المنشورات

التصورات المفاهيمية لتخصص العلاقات الدولية

تتم عادة مناقشة مسألة إن كان تخصص العلاقات الدولية تخصصا أم أنه قد طغى عليه التجرؤ أو تعددية التخصصات أو التهجين، أو أنه، كما جادل منظرو الاختيار العقلاني بقوة أكبر، قد طغت عليه عملية إعادة الإدماج المستندة إلى الأساليب المنهاجية التي تدمج معا، في الأقل، كل افروع) علم السياسة، وربما افروع) جميع العلوم الاجتماعية (أو أكثر). وربما تكون الجدالات الأكثر انتشارا هي تلك التي تشير إلى بطلان التمييز بين المحلي والدولي، والذي تقدم به، وعلى نحو مثير للاهتمام، گل من العقلانيين وعديد من المنظرين النقديين وما بعد البنيوين). ويشدد آخرون بشكل أكبر على تكاثر النظريات، والمقاربات، والتخصصات الفرعية وغالبا ما يندبون هذا التكاثر الذي يجعل من الصعب جدا على المجتمع البحثي أن يتعرف إلى نفسه وإلى أعضائه (وهي مسألة غطاها ستيف سميث في مقدمة هذا الكتاب). ويستند معظم القلق والأمل) المتعلق بزوال التخصص إلى فرضية خاطئة أن من الممكن ومن الضروري أن يكون هنالك اتفاق حول الموضوعات والتعريفات الموجودة في التخصص
إن مثل هذه الحوارات تفترض أن التخصص يحتاج إلى أمرين من أجل أن يكون له وجود، وهذان هما: (1) موضوع واضح ومتميز، أو (2) اتفاق حول التعريف. وربما أن وجهة النظر الأكثر انتشارا هي الأولى، أي إن التخصصات توجد بسبب وجود موضوعها، وبقدر ما هو موجود. نهنالك مثلا كائنات حية في الوجود، وهناك تاليا علم الأحياء البيولوجيا)، وهنالك اقتصاد وتاليا علم الاقتصاد، والناس لديهم اضطرابات نفسية وتاليا فعلم النفس له وجود. وفي الأقل منذ عام 1969 فما بعده، كان ينبغي أن يكون من الصعب أن نرى الأمور بهذه الطريقة، وقد أظهر ميشال فوكو، وعلى نحو مقنع، في كتابه علم آثار المعرفة (Archeology of Knowledge) كيف أن التخصصات لا تعكس صورة الموضوعات المحددة، بل إن التخصصات شكل موضوعاتها، أو إنها تتشكل جنبا إلى جنب مع تشكل موضوعاتها. فمفهوما «الاقتصاد، أو «النفس، کموضوعين مستقلين ومتميزين، يتشكلان فقط في مرحلة معينة في الزمان ويستبدلان الطرائق الأخرى في وصف العالم وتمييزه).
وماذا عن الموقف الثاني؟ إذا كانت القاعدة الأساس للتخصص لا تكمن في موضوع الدراسة بحد ذاته، لأن المواضيع يمكن أن تتشكل ووصف بطرائق مختلفة، فيجب إذا أن تكون القاعدة الأساس هي في مواصلة توليد إجماع على الرأي، والذي وفقا له ينوجد الموضوع. وقد يبدو أن المقدرة على الاستمرار في توليد توافق في الرأي في مجتمع من الباحثين هو المفتاح لوجود التخصص وبقائه). إلا أن هذا الموقف من الناحية الإمبيريقية لا يرتكز على أسس صلبة
Michel Foucault, The Archeology of Knowledge, translated by Alan M. Sheridan Smith (4) (London: Twistock Publishers, 1972 [1969]).
(5) من الأمثلة الكلاسيكية على تشخيصات التخصص (علم السياسة أو تخصص العلاقات الدولية والتي تعلن عن حالة من التفخ وعدم الانساق، نذكر أعمال هولستي، وآلموند، ركائزئلسون رميلتر، ولايشن في: Katmelson and Milnet
, eds . , Political Science : State of the Discipline , and David
itin , The Political Science Discipline , in : Ed and D . Mansfield and Richun Siiron , cd , The
ما , D
Evolution of Political Knowledge: Theory and Inquiry in American Politics (Columbus: Ohio Sale University Press, 2004).
للاطلاع على تأملات في التخصم، انظر: John G
Gunnell , Handbook and History : le i sell , الد (202) 4. the American Science of Politics Inerational Patirical Science Review
vol . 2 , No
Tobin Gran, «What Divides Us?: The Image and Organization of Political Science, Political Science and Polities, wl. 18, mo. 1 (2005)
وحتى نصوغها من خلال مصطلحات اکثر نقدية، فإن الجهات الفاعلة الهيمنية في التخصص تقوم بممارسات متواصلة من رسم الحدود والاستثناء من أجل ضمان وجود تصور ميني للتخصص، إلا أن هذه المشاهدة النقدية يجب ألا تقودنا، وعلى نحو غير نقدي، إلى الاعتقاد بوجود خطر فعلي تهدد بقاء التخصص، فممارسة الحفاظ على الحدود هذه هي اسانا سياسة قوة في داخلها. انظر: , Kalei 1
Wolati
The Dividing Discipline Hegemony and Diversity in International Theory (Boston, MA: Allen and Unin, 1985), and Gabriel Almond, A Disciplin Divided (Newbury Park. CA: Sage Publication, 1990). 

تماما كما هو الموقف الأول: فتاريخ العلم مليء بالتخصصات التي لم تتفق إطلاقا على تعريفها لذاتها، أو على موضوعها الرئيس، أو على منهجيتها، لكنها على الرغم من ذلك قد استمرت. وهنالك مثال قريب هو الدراسات التنظيمية) التي يستطيع المرء أن يضيف إليها علم النفس وعلم الاجتماع اللذين عاشا في هذه الحالة لمعظم مدة وجودهما.
الغريب أن هنالك مقاربة ثالثة غائبة عن نقاشات التخصص العادية بشأن «أن يكون أو لا يكون»، وهي: (3) تصور مفاهيمي للتخصص بكونه يركز على القوة والمؤسسات. إن إلغاء الموقف الثالث غريب لأن المرء يفترض أن يجد اهتماما في تحليل القوة والمؤسسات في تخصص يسيطر عليه الواقعيون والمؤسساتيون
حتى إنه يمكن إعادة صوغ هذه المقاربة على أنها اقتصاد سياسي لذوي العقليات النقدية).
في ضوء الموقف الثالث، يمكننا أن نرى التخصص بكونه حقيقيا ومنکارا، حتى في غياب موضوع واضح ومحدد (ممارسة العلاقات الدولية) وفي غياب اتفاق مشترك (تخصص العلاقات الدولية). ويصبح هذا الأمر واضحا من خلال إلقاء نظرة سريعة، سوسيولوجية وخارجية، على نشاطنا نحن كباحثين فكريين في تخصص العلاقات الدولية". فالمناقشة الاعتيادية ترتكب أغلوطة الإنصاف المتمثلة في افتراض أن وجود التخصصات يجب أن يستحق او يكتسب، والنتيجة الهذه الأغلوطة هي سذاجة لا ظهرها عادة في ما يتعلق بالأمور الأخرى التي ندرسها، إلا عندما نتكلم على العالم الأكاديمي. وهذا ينطبق عموما على التأملات في التخصص - مثل الممارسات المتعددة في جرد الموجودات عن احالة التخصص - باعتبارها في شكل الوصفة التي تحدد ما يجب أن يفعل (prescription)، فمن المألوف، على سبيل المثال، أن نأسف لسعة انتشار ممارسة وصف تخصص العلاقات الدولية في إطار الحوارات العظمى، كما لو أن هذه الممارسة هي مجرد شكل من أشكال العادات السيئة التي يمكننا انحن؟ التوقف عن ممارستها إذا قررنا ذلك. لكن، وكما ساوضح في القسم التالي، فإنها في الواقع جزء من هيكل التخصص؛ فهي تخدم أهدافا، والاستغناء عنها ستكون له آثار بعيدة المدى. إذا، فالتغيير سيؤثر في علاقات القوة والامتيازات، وبالتالي فإن مجرد الإشارة إلى «أننا يجب أن نفعل الأمور بطريقة مختلفة، هو أمر ساذج بعض الشيء، إنه أمر مثالي بالمعنى الأخلاقي القديم والجميل للكلمة). فإعطاء وصفة علاجية هو أمر جيد، لكن عند التحدث عن العالم الذي هناك، فإننا غالبا ما نفترض أن نتيجة الإصلاح ستصبح أفضل إذا حاولنا أولا أن نفهم أنماط الحقل الفكري المجال التخصص، وهياكله، واهتماماته، ودينامياته. إلا أننا عندما نناقش التخصص، ولأن ذلك يتعلق با ايامنا بعملناه، فإننا نميل إلى الافتراض أنه يمكننا التحدث مباشرة عن «ما نريد أن نفعله». فالتخصصات تتوالد لأسباب فشرها علم اجتماع العلوم sociology of) (science بطريقة أفضل، وليس بسبب أوضاع العالم أو بسبب ممارسات الثقافة التخصصية
تفسيرات علم الاجتماع لتوالد التخصصات
إن التفكير في طريقة خلق التخصصات المختلفة قد انبثق تدريجا عندما تنحت جامعات العصور الوسطى مفسحة المجال أمام جامعات البحوث الحديثة، لكن ما فشر القوة الاستمرارية للتخصصات هي العلاقة بينها وبين التنظيم العملي والاجتماعي للجامعات، وهو نظام برز في مطلع القرن العشرين في الولايات المتحدة الأميركية، وأصبحت التخصصات أكثر من مجرد تصنيفات في تنظيم المعرفة، كما أصبحت حاسمة في تنظيم الباحثين الأكاديميين والجامعات). ومنذ عشرينيات القرن العشرين في الأقل، وجه النقد إلى ضيق أفق التخصصات، وإفراطها في التخصصات الفرعية، وفصلها للحدود بين التخصصات، وتم التنبؤ بأنماط جديدة (1). وجاءت ورحلت موجات من البرامج متداخلة التخصصات ومن المشروعات الكبيرة متعددة التخصصات). وقد أثبت النظام التخصصي مرونته على نحو مدهش. والتفسير الرئيس لذلك هو هيكل الأقسام الإدارية الذي تم اختراعه في الولايات المتحدة الأميركية: «إن التخصصات الأكاديمية بالمعنى الأميركي - أي مجموعات الأساتذة الجامعيين الذين يمكنهم تبادل الاطلاع على المؤهلات المهنية التي جمعوها من خلال ارتباطهم بمؤسسات مهنية قوية - لم تظهر فعليا خارج الولايات المتحدة الأميركية إلا في مرحلة متأخرة من حقبة ما بعد الحرب (12). وقد كان نظام الأقسام الإدارية المكون من أشخاص متساوين، يحملون درجة دكتوراه (PhD) في شيء ما، جزءا من الحل لمشكلة إدارية تتمثل في عدم وجود هيکل داخلي في نظام جامعي يتوسع بشكل سريع. وقد أثبت هذا النظام أنه نظام يعتمد عليه بشكل كبير. أما هذه الثنائية المكونة من التنظيم الداخلي ومن نظام
هيكل يحدد التنقل الوظيفي خارجيا - والتي دعمتها الجمعيات التخصصية الوطنية مثل الرابطة الأميركية للعلوم السياسية The American Political Science) (Association (APSA - فقد أصبحت معززة لذاتها، وذلك لأن تحدى التخصص سيكون معاقبة للذات (1). ويصبح صعبا على الجامعات منفردة أن تتحدى النظام التخصصي، لأن خريجيها ممن يحملون شهادة الدكتوراه سيخسرون خياراتهم المهنية: فلن يتم اعتبارهم من حملة شهادة الدكتوراه في تخصص ماه. ويدعم آندرو أبوت (Andrew Abbot) هذه المحاجة بالإشارة إلى الآليات المرتبطة بالتعليم الجامعي في مرحلة البكالوريوس وفكرة «اختصاص الدراسة في الكليات» (the college major)، الأمر الذي لسنا في حاجة إلى الخوض فيه هنا. أما النقطة الرئيسة فهي أن نظام التخصصات على النحو الذي تم تطويره في الولايات المتحدة الأميركية قد أثبت أنه يعزز ذاته إلى حد بعيد. ومع سيطرة الجامعات الأميركية، والتي جاءت في حقبة ما بعد الحرب، انتشر النموذج. وكانت الجامعات الأميركية في الغالب ذروة الآفاق الوظيفية حتى بالنسبة إلى الأجانب، لذا أصبحت التخصصات عالميا نسخة مطابقة لتلك الأميركية، ما قاد بدوره إلى تكيف هذه الصيغة محليا في معظم الدول.
وبذلك، فإن التخصصات عادة لا تموت، أو تندمج، أو تنفصل فقط لمجرد أن موضوعها يظهر في ضوء جديد. ففي بعض الأحيان قد يحدث انفصال، وهذا يحصل عادة إذا تلقى الحقل الدراسي تمويلا سخيا لمدة طويلة (كعلم الأحياء مثلا)، كما يمكن أن تحصل الاندماجات إذا كان مجال ما يفقد نفوذه تدريجا
کالكلاسيكيات مثلا). لكن اختفاء التخصص هو أمر مستبعد، وما هو مستبعد بشكل أكبر هو إعادة التنظيم العام لجميع العلوم الاجتماعية مثلا، وفقا لصيغة جديدة ومحنة، سواء أكان ذلك من أجل الابتعاد عن افتراضات القرن التاسع عشر المتعلقة بالمجتمع، والدولة، والدولي، والمغروسة في التخصصات الحالية (1)، أم من أجل تطبيق إعادة تنظيم عالمية شمولية للعلوم الاجتماعية وفقا للفروع المختلفة لنظرية الاختبار العقلاني.
لقد اجتاحت أمواج التغيير التخصصات المتنوعة، وأتت النماذج المعيارية الرئيسة ورحلث، أما الصيغة البحثية المسيطرة فقد تغيرت في عديد من التخصصات، وعلى الرغم من ذلك، بقيت الخريطة العامة ثابتة بشكل مدهش. فما هي أهمية أن تكون التخصصات أكثر قوة وثباتا مما هو مفترض على نطاق واسع؟ السبب هو أن ذلك يعيد تركيز انتباهنا على الهياكل الداخلية للتخصص، بدلا من الافتراض أن بقاءه معرض في كل الأوقات للخطر. فرسم الحدود، على سبيل المثال، لا يتعلق عادة بضمان بقاء تخصص العلاقات الدولية بقدر ما هو جزء من صراعات القوى في داخل التخصص حول أولئك الذين يجب شمولهم أو استثناؤهم، وأولئك الذين يحظون بأهمية مركزية أكبر من غيرهم). وبدلا من إعطاء الصورة الذاتية المزعزعة للوجود التخصصي للعلاقات الدولية، سيكون أكثر إثارة للاهتمام أن تأخذ هذا التخصص باعتباره حالة مستمرة - على حلوها ومرها - وأن تنس تنظيمها الداخلي. تخصص العلاقات الدولية وعلم السياسة
إذا، فالتخصصات تتوالد مثلها مثل الهياكل الاجتماعية. لكن يمكن أن يكون هناك اعتراض واضح وهو أن تخصص العلاقات الدولية هو تخصص فرعي ضمن علم السياسة. فصحيح أن علم السياسة تخصص، وأنه يتكاثر للأسباب التي قدمها ابوت وآخرون، لكن تخصص العلاقات الدولية ليس بالمعنى المباشر تخصصا من هذا النوع؛ ففي الأغلبية العظمى من الجامعات، فإن علم السياسة هو الذي يؤدي هذا الدور المؤسساتي الثنائي باعتباره وحدة في كل جامعة ومشهدا (عبر) قومي للوظائف. إلا أن تصور علم السياسة بوصفه مؤلفا من عدد قليل من الحقول الفرعية هو تصور متفش. فعلم السياسة في الولايات المتحدة الأميركية بنمثل عادة بالرباعية المؤلفة من السياسة الأميركية، والسياسة المقارنة، والنظرية السياسية، وتخصص العلاقات الدