح دراسة نسوية ليبرالية للعقوبات سؤالا عن عدد النساء اللاتي شارك في عملية صنع القرار المتعلق بالعقوبات، وقد يقيسون ايضا التأثيرات المتباينة للعقوبات على الأفراد، من خلال التركيز على الاختلافات الجندرية. ومن هذا المنطلق، وبما أن عددا قليلا من النساء قد شارك في صوغ سياسات العقوبات وتطبيقها، فقد يستنتجون أن النساء عانين أكثر من نظرائهن من الرجال، وذلك من خلال الحرمان المباشر، وأيضا من خلال تأثيرات العقوبات على بيوتهن، وعائلاتهن، ووظائفهن.
إن النسويين من جميع الرؤى النظرية بعد الوضعية قد يقدمون الجندر بوصفه فئة تحليلية، ويحققون في الدور الذي مارسه الجندر في سياسة نظام العقوبات. وقد يحققون في كيف أن الحكومة العراقية ومؤيدي نظام العقوبات، على حد سواء، قد استخدموا الجندر حجة في العلاقات العامة ضد خصمهم. وقد وصفت الولايات المتحدة العراق بأنه دولة فشلت في أداء دورها كحام بسبب استعدادها لتجويع نسائها وأطفالها من أجل أن تطور الأسلحة. أما العراق فقد وصف فارضي العقوبات عليه بأنهم قساة لقتلهم النساء والأطفال من أجل أن يعاقبوا الحكومة.
وقد حقق النسويون في استخدام الطرفين كليهما للفئات الجندرية لأغراضهما السياسية الخاصة. ويشدد نسو?و العلاقات الدولية على التسلسل الهرمي الاجتماعي الجندري في السياسة العالمية والذي يعزز جوا من المنافسة القسرية من خلال تثمين الخصال المرتبطة بالذكورة (كالشجاعة، والقوة، والسيطرة) مقارنة بتلك المرتبطة بالأنوثة (كالتنازل، والتعاطف، والضعف)، وقد يحقق النسويون في الخطابات الجندرية للذكورة التنافسية والتي استخدمها كل طرف من أطراف حرب العقوبات لإعطاء شرعية لأفعاله، ونزع الشرعية عن أفعال خصمه؛ وعادة ما تتجلي مثل هذه الخطابات في أوقات الصراعات بين الدول. وقد يشير النسويون تحديدا إلى الحالات التي تحدث فيها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينيت (George Tenet) عن اختراق والعرين الداخلي لصدام حسين، وإلى المواقف التي تحدث فيها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عن حماية النسوة العراقيات تبريرا للعقوبات والحرب، وإلى الأحيان التي رد فيها صدام حسين مستخدما التهديد الظهر للولايات المتحدة أنه «رجل بمعنى الكلمة. ويحدث في الغالب، ولا سيما في أوقات الصراع، أن
شخصن الدول العدوة من خلال طرائق جندرية، مشيرين إلى تلك الدول بأسماء زعمائها، ويغطي هذا على آثار الحرب التي تؤثر سلبا في حياة الأفراد، أولئك الأفراد الذين قد لا يكونون مسؤولين عن الصراع أصلا. وقد يبحث النسويون أيضا في العلاقة القصاصية التأديبية بين مجلس الأمن والعراق كمثال على الذكورة المهيمنة التي تؤنث العدو الأضعف.
نحو نظرية نسوية في العقوبات
نقترح هنا ثلاث رؤي رئيسة بساهم بها النسويون لدراسة العقوبات. أولا، يبحث النسويون عن المواقع التي ترد فيها النساء في أنظمة العقوبات. ويرون أن النساء يتأثرن بالعقوبات الشاملة بشكل زائد. ويرجح بأن تعاني النساء والأطفال من سوء التغذية أكثر من غيرهن. وعندما تتعرض النساء لسوء التغذية فإن كل مرحلة من مراحل عملية الحمل والولادة والرضاعة تصبح أكثر صعوبة. وغالبا ما تكون الرعاية الصحية للأطفال والنساء في مرحلة ما قبل الولادة ومرحلة الرضاعة، هي الواجهة الأولى لنظام الرعاية الصحية الذي يعاني عندما يبدا الاقتصاد الخاضع للعقوبات بالانحدار،
حيث تفقد النساء وظائفهن وتوكل إليهن م تولي شؤون المنزل الذي محرم مستلزماته الأساسية. فتأثير السياسة الدولية التي تتمثل في الحرمان الاقتصادي يكون اشد وطأة على مستوى الأسر المنفردة. وفي وقت تعاني النساء بشكل مفرط من أنظمة العقوبات، فإن عددا قليلا جدا من النساء کن حاضرات في عملية صنع القرار. فعندما شئت العقوبات على العراق، لم تكن هنالك أي امرأة ترأس أيا من الدول الأعضاء في مجلس الأمن. ويرى النسويون نظام العقوبات على العراق مثالا على الاستثناء الممنهج الأصوات النساء من القرارات المتعلقة بالسياسات الدولية والتي تؤثر به بشكل زائد، ويمكن السياسة الأمنية للدولة والسياسة الأمنية بين الدول أن تتسببا بانعدام أمن النساء (وأفراد آخرين).
أما الرؤية الثانية لدى النسويين، فهي نقد للمنطق الجندري المتعلق باختيار السياسة. فالعقوبات وضع من جانب الجهات الفاعلة الأنوي في محاولة منها لإجبار الجهة الفاعلة الأضعف على الخضوع لإرادتها وهي قهرية بطبيعتها: فإما أن تمتثل وإما أن تموت جوعا. وينتقد النسويون الطبيعة الخصومية للسياسة الدولية لأنها تفضل القيم الذكورية كالفخر، والنصر، والقوة، على القيم الأنثوية كالتنازل، والتعاطف، والتعايش؛ وهي قيم عادة ما ثرى على أنها علامات ضعف من جانب معظم الدول وكثير من مواطنيها، النساء والرجال على حد سواء. ويتج من هذا الأمر سياسات صدامية، وهي سياسات غالبا ما تؤذي أولئك الذين هم على هامش الحياة السياسية الدولية بشكل أكبر، وقد يضيف نسويو ما بعد الاستعمارية انتقادا اللافتراضات الزاعمة بأن أعضاء مجلس الأمن كانوا إلى حد ما، أدري من العراق بما هو في مصلحة العراقيين. وغالبا ما يدعى الأشخاص ذوو القوة والنفوذ، ومعظمهم من الرجال، أنهم يعلمون ما هو الأفضل للأشخاص التابعين (ولا سيما النساء). وينتقد نسويو تخصص العلاقات الدولية المنطق الجندري والآثار الجندرية للعقوبات.
أما الرؤية الثالثة التي يقدمها نسويو تخصص العلاقات الدولية إلى نظرية العقوبات فهي إعادة فحص نقدية لمسألة المسؤولية. فالنسويون لا يبحثون عن المشكلات المتعلقة بالعلاقات الجندرية الهرمية في السياسة العالمية وحسب، بل يبحثون أيضا عن حلول لها، ويدرس النسويون العقوبات باعتبارها ظاهرة إمبيريقية، وجندرية على حد سواء. وبما أنهم قد رأوا العواقب الإنسانية المفجعة التي ترتبت على نظام العقوبات، فقد يتساءلون عن سبب عدم وجود من يصلحها، فقد استغلت الحكومة العراقية معاناة الشعب لتعزيز موقفها السياسي على حساب أكثر مواطنيها ضعفا. ولم يظهر صدام حسين أي مرونة كان يمكنها أن تنقذ أرواحا. وسواء أكان المجتمع الدولي يؤمن حقا بأن هدف العقوبات يستحق عناء الخسائر الكارثية في الأرواح في العراق، أم إن كان أحد ما قد قدر العواقب بشكل مباشر، فقد كان عديد من الحكومات في الساحة الدولية مستعد لأن يترك الناس يموتون. ويلفت النسويون أنتباهنا إلى أن إنشاء الحدود الدولية هو طريقة لفصل الذات، عن الآخر، وإبعاد أنفسنا من معاناة الآخرين. ويشجع النسويون الدول ومواطنيها على التأمل في المفهوم الخاطي للفصل افصل الذات عن الآخر وللهرميات العالمية التي تتشكل بسببه. وقد يقود تفكيك هذه الهرميات الناس إلى الاهتمام باولئك الآخرين الذين هم خارج حدود دولتهم، بدلا من التنافس معهم.
سيستنتج النسويون أن العقوبات الاقتصادية ليست مجالات صراع معزولة ضمن نظام سيكون مسالما لولا وجودها. فأعمال الإكراه، المادية منها أو الاقتصادية، والتي يوظفها كلا الجانبين للفوز في المنافسات الدولية، ليست اعمال عنف وحسب، وإنما هي جزء من نظام يتغاضى عن العنف، المادي والبنيوي على حد سواء. وقد ساهم نظام العقوبات الذي فرض على العراق في تكريس نظام دولي عنيف نادرا ما يكون فيه الأشخاص الأكثر ضعفا آمنين. إن الرؤى النسوية التي تأتي من دراسة العقوبات الاقتصادية بوصفها حربا في العلاقات الدولية، قيمة ليس من حيث مساهمتها لنظريات العقوبات في تخصص العلاقات الدولية فحسب، وإنما أيضا بسبب قابليتها للتعميم على الأسئلة الحاسمة لتخصص العلاقات الدولية، مثل السؤال عن مكونات السياسة الخارجية، وعتا بعد حربا، وعن كيفية تأثير الحروب في الأشخاص. ا
الاستنتاج نحن نؤمن بان تخصص العلاقات الدولية النسوي قد ساهم بشكل كبير في فهمنا للسياسة العالمية عبر السنين العشرين الأخيرة. وقد أعادت النسوية إبراز النساء، وحققت في الهياكل الجندرية للمفاهيم والسياسات الدولية، وشککت في طبيعية الفئات الجندرية التي تشكل السياسة العالمية وتتشكل منها. وقد قدم الجيل الأول من مفكري تخصص العلاقات الدولية النسويين إعادة صيا نظرية، بينما طبق باحثو الجيل الثاني هذه النظريات المعاد صوغها على مواقف حقيقية في السياسة العالمية.
لقد قمنا بتقديم نظرة عامة موجزة لعدد من النظريات النسوية المختلفة في تخصص العلاقات الدولية، بما فيها الليبرالية، والنقدية، والبنائية، وما بعد البنيوية، وما بعد الاستعمارية. ومع أننا ندرك أن هذا قد يكون تبسيطا زائدا عن اللزوم، فقد ابتكرنا هذه النمذجة التصنيفية لتوضيح أحد الأهداف الرئيسة للنسوية في تخصص العلاقات الدولية؛ وهو أن نبرهن بأن العلاقات بين الجنسين العلاقات الجندرية) (gender relationships) متأصلة في كل البحث الأكاديمي لتخصص العلاقات الدولية. فالعلاقات الجندرية موجودة في جميع مناحي السياسة العالمية؛ ومتى لا يتم الاعتراف بها، فإن الصمت يکون مدويا. ويقترح نسويو تخصص العلاقات الدولية أنه يجب على جميع المفكرين الممارسين للسياسة الدولية أن يطرحوا أسئلة جندرية، وأن يكونوا أكثر وعيا للمضامين الجندرية للسياسة العالمية. وينبغي للمفكرين أن يسألوا عن مدى مساهمة الرجال في تشکيل نظرياتهم بشكل رئيس ومدى اعتماد تلك النظريات على حياة الرجال. ويجب على ممارسي السياسة العالمية أن يسألوا عن أثر سياساتهم في المراة وما إذا كان عدم وجود أصوات نسائية يؤثر في خياراتهم السياسائية. ويتيح لنا الاعتراف بالجندر والهرميات الأخرى المرتبطة بالقوة ومضامينها على حياة النساء والرجال على حد سواء، أن نبدأ بإزالة الجندر من السياسة العالمية؛ ابتداء من داخل الأمم المتحدة، وصولا إلى داخل المنزل.
