تمثل مشكلة التغير المناخي الذي تسبب به الإنسان واحدة من أكثر المشكلات البيئية تحديا التي تواجه الجنس البشري. فقد ازدادت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي الناجمة عن نشاط الإنسان بشكل كبير منذ عام 1250 تقريبا، كما ازدادت بأضعاف مضاعفة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث برزت الأعوام العشرة، اعتبارا من عام 1995، بكونها الأشد حرارة وذلك كما أشار السجل الأساس لدرجات الحرارة 25) instrumental) (temperature record ء ويتنا العلماء بأنه إذا ما تركت انبعاثات غازات الدفيئة من دون رادع، سيواجه العالم انقراضات شاملة؛ وشخا في المياه، والطاقة، والغذاء، وفقدائا للشعاب البحرية بسبب ابيضاض الشعاب المرجانية؛ وارتفاعا في مستويات البحر، وفي الأضرار التي تلحق بالبنى التحتية والسواحل وموت البشرية ومعاناتها من تزايد حدوث حالات الطقس المتطرف» (extreme weather). وفيما يتوقع من مشكلة المخاطر المناخية أن تتباين جغرافيا، فإنه يتوقع من الشعوب ذات الدخول الأكثر انخفاضا في الدول النامية أن تعاني أكثر من غيرها 20). كما أن التغيير المناخي سيؤدي إلى تفاقم أشكال انعدام المساواة القائمة في حصولها على الضروريات الأساسية كالرعاية الصحية، والغذاء الكافي والمناسب، والمياه النظيفة. أما سكان الجزر الصغيرة والمناطق الساحلية المنخفضة نهم على وجه الخصوص معرضون للخطر من ارتفاع مستوى البحر وهبوب العواصف
وردا على التنبؤات المثيرة للقلق التي قدمتها اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC في تقريرها التقويمي الأول في عام 1990، فقد صاغ المجتمع الدولي اتفاق الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي United) (Nations Framework Convention on Climate Change
(UNFCCC
، التي تم توقيعها في قمة الأرض في ريو دي جانيرو في عام 1992. أما الهدف الأساس من الاتفاق فهو تحقيق استقرار في تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي على مستوى يمنع التدخلات الخطرة بشرية المنشأ في النظام المناخي (the climate system)»(2). وقد وضع الاتفاق الإطاري ايضا مبادي اساسية حول اقتسام الأعباء على نحو منصف، وذلك في البند الثالث منه، ومن أهم هذه المبادئ هو أنه يجب على الأطراف أن تحمي النظام المناخي اعلى اساس الإنصاف، وفي ما يتوافق مع مسؤولياتها وقدراتها المشتركة والمختلفة في آن واحده؛ وأنه ينبغي للدول المتقدمة أن تأخذ زمام المبادرة في التصدي للتغير المناخي؛ وأنه يجب إيلاء اعتبار كامل للاحتياجات المحددة والظروف الخاصة للدول النامية، ولا سيما تلك الدول الأكثر غرضة لتأثيرات التغير المناخي. ولم يشتمل الاتفاق الإطاري على أهداف ملزمة أو جداول زمنية، وذلك إلى حد ما، بناء على إصرار الولايات المتحدة الأميركية على ذلك، إلا أنه خلال المؤتمر الأول للأطراف المتعاقدة الذي
عقد في برلين في عام 1995، تم الاتفاق على وجوب التفاوض بشأن وضع بروتوكول ملزم قانونيا، يحتوي على أهداف إلزامية لخفض الانبعاثات التي تتسبب بها الدول الصناعية، على اعتبارها مسألة ملحة. وقد أعطى تفويض برلين هذا إشارة البدء للمفاوضات التي أدت في النهاية إلى توقيع بروتوكول کيوتو (Kyoto Protocol) خلال المؤتمر الثالث للأطراف المتعاقدة (COP 3) الذي عقد في كيوتو باليابان، عام 1997.
وفقا لبروتوكول كيوتو، اتفقت الدول الصناعية على خفض المستويات الكلية لانبعاثات غازات الدفيئة لديها إلى أقل من مستويات عام 1990 بمعدل 5. 2 في المئة مع نهاية مدة الالتزام التي تبدأ من عام 2008 وتستمر حتى عام 2012، وذلك على الرغم من أن الدول المختلفة قد تفاوضت على أهداف مختلفة. إلا أن هدف السبعة في المئة الذي تفاوضت بشأنه إدارة كلينتون في كيوتو، قد رفضت إدارة بوش الاعتراف به في عام 2001 بحجة أن هدف كهذا سيلحق الضرر بالاقتصاد الأميركي، وأن البروتوكول كان يحوي عيوبا لأنه لم يفرض على كبرى الدول النامية، كالصين مثلا، أن تلتزم بتخفيض انبعاثاتها. وقد رفضت الولايات المتحدة الأميركية المصادقة على البروتوكول (وذلك بدعم من أستراليا، إلى أن تغيرت الحكومة هناك في عام 2007). وعلى الرغم من عدم تعاون أقوى دولة في العالم، إلا أن بروتوكول كيوتو أصبح ملزما قانونيا في عام 2005 بعد أن صادقت عليه روسيا في أواخر عام 2004.
وهنالك اتفاق واسع على أن التحقيق الناجح لأهداف بروتوكول کيوتو مع حلول عام 2010 سيكون له تأثير ضئيل على الانبعاثات العالمية الكلية، وتاليا فإنه لن يفعل سوى القليل القليل لتفادي التغير المناخي الخطر. وقد حذرت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية من أنه لا بد للانبعاثات الكلية العالمية أن ترتفع إلى ذروتها بحلول عام 2015، وتنخفض بعدها بمقدار 80 إلى 90 في المئة بحلول عام 2050، وأنه يجب على الدول المتقدمة أن تقلل من انبعاثاتها بمقدار 25 إلى 40 في المئة بحلول عام 2020 لمنع التغيير المناخي الخطر. وفي ضوء هذه الخلفية، يمكن تشبيه بروتوکول کيوتو بمباراة إحماء، بحيث تكون المفاوضات لمعاهدة ما بعد کيوتو لمدة الالتزام من عام 2013 إلى عام 2020 بمنزلة المباراة الرئيسة الحاسمة التي ستحدد مصير مناخ الأرض، وفيما كانت مشاركة الولايات المتحدة الأميركية مهمة لفعالية بروتوكول كيوتو، فقد كانت حتما حاسمة لفعالية المعاهدة التي خلفتها. وخلال المؤتمر الثالث عشر للأطراف المتعاقدة (COP 13) الذي عقد في بالي في كانون الأول/ ديسمبر 2007، اتفقت الأطراف المتعاقدة على
خريطة طريقه واسعة، تعرف باسم خطة عمل بالي (Bali Action Plan)، الإرشاد المحادثات نحو معاهدة جديدة، ليتم توقيعها في كوبنهاغن في كانون الأول/ ديسمبر 2009.
كان التحديان الرئيسان اللذان واجها المفاوضين في بالي هما (1) إقناع البلدان المتطورة أن تتقدم صوب أهداف أكثر صلابة ومبنية على أسس علمية للمدة ما بين عامي 2013 و 2020؛ (2) وضع حوافز ملائمة (والتي تشمل التمويل، ونقل التكنولوجيا، والمساعدة في التكتف) من اجل إشراك العالم النامي، ولا سيما كبرى الدول الناشئة التي تتسبب بالانبعاثات كالصين والهند، من خلال جهد فعال للتخفيف من حدة آثارها السلبية. وقد اخذ الاتحاد الأوروبي زمام المبادرة في مفاوضته على تخفيض ما نسبته 30 في المئة من انبعاثات الدول المتقدمة، لكن الولايات المتحدة الأميركية عارضت بقوة أي اتفاق على أهداف محددة، واستمرت في جدالها بان المعاهدة البديلة المقترحة ستكون غير فعالة من دون وجود التزامات معتبرة لدى كبرى الدول الصاعدة في العالم النامي والتي تتسبب بالانبعاثات كالصين والهند. وقد عارضت الصين ومجموعة ال 77 (677) بشدة أي اقتراح ينض على وجوب التزامها أهدافا، وأشارت إلى المسؤولية التاريخية الأعظم والتي تلقى على عاتق البلدان المتقدمة في نسبها بالتغيير المناخي، وإلى القدرة الأكبر بكثير للدول المتقدمة على السعي نحو تخفيف الآثار السلبية مقارنة بالدول النامية، وإلى فجوة التنمية الكبيرة بين الشمال والجنوب. وقد كانت التسوية الأخيرة امتدادا للنهج الثنائي الذي سلکه بروتوکول کيوتو من خلال حصر الأهداف الإلزامية لتقليل الانبعاثات بالدول المتقدمة (لكن من دون تحديد نسبة الخفض، أو التقيد بتوصيات اللجنة الدولية للتغيرات المناخية) ومطالبة الدول النامية بالتعهد بالتزامات تخفيفية زائدة لكن من دون التزام أهداف إلزامية. وقد اكدت خطة العمل مجددا مبادئ تقاسم الأعباء المتعلقة بالإنصاف، والمسؤوليات والقدرات المشتركة والمتباينة في آن واحدا، والريادة الشمالية والمساعدة الشمالية للجنوب، والمنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي. ومنذ مؤتمر بالي، تفوقت الصين على الولايات المتحدة الأميركية في كونها اكثر دول العالم إطلائا الإجمالي الغازات المنبعثة، لكن متوسط نصيب الفرد من انبعاثات الصين يساوي حوالي خمس متوسطه في الولايات المتحدة.
