قد يبدو غريبا بعض الشيء أن نسعى إلى إظهار الأمور المعرضة للخطر بالنسبة إلى نظرية العلاقات الدولية في حوار العولمة قبل الأخذ في الحسبان المعنى الذي قد يشير إليه مصطلح العولمة. غير أن الأسباب في ذلك بسيطة، وهي اساسا ذات شقين. أولا، وكما سنرى الآن، ليس هنالك تصوير مفاهيمي مقبول عموما، أو حتى تعريف للعولمة في الأدبيات الموجودة. بالتأكيد، وباهمية لا تقل عن أهمية الأمور الأخرى، فإن الحوار المتعلق بالعولمة هو حوار عما نفهمه من المصطلح. ونتيجة لذلك، لا يمكننا أن نلجا إلى تعريف العولمة لنعطي نقطة دخول بسيطة للحوار، لأن مسألة التعريف ليست بريئة البته من الناحية النظرية، وكما يقترح هذا الوضع سلفا، فإن علينا أن نفهم طبيعة الحوار قبل أن نتمكن من معرفة ما هو معرض للخطر في إعطاء تعريف للعولمة. ثانيا، إن الحوار بشأن العولمة ضمن نظرية العلاقات الدولية، هو في الواقع ليس إلا آخر تجسيد للخلاف القائم منذ زمن بين منظري النظريات المتمحورة حول الدولة (state centric theories) وأولئك غير المتمركزين حول الدولة في نظرياتهم. لذا فمن الضروري أن تفهم طابع هذا الحوار المنبثق قبل أن نفكر في لغة العولمة التي يجري في إطارها هذا الحوار اليوم ربما أن حوار العولمة الخاص بنظرية العلاقات الدولية، وبشكل أكبر مما هو عليه بالنسبة إلى أي حقل تخصصي آخر (أو حقل فرعي آخر) من حقول التحليل الاجتماعي والسياسي، هو حوار سلبي أكثر من كونه إيجابيا. وليس من الصعب تفسير هذا الأمر. فيمكن القول إن منظوري الواقعية والواقعية الجديدة
او الواقعية البنيوية (انظر الفصلين الثالث والرابع)، اللذين بقيا لمدة طويلة المنظورين السائدين في نظرية العلاقات الدولية، والمنظورين اللذين قبل إن نظرية العلاقات الدولية المعاصرة بنين حولهما، هما صاحبا أكبر إسهامات في حوار العولمة، وسيكونان أكبر الخاسرين. ووفقا لذلك، فقد يكون من الأمور غير الملحوظة أنه قد غلب على الواقعيين والواقعيين الجدد أن يكونوا الأكثر إصرارا على رفض مدى انتشار العولمة، وإبداعها النوعي، وخصائصها في إعادة تعريف النظام في الواقع، فإن رفضهم لهذه المسائل الثلاثة بلا تمييز وليس من الصعب أن نرى لم قد يكون لدى الواقعيين ما يشبه الميل الطبيعي للتشككية عندما يتعلق الأمر بالعولمة. فكما تم وصفه بتفصيل أكبر نوعا ما في الفصل الرابع، فإن الرؤية الواقعية الجديدة إلى العالم تري السياسة الدولية من خلال عيون الدولة بوصفها جهة فاعلة، والتي هي تسعى إلى مصالحها الذاتية، ومكتفية ذاتيا، والأهم من ذلك كله، أنها ذات سيادة. بعبارة أخرى، فالواقعية مبنية على وجودية متمركزة حول الدولة. وإنها هذه الدولة، وفقا للواقعيين، هي المسيطرة، وإنها، وفقا لاعتبارات عديدة، الجهة الفاعلة المهمة الوحيدة على المسرح الدولي. إلا أنه وفقا لأطروحة العولمة فإن أيام الدولة القومية قد