وقد ركزنا في هذا الفصل على التأويلات النسوية للأمن. فالأمن مهم جدا للدول إلى حد أنها في بعض الأحيان تسعى إلى فرض العقوبات، وإشعال الحروب، وتتسبب بالعنف البنيوي باسم الحفاظ على الأمن أو تعزيزه. إلا أن أعضاء المجتمع الدولي، وفي سعيهم للحفاظ على أمن الدولة، قد يعتدون على امن أكثر مواطنيهم ومواطني الدول الأخرى تهميشا، ولا سيما النساء والأطفال، وكبار السن، والفقراء، والمرضى، ويدرس نسوير تخصص العلاقات الدولية الأمن على مستوى الفرد والمجتمع المحلي؛ فيلاحظون التأثيرات التفاضلية للسياسات الأمنية في النساء والأشخاص المهمشين عموما، ويستجوبون الطبيعة الجندرية لمفاهيم معينة كالحرب، والأمن، والدولة. وتكشف الرؤي التي يكونونها عن مسيبات جديدة لانعدام الأمن على المستوى العالمي، والتي تشمل التبعية الجندرية.
وتظهر التبعية الجندرية اتبعية النساء للرجال واضحة على جميع المستويات في حالة العقوبات على العراق. فقد تأثرت النساء منفردات بشكل زائد نتيجة للعقوبات، وقد استغلت الدول التي تمارس التمييز الجندري هذا التأثير المتباين من خلال الدخول في خطابات جندرية في المنافسة الذكورية. من المنطق السياساتى للعقوبات، إلى تأثيراتها، كانت العقوبات على العراق مثالا على السياسات الأمنية الدولية الجندرية. وقد وضعنا بعض السبل التي استخدمها النسويون في إعادة صوغ أشكال فهم تخصص العلاقات الدولية للعقوبات من أجل إبراز النساء والعلاقات بين الجنسين، وبالتالي اقتراح بعض الطرائق الجديدة لتعزيز الأمن. تأمل في أن توفر هذه الاقتراحات للباحثين الأكاديميين في جميع منظورات تخصص العلاقات الدولية بعض الرؤى الجديدة في الزعم النسوي بأن الجندر لا يتعلق بالمرأة فحسب، وإنما يتعلق ايضا بالطريقة التي تصاغ فيها السياسات الدولية، ودرس، وتطبق.|
أسئلة
1. إن أكثر من نصف العمالة في العالم تأتي على شكل عمالة النساء من
بيوتهن ومن دون أجر مدفوع، وإذا ما تم دفع أجور لهذا النوع من العمالة، ستتضاعف تكاليف العمالة في الاقتصاد العالمي ثلاث مرات. كيف تؤثر
عمالة النساء المجانية في الاقتصاد العالمي؟ 2. هل هنالك فرق في السياسات الخارجية للدول عندما تكون الأغلبية
العظمى من صناع السياسات من الرجال؟ وهل هنالك فرق في محتوي أبحاث تخصص العلاقات الدولية عندما يكون معظم رواد البحث
الأكاديمي من الرجال؟ د. زعمت سينتيا إنلو، وهي نسوية بارزة في تخصص العلاقات الدولية، بدأن
الشخصي هو دولي، وأن الدولي هو شخصي (12). ماذا تعني سينتيا بهذا؟ 4. كانت العقوبات على العراق حالة من المعاناة الإنسانية القصوى، والتعنت
Cynthia Ealoe, Bonamas, Beaches and Bases: Afaking Feminist Sense of International (32)
195 م. (1990 ,
Politics (New York : Routledge السياسي، لكن كانت هناك عقوبات أخرى أكثر نجاحا. هل يوجد لدي العدسات الجندرية ما تقوله عن الإكراه الاقتصادي بشكل أكثر عمومية؟
إذا كان الأمر كذلك، فما هو؟. ماذا عن الرجال؟ كيف يؤثر الجندر في تجارب الرجال في الحياة اليومية؟
وكيف يؤثر في تجاربهم في السياسة العالمية؟ 6. بمجرد أن ندرك أن الجندر يمارس دورا انتشارا في التفاعلات الاجتماعية
والسياسية العالمية، نبدأ بالسؤال عما يمكننا أن نفعل بهذا الشأن. هل في
الإمكان نزع الطابع الجندري عن السياسة العالمية؟. من المزاعم الرئيسة التي يطرحها النسويون في تخصص العلاقات الدولية
أن حياة الأفراد هي سياسة عالمية. فكيف يمكن لزيارتك لمتجر البقالة، أو اختبارك لقنوات التلفاز التي تشاهدها، أو خياراتك في المواقع الإلكترونية التي تزورها، أن تكون سياسة عالمية؟ 8. لقد كان الحوار حول ما إذا كان ينبغي للنساء أن يحصلن على حق
التصويت أم لا حوارا جدليا في معظم الدول. فهل يوجد لدى النساء شي مختلف عن الرجال ليقلنه عن السياسة العالمية؟ إذا كان الأمر كذلك، فما
هو ذلك الشيء؟ و. إن عددا من الباحثين الأكاديميين الذين يدرسون العواقب الإنسانية
للحرب، يتكلمون على تأثير الحرب في الأبرياء من النساء والأطفال.
كيف يمكن أن تكون تجربة النساء في الحرب مختلفة عن تجربة الرجال؟ 10، بما أن الرؤى النسوية تمتد عبر منظورات مختلفة في تخصص العلاقات
الدولية، يثير هذا الفصل قضية حول ما إذا كان يجب حصر النظرية النسوية في فصل واحد من فصول كتاب عن نظريات العلاقات الدولية. كيف
يمكن العدسات الجندرية أن ترى القضايا في فصول أخرى؟ | 11. عقب حرب التسعينيات في يوغسلافيا السابقة، جادل عديد من الباحثين الأكاديميين والناشطين بأنه يجب على القوانين العالمية المتعلقة بالحرب أن تشمل الحظر على الاغتصاب المرتبط بالإبادات الجماعية (genocidal ape). ما الذي يمكن المنظور النسوي في تخصص العلاقات الدولية أن يساهم فيه
المناقشة مشكلة الاغتصاب في الحروب (wartime rape)؟ 12. في خطاب حالة الاتحاد (State of the Union Address) لعام 2002 أمام
الكونغرس الأميركي، زعم الرئيس جورج دبليو بوش بأن «الوحشية ضد النساء هي خاطئة دائما وفي كل مكان، ملمحا إلى أن الوحشية ضد النساء قد تبرر الحرب. هل سيوافق المنظور النسوي في تخصص العلاقات الدولية هذا الرأي؟
مزيد من القراءات (باللغة الإنكليزية]
مقدمات في تخصص العلاقات الدولية النسوي. ولن 2 ,
Peterson , V , Spike and Anne Sisson Runyan , Global Gender Issues
Boulder, CO; Westview Press, 1999.
سبايك بيترسون وآن رونيان (1999)، قضايا جندرية عالمية.
قدم بيترسون ورونيان «العدسات الجندرية» إلى السياسة العالمية ويطبقاتها عليها.
Tickner, J, A. (2001), Gendering World Politics (New York: Columbia - University Pres).
ج. آن تيکتر (2001)، جندرة السياسة العالمية.
مؤلفة أول كتاب الكاتب متفرد في تخصص العلاقات الدولية النسوي تضع الأسس التخصص العلاقات الدولية النسوي في القرن الحادي والعشرين.
النظرية الأمنية النسوية
Enloe, Cynthia, Manerver: The International Politics of Militarizing : Women's Live, Berkeley, CA: University of California Press, 2000.
سينتيا إنلو (2000)، المناورات: السياسة الدولية لمسكرة حياة النساء
نجد إنلو أن العلاقة بين الجندر والأمن في الظواهر السياسية، مختلفة کاختلاف القاعدة العسكرية عن موزة التشيكيتا، وتحيك إنلو إطارا للنظريات الأمنية النسوية انطلاقا من هذه المشاهدات.
الاقتصاد السياسي النسوي
Marchand, Marianne H. and Anne Sisson Runyan (eds.). Gender and . Global Restructuring: Sightings, Sites, and Resistances. London and New York: Routledge, 2000.
ماريان مارتشاند و آن رونيان (2000)، الجندر وإعادة الهيكلة العالمية: مشاهدات، ومواقع، ومقاومات.|
بخاطب هذا الكتاب عمليات الجندرة في الاقتصاد العالمي، متخطيا الحدود الضيقة للمقاربات التقليدية للعولمة ليكشف عن تعقيدات إعادة الهيكلة العالمية المبنية على تباينات اقتصادية واجتماعية. |
دراسات إمبيريقية للجيل الثاني من نسويي تخصص العلاقات الدولية
Chin, Christine B. In Service and Servitude: Foreign Female Domestic
Project. New York: Columbia University Workers and the Malaysian Modernity Press, 1998.
ک ريستين تشن (1998)، عن الخدمة المنزلية والاستعباد: العاملات الأجنبيات في المنازل، ومشروع «الحداثة الماليزي
تستخدم تشن العدسات الجندرية لتبين أن الظاهرة الخاصة، والمتعلقة بالعمالة من المنزل، تتفاعل مع العلاقات الدولية بطرائق مهمة وجندرية.
Moon, Katharine H, S, Se Among Allies: Military Prostitution in U.S ... Korea Relations. New York Columbia University Press, 1997.
كاثارين مون (1997)، الجنس بين الحلفاء: الدعارة العسكرية في العلاقات الأميركية - الكورية.
توضح مون أن سياسة الأمن الدولي تمتد لتصل إلى مستوى تنظيم حياة النساء الفردية في مخيمات الدعارة الكورية.
Prgil, Elisabeth, The Global Construction of Gender: Home-based Work : in the Political Economy of the 201 Century. New York: Columbia University Press, 1999,
إليزابث بروغل (1999)، الهيكل العالمي للجندر: العمل من المنزل في الاقتصاد السياسي للقرن العشرين.
تبحث بروغل في الديناميات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية للعمل من المنزل في القرن العشرين من منظور بنائي نسوي.
Globalising Care: Ethics, Feminist Theory and . Robinson, Fiona International Relations. Oxford: Westview Press, 1999.
فيونا روبنسون (1999)، عولمة الرعاية: الأخلاقيات، والنظرية النسوية، والعلاقات الدولية
تستنبط روبنسون أخلاقيات في الرعاية من النظريات النسوية وتطبق رؤاها النظرية على الدراسة الإمبيريقية للرعاية الصحية والرفاه حول العالم.
True, Jacquit. Gender: Globalization, and Post-socialism: The Czech : Republic after Communism. New York: Columbia University Press, 2003.
جاكي تزو (2003)، الجندر، والعولمة، وما بعد الاشتراكية: جمهورية التشيك بعد الشيوعية.
طبق جاکي تڑو رؤى النظريات النسوية في الاقتصاد السياسي الدولي والأمن الدولي على أوروبا الشرقية بعد الاشتراكية.
مواقع إلكترونية مهمة باللغة الإنكليزية]
• مجلس
القيادات النسائية في العالم، ,
http : / / www . womenworldleaders >
org>
: مشروع
http : / / www . womanstats . org > Woman STATS>.
• شعبة الأمم المتحدة للنهوض
بالمرأة،
htp : / / www . ury / womenwatch >
daw>
• النساء في الأمن الدولي، < chatp
: / wis georgetown . edu
• MADRE: منظمة حقوق الإنسان الدولية للمرأة، < http
: / / www . madre .
org • الصندوق العالمي للمرأة، <
http : / / www . globalfundforwomen . org
قم بزيارة مركز المصادر الإلكتروني المرافق لهذا الكتاب للمزيد من المواد الإضافية الفائقة، حه/
http : / / www . oxfordtextbooks . co . uk / ore
مصادر و المراجع :
١- نظرية العلاقات الدولية
المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث
المترجم: ديما الخضرا
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016
تعليقات (0)