وقد كان تولي الرئيس اوباما منصب الرئاسة في كانون الثاني / يناير 2009 نقطة تحول مهمة في تاريخ المفاوضات المناخية الدولية. غير أن الزيادة الكبيرة في انبعاثات الولايات المتحدة خلال العقد ونصف العقد الأخيرين (ما وصل في عام 2003 إلى حوالي 20 في المئة زيادة على مستويات عام 1990 وفقا للبنك الدولي) (10) ستجعل من مهة الرئيس الجديد صعبة، خصوصا في وجه رکود اقتصادي عالمي أعقب الأزمة المالية. ولم يعط الرئيس أوباما أي وعود بالمصادقة على بروتوکول کيوتو أو بالالتزام بالهدف الذي رسمه البروتوكول للولايات المتحدة والمتمثل في خفض مقداره 7 في المئة بحلول عام 2012. وبدلا من ذلك، وعد الرئيس أوباما بخفض انبعاثات الولايات المتحدة الأميركية إلى المستويات التي كانت عليها في عام 1990 بحلول عام 2020، ما هو أقل بكثير من نسبة الى 25 في المئة إلى 40 في المئة التي أوصت بها اللجنة الدولية للتغيرات المناخية. وفي غضون ذلك، وتحتا لتضييق الأهداف القومية للانبعاثات، قامت الصناعات التي تعتمد بشكل مكثف على استخدام الطاقة في أوروبا، وشمال أميركا، وأستراليا بممارسة الضغوط من اجل الحصول على إعفاءات خاصة من خطط الاتجار بالانبعاثات (emissions trading) [مقايضة الشركات التراخيص إطلاق الانبعاثات، أو من أجل الحصول على التعديلات الضريبية الحدودية (border tax adjustments) [الإعفاء الضريبي على الصادرات الحمايتها من منافسة الصناعات التي تعمل في الدول النامية ولمنع تسرب الكربونه) المرتبط بهروب رؤوس الأموال. وفي الأغلب إن أي تدابير حماية من هذا النوع ستؤجج الدول النامية، وسيتم تلقيها على أنها وسيلة ملتوية الفرض اهداف معينة على صناعاتها، ما يخالف معايير تحمل الأعباء للنظام المناخي. ويرجح بمسؤوليات كل من الدول النامية والدول المتقدمة، مع ما يرتبط بها من قضايا حول مساوي التنافسية وتسرب الكربون، أن تبرز كقضايا مختلف عليها في التفاوض بشان معاهدة تخلف بروتوكول كيوتو.
وبالنظر إلى ضخامة التحدي المتمثل بالتغير المناخي، وتعقيد القضايا المتعلقة به، لم يكن مستغربا أن يثير هذا التحدي مجموعة متنوعة من الردود والتحليلات النظرية من تخصص العلاقات الدولية. إلا أن مساهمة نظرية العلاقات الدولية الخضراء متميزة من ناحيتين اثنتين. أولا، أنها قدمت تحليلا للمشكلة السياسية وللعملية التفاوضية الدولية وتفسيرا لهما بديلا عن تحليل المقاربات العقلانية السائدة وتفسيرها. وثانيا، أتت نظريات العلاقات الدولية الخضراء إلى ظهور خطابات معيارية جديدة ولدت مقترحات سياساتية بديلة لتلك التي سيطرت على المفاوضات الدولية حتى الآن.