كما يقترح هذا الأمر، فإن حوار العولمة الخاص بنظرية العلاقات الدولية هو بالتالي خلاف وجودي، بين التمركز حول الدولة وعدم التمركز حول الدولة، ونتيجة لذلك، فإن جزءا كبيرا، إن لم يكن الجزء الأكبر، من محتوي الحوار يتعلق بمدى الارتباط المستمر للواقعية والواقعية الجديدة، أو عدم ارتباطهما المعاصر، بوصفهما منظورين نظريين (اعتمادا على نظرة الشخص للعالم). لكن هذا لا يعني أن الرؤى النظرية الأخرى، ولا سيما النسوية (الفصل العاشر)، والبنائية الفصل التاسع)، والنظرية النقدية (الفصل الثامن)، وما بعد البنيوية (الفصل الحادي عشر)، والنظرية الخضراء (الفصل الثالث عشر) ليس لديها ما تخسره في حوار العولمة، ولا يعني أن ليس لديها كثير لتساهم به في فهمنا للعولمة ذاتها، فالنقطة الرئيسة هي أن أيا من هذه المنظورات البديلة غير مبني على افتراضات وجودية بشأن مركزية الدولة أو عدم مرکزيتها في العلاقات الدولية، وعلى هذا النحو، فهي قد أسهمت في حوار العولمة بأقل مما ساهمت به الواقعية الجديدة، والليبرالية الجديدة، وطبعا الكوزموبوليتانية (cosmopolitanism). فكل واحدة منها تقدم منظورا تحليليا/ نظريا يمكن توظيفه التحليل المنظومة العالمية (world system) بشكل مستقل عن مدى عولمنها؛ وكل منها لها توجه بالاعتراف بالارتباط، وتوجه نقدي في كل من مفهومي العالم المتمرکز حول الدولة والعالم غير المتمرکز حول الدولة، على حد سواء، وكل منظور يحتوي، بين مؤيديه، عولميين ومتشككين في العولمة.
في المقابل فإن المخاطر أكبر بكثير بالنسبة إلى الواقعيين الجدد، والليبراليين الجدد، والكوزموبوليتانيين. فبالنسبة إلى كل منهم عتبر درجة العولمة هي المؤشر لدرجة ارتباط منظورهم النظري أو عدم ارتباطه. وبالنسبة إلى كل من الليبراليين الجدد والكوزموبوليتانيين، فإن العولمة تتحدى عمليا جميع الافتراضات التحليلية الأعز والأغلى بالنسبة إلى الواقعية. ويمكن تلخيص نقد الفنتين لاستمرارية ارتباط الواقعية في سلسلة من الادعاءات الجوهرية.
1. إن سيادة (sovereignty الدولة القومية وقدرتها على صنع السياسات اللتين بني عليهما الواقعية، كلتاهما معرضان للخطر إلى حد كبير جدا من خلال تکاثر التدفقات عبر الحدودية لما هو أبعد من صلاحيات الدولة وسيطرتها ونطاق رؤيتها.
2. ترتبط العولمة ب (أو تنبع من تكاثر للقضايا التي هي عولمية من حيث نطاقها وحجمها (كالتغير المناخي وخطر الأوبئة العولمية)؛ ويحاج بانه لم يكن لدى الدول القومية قط قدرة على التعاطي مع هذه القضايا.
3. استجابة لمثل هذه التحديات، وسواء أكان ذلك بطلب من الدول القومية أم لا، فقد تم تطوير طائفة من المؤسسات عبر القومية المعنية بالحوكمة العولمية التي غيرت طابع السياسة العالمية بشكل جوهري، آخذة إيانا، إذا جاز التعبير، إلى ما بعد حقبة الدولة القومية
4. إن هذا المشهد السياسي الجديد متعدد الطبقات ومتعدد المستويات تقطنه طائفة أكثر تباينا، نوعا ما، من الجهات الفاعلة التي يحتمل أن تكون مؤثرة، وحيث إن هذا قد يتضمن بعض الدول القومية (وبالتأكيد ليس جميعها)، فإن الدولة القومية لم تعد هي الجهة الفاعلة الرئيسة في السياسة العالمية، ولا حتى الجهة الفاعلة الوحيدة فيها
د. إن الساحة عبر القومية الصاعدة وهي توظف المداولات السياسية المرتبطة بالعولمة قد ساعدت في زيادة بروز قضايا السياسة الدنياه (low politics) بينما خفضت الاهتمام بقضايا السياسية العليا» (high politics) التي كانت الواقعية معنية بها بالدرجة الأولى.
6، إن عملية العولمة الاقتصادية، وبما لديها من دور في زيادة انتقال رؤوس الأموال وتاليا زيادة قدرة رؤوس الأموال على الانتقال من ولاية قضائية قومية إلى ولاية قضائية قومية أخرى، قد عززت من قوة رأس المال مقارئا بالدولة، ما أدى إلى نزع الصبغة السياسية جوهريا عن مجالات كاملة في صناعة السياسات الداخلية.
إن هذه التحديات الافتراضات الواقعية، وهي تحديات ولدتها العولمة، عند النظر إليها مجتمعة معا، لا يقتصر دورها على دحض الواقعية كمذهب نظري، بل تشكل أيضا مؤشرا على زوال حقبة الدولة القومية التي كانت ترتبط بها ارتباطا وثيقا.
إن المناقشة المطروحة أعلاه تضع الواقعية والواقعية الجديدة في مواجهة متعارضة مع العولمة ومؤيدي نظريات العولمة. وبالطبع، فإن هذه بالضبط هي الكيفية التي تطور من خلالها الحوار في أغلبه، حيث تبادل الواقعيون والواقعيون الجدد الضربات مع نقادهم من کلا جانبي الصدع العميق نسبيا، حول مدى العولمة ومضامينها. إلا أن هذا ليس بأي شكل من الأشكال أمرا يخلو من الإشكاليات، كما سنرى، وقد قاد إلى كه لا بأس به من الالتباس والخلط ما لم يساعد قط في شحذ موقفنا التحليلي، سواء أكان ذلك بخصوص القضايا الإمبيريقية أم القضايا النظرية المعنية هنا.
اسمحوا لي بالتوضبح. إن النقطة الأساس هي أنه قد كان هنالك ما يشبه الميل عند نظرية العلاقات الدولية نحو اختزال الحوار المتعلق بالعولمة بوصفه حوارا عن الارتباط المعاصر النظرة الواقعية والواقعية الجديدة إلى العالم
أو الأنطولوجيا). وهذا أمر مؤسف، لأن هذا الميل تسبب في حدوث ميل إضافي للخلط بين سلسلة من المزاعم الإمبيريقية، والتحليلية، والنظرية التي يمكن، وعلى نحو مفيد، فصلها وتقويمها مستقلة الواحدة عن الأخرى، وفي الواقع، فإن سلسلة من القضايا الإمبيريقية المتعلقة بمدى العولمة، وسلسلة من المسائل التحليلية المتعلقة بمضامين العولمة على طبيعة المنظومة العالمية، قد تم استخدامها لإعطاء اختبار نظري في الارتباطية المعاصرة للواقعية وصلاحية الافتراضات الأنطولوجية (بشأن طبيعة الدولة ومرکزيتها) التي بني عليها. وقد نتج من هذا حوار كان في بعض الأحيان مثيرا للإرباك ولا بنصف مواطن القوة والضعف التحليلية لثنائية الواقعية الواقعية الجديدة، ولا ينصف القضايا الإمبيريقية المعقدة المضمنة في محاولة القول الفصل في درجة او نطاق العولمة ومضامينها على طابع السياسة العالمية.
ويشعر الواقعيون بأنهم ملزمون بانکار أهمية العولمة، تماما كما يشعر نقادهم بأنهم ملزمون بتبنيها، متمسكين بنظريات العولمة وكأنهم قدموا دحضا إمبيريقيا للواقعية. في الحقيقة، وكما ستري لاحقا، فإن أيا من ردود الأفعال هذه لا يحترم تعقيد المنظومة العالمية الحاضرة وغموضها. وربما أن أفضل طريقة لرؤية الواقعية والواقعية الجديدة، والنظرية بين الحكوماتية (intergovemmentalism) [التي تؤمن بأن الحكومات ومؤسساتها وتفضيلات مواطني الدولة هي أهم العوامل في التنسيق أو الجمود في العلاقات الدولية والليبرالية والليبرالية الجديدة، والكوزموبوليتانية، هي باعتبارها عدسات يمكن من خلالها تأويل الاتجاهات المعاصرة، وكل واحدة منها انتقائية في ما تشتمله ضمن دراستها وما تستثنيه منها، لكن النقطة الرئيسية هي أن السياسة العالمية اليوم على قدر كبير من تعدد الطبقات وتعدد الأوجه بحيث تجعل من الصعب أن تطرح كل واحدة من هذه النظريات قضايا مهمة ومثيرة للاهتمام ونضعها موضع التركيز. فمن الخطا إذا الاعتقاد بأنه يمكن المنظومة العالمية أن توجه ضربة قاضية إلى الافتراضات التحليلية التي بني عليها أي واحدة من هذه النظريات المتنافسة. وكما يشير ريتشارد ند ليو في مقدمته للفصل الثالث حول الواقعية الكلاسيكية، فإن «الواقعية الجديدة غير قابلة للدحض، وإن لصعودها وهبوطها علاقة ضئيلة بالتطورات المفاهيمية والإمبيريقية». وحتى إن ذلك ليس له علاقة بالطابع المتغير للمنظومة العالمية. علاوة على ذلك، حتى لو كنا سنستنتج أن الدليل الإمبيريقي على مدى العولمة وتأثيرها كاف لإبطال النموذج الواقعي، فسنكون مخطئين للغاية في الاستدلال من هذا بأن الواقعية لم تكن يوما صالحة نظريا، أو بأن ذلك يعني أن أيا من متحديها المعاصرين محقون في ادعاءاتهم. وعلى المنوال نفسه، فإذا كنا سنستنتج أن الافتراضات الواقعية لم يتم اعتبارها إطلاقا شيئا من الماضي من خلال عملية العولمة إلى يومنا هذا، فسنكون مخطئين كذلك في الاستدلال من ذلك بأن الواقعية هي أفضل طريقة لتحليل مثل هذه التوجهات. ولا يمكن للبراهين الإمبيريقية أن تحكم في ما بين الاختلافات الأنطولوجية والاختيارات النظرية من هذا النوع، على الرغم من أنها في الغالب يفترض بها قدرتها على القيام بذلك).
وإذا كان جزء كبير من حوار العولمة الخاص بنظرية العلاقات الدولية قد حرض «المتشككين، الواقعيين والواقعيين الجدد ضد «العولميين، الليبراليين الجدد والكوزموبوليتانيين بالطريقة التي وصفت آنفا، فمن الضروري إذا الإشارة إلى أن هنالك استثناءات. وما هو مثير للانتباه هنا على وجه التحديد هو تبادلات الأفكار التي دارت باحترام واعتدال شديدين بين باري بوزان (Bany Buran) (مدافعا عن نصور مفاهيمي محدد من تصورات الواقعية الجديدة) ودايفد هلد (David Held (المؤيد الرئيس للكوزموبوليتانية)، والتي نشرت في مجلة الدراسات الدولية (Review of International Studies) قبل قرابة عقد من الزمان. وموقف بوزان هنا مثير للاهتمام بصورة خاصة، وقد تم تلخيصه في الجدول 14 - 1.
الجدول 14 - 1 دفاع بوزان المتحفظ عن الواقعية في سياق العولمة
في رده على تطوير دايفد هلد لرزية كوزموبوليتانية للعولمة، يدافع بوزان عن الارتباطية | المستمرة للنظرة الواقعية للعالم ومنظورها التحليلي (بالمعاصرة في سياق يتميز بميول عولمية معينة. وبقيامه بذلك، فإنه يعترف بصحة عدد من النقاط الخاصة بالعولميين. ان الموقف الذي يسعي بوزان للدفاع عنه: «الدولة هي ... الوحدة السياسية الرئيسة في
المنظومة العالمية، ما دامت المنظومة العالمية مقسمة إلى دول فإن العلاقة بين الدول ستكون لها خاصية أن تكون متعلقة بسياسة القوة» (1) 2، ما يعترف به بوزان من نقاط العولمبين: «في ما يتعلق ببروز اقتصاد عالمي، وإلى حد
ما في ما يتعلق بتطور مجتمع عالمي، وحتى من حيث أنظمة النقل والاتصالات، قالواضح أن من السذاجة الآن التفكير في عالم مكون من دول ذات سيادة اتحتويه على كل شيء)، «وحيث إن الدول اصبحت منفتحة جدا وذات اعتمادية متبادلة كبيرة، إذا فمن الواضح أن بعض التنظير الواقعي حول توازن القوى (وكل ذلك) هو ذو درجة أدنى من الوثاقة الارتباطية بالمعاصرة ا ... إن التفكير في الدول في إطار سياسة القوة التقليدية ليس بالأمر المفيد، وإن الدول ... تجتمع احيانا مع جهات فاعلة أخرى، وأحيانا مع الدول الأخرى فحسب، لمناقشة أمور ذات اهتمام مشترك ويمكنها في بعض الأحيان أن تتوصل إلى مجموعة من السياسات، او مجموعة من
القواعد اللعبة التي تمكنها من تنسيق سلوكها) 3. تحفظات بوزان بشان اعترافه: هنالك أجزاء عديدة من العالم التي ما زالت تنطبق والأفكار، وعن الدولة او به من ذي قبل، فيها قواعد الواقعية للعبة ... إن العالم مقتم فعليا إلى نطاقين أو ثلاثة، تختلف فيها قواعد اللعبة تماما لأن مستوى العولمة موزع بغاوت شديده , افقي معظم مجالات | السياسة العالمية ... لا تزال الدول في السلطة الرئيسة (19)، إن العولمة هي اسانا
ظاهرة اقتصادية. وهي أيضا جزبا ظاهرة لوجستية لها علاقة بالمواصلات والاتصالات. والقدرة على نقل البضائع، والأشخاص، والأفكار، وغيرها حول العالم بشكل اسرع بكثير واسهل بكثير من ذي قبلي
اليس واضحا ما هو الهيكل السياسي البديل |
عن الدولة، او كيف يمكننا في الواقع أن تجري الانتقال من النظام الحالي إلى نظام
آخر 12) | ملاحظة: جميع المراجع هي من كتاب بوزان، وهلد، ومكغرو")
أما ما هو مثير للاهتمام على وجه الخصوص في هذا الموقف، فهو أن بوزان يقبل تقريبا جميع النقاط التي يري العولميون أنها تشكل تحديات
جوهرية للواقعية. ويعترف بوزان بأن التدفقات عبر القومية تعرض للخطر السهولة التي يمكننا أن نتحدث بها عن الدول القومية بصفتها دولا ذات سيادة، ويعترف بالأهمية المتزايدة للعمليات عبر القومية المتعلقة بالحوكمة فيما يشدد على دور الدول في تعزيز تطورات كهذه؛ ويعترف بأهمية الجهات الفاعلة من غير الدول - لا بل أهميتها المتزايدة - على الساحة الدولية؛ ويعترف بالأهمية الكبرى للسياسة الدنيا مقارنة بالسياسة العليا، ولا سيما في تلك الأجزاء ذات الاعتمادية المتبادلة الأكبر من أجزاء المنظومة العالمية. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن ذلك ضمني أكثر من كونه صريحا، فقد تبدو ملاحظاته متطابقة أيضا مع فكرة أن السياسة العالمية اليوم تتميز بتزايد وانتشار في القضايا التي لم يكن لدى الدولة القومية قدرة البتة على التعامل معها بفعالية، ومتطابقة أيضا مع فكرة أن القيود التي تفرضها العولمة الاقتصادية قد قلصت وبشكل كبير القدرة على الاستقلالية في صنع السياسات الداخلية. لكن على الرغم من ذلك كله، نجح بوزان في الدفاع عن شكل من أشكال الواقعية (ولو أنه متحفظ). وهو يفعل ذلك، ليس من خلال تحدي أطروحة العولمة ذاتها، لكن عمليا من خلال تقسيمها إلى أقسام إدارية. وبفعله هذا، فإنه يقيم أربعة مزاعم جوهرية، وهي: 1. إن العولمة في جوهرها هي ظاهرة اقتصادية، وعلى هذا النحو فان مضامينها مقصورة بشكل كبير على نطاقات معينة (في السياسة الدنيا)، وهي نطاقات لم تكن الواقعية معنية بها على وجه الخصوص مطلقا.
2. على الرغم من أن أهمية مثل هذه النطاقات قد ازدادت من دون شك، فإن جزءا كبيرا من السياسة الدولية بحتفظ بطابعه الواقعي
3. اتجهت الدول على نحو متزايد، وغالبا بشكل مستقل عن عملية العولمة الاقتصادية ولكن فقط تحت ظروف محددة بشكل كبير، نحو توحيد سياداتها معا على نحو فعال لتطوير آليات في الحوكمة عبر الوطنية (سواء أكان ذلك محليا أم عولميا) تعكس مصالحها الذاتية المتبادلة. . 4. إن العولمة الاقتصادية، واشتراك الدول في هذا النوع من آليات الحوكمة عبر القومية، كليهما، موزعان بطريقة غير متساوية على الإطلاق، بحيث إن حصة الأسد من محتوى السياسة العالمية يبقى جوهريا دولتيا، وبالتالي ذا طابع واقعي على الرغم من العولمة.
وهذا موقف متقن ومنضبط ذاتيا، ومن خلال اعترافه بعض النواحي للكوزموبوليتانيين أمثال هلد 14)، والليبراليين الجدد أمثال جوزيف ناي وروبرت کيوهاين (19)، فإنه يقترح المساهمات الجوهرية التي يمكن الواقعية أن تقدمها لنظرية العلاقات الدولية حتي في سياق من العولمة المفترضة. علاوة على ذلك، فإنه يشير إلى الطابع الذي يحتمل أن يكون مثمرا للغاية للحوار متداخل النماذج المعيارية (interparadigm debate) الذي تستطيع العولمة أن تولده ضمن نظرية العلاقات الدولية في الأقل، بمجرد أن تطرح جانبا محاولة استخدام العولمة للتحكيم (أو الفصل بين النماذج النظرية، إلا أنه لا تزال هناك مشكلة واحدة في الموقف الذي يسعي بوزان للدفاع عنه. فمهما قد يبدو هذا الموقف جديرا بالثقة، ومهما كانت اعترافاته للعولميين جديرة بالتصديق، فإنها تستند إلى سلسلة من الافتراضات عن العولمة الاقتصادية من النوع الإمبيريقي تحديدا، وهي ببساطة افتراضات لم يتم اختبارها إمبيريقيا. وما يثير السخرية، هو أن بوزان قد يذهب بعيدا جدا في اعترافاته للعولميين. فكما سنرى في القسم الثالث من هذا الفصل، فإن عددا ممن يطلق عليهم تسمية «التشككيين
الشكوكيين] (sceptics)، يرون أن البراهين على نوع العولمة الاقتصادية التي يبدو أنه يفترضها هنا ليست وشيكة بالقدر الذي قد نتخيله. إلا أننا وقبل أن نضع في الحسبان مثل هذه البراهين مباشرة، وبما أننا قد بينا المخاطر الكبيرة الحوار العولمة على نظرية العلاقات الدولية، فمن الضروري أولا أن نبين ما نعنيه بالضبط بمصطلح العولمة في أي حال. وإنه حقل الألغام المفاهيمي المحتمل هذا هو الذي نلتفت إليه الآن.
مصادر و المراجع :
١- نظرية العلاقات الدولية
المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث
المترجم: ديما الخضرا
الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016
تعليقات (0)