تفسيرات خضراء بديلة
في حين أن الشح النظري عند الواقعية قد خدمها بطريقة معقولة في تفسير العلاقات بين القوى العظمي خلال الحرب الباردة، إلا أنها عانت من أجل فهم منظومات الحكم البيئية الدولية، بما فيها مفاوضات التغير المناخي. وتكمن المشكلة بالنسبة إلى الواقعيين الجدد تحديدا، في كونهم لا يتيحون إلا مجالا قليلا، أو حتى أنهم قد لا يتيحون مجالا البتة، لأي تنوع في استجابة الدول على التغيير المناخي، وذلك لأن جميع الدول بتعبير کينيث والتز، هي وحدات تشابهية» (like
- units)، ولذا يفترض بها أن تستجيب بالطريقة نفسها للضغوط النسقية الثظمية. غير أن هذا الفهم لا يمكنه تفسير الاختلافات الكبيرة بين الدول، أو بين المجموعات المعينة من الدول، ناهيك بعدم قدرته على تفسير الاختلافات الكبيرة بين الحكومات المتعاقبة في الدولة نفسها، كالاختلاف بين إدارتي کلينتون وبوش الابن في ما يتعلق ببروتوكول كيوتو، أو الاختلاف بين إدارتي بوش الأبن وأوباما في استجابتهما للأهداف القومية. ولا يستطيع الواقعيون الجدد أن يفسروا لماذا صادقت 183 دولة، إضافة إلى السوق الأوروبية المشتركة (EEC)، على بروتوكول كيوتو (اعتبارا من كانون الثاني / يناير 2009)، على الرغم من تهرب الولايات المتحدة الأميركية وغياب أي التزام ملزم من طرف الدول النامية. كما أنهم لا يستطيعون تفسير سبب قيام الأطراف المتعاقدة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، بتجديد تأكيدها معايير العدالة البيئية المتعلقة بالإنصاف، وبالمسؤوليات والقدرات المشتركة والمختلفة في الوقت عينه) في اجتماع بالي، على الرغم من التكاليف الاقتصادية النسبية التي يتوقع من الدول المتقدمة أن تتحملها إذا ما طبقت هذه المبادي بأمانة.
أما الليبراليون الجدد فإنهم قادرون على إعطاء تفسير أكثر قبولا للنتيجة حتى يومنا هذا، بناء على تحليلاتهم للمصالح النسبية والقدرات النسبية للدول. وعلى الرغم من ذلك، فمن خلال تركيزهم على المساومات الصعبة (hard bargaining بين الدول على توزيع المنفعة والأعباء الناجمة عن التكيف، يميل الليبراليون الجدد إلى تهميش السياق الأفكاري الأكبر الذي يشكل المفاوضات ويقودها. وهذا يتضمن النتائج العلمية للجنة الدولية للتغيرات المناخية، ومعايير العدالة البيئية لمنظومة الحكم التي تقدم سيا في الوجود، ونقطة مرجعية ثابتة للتفاوض في القواعد الأكثر تفصيلا، والملزمة قانونا في بروتوکول کيوتو والمعاهدات الخليفة له. وتعترف هذه المعايير بالتزامات غير متماثلة مبنية على قدرات متباينة، ومستويات مسؤولية متباينة في ما بين الدول في العالمين المتقدم والنامي. وهي تعترف بأن الدول الصناعية مسؤولة بالدرجة الأولى عن الانبعاثات الماضية وأن من الضروري «إرخاء الحبل، للدول النامية لتحقق طموحاتها المشروعة في تحسين نوعية حياة مواطنيها، الذين يعيش كثير منهم في فقر مدقع. وهذا الإطار المعياري جوهري في فهم اسباب مصادقة أغلبية الدول على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، وعلى بروتوكول كيوتو، وموافقتها على دورة أخرى في المفاوضات للسير في مزيد من التخفيض في مستويات الانبعاث بعد انتهاء مدة بروتوکول کيوتو في عام 2012. أما فكرة أنه يجب على المجتمعات عالية الاستهلاك أن تكون أول من يبتعد عن الاقتصاد القائم على الكربون، فهي فكرة جوهرية في جدالات العدالة البيئية للمنظرين الخضر.
مصادر و المراجع :
١- نظرية العلاقات الدولية
المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث
المترجم: ديما الخضرا
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016
تعليقات (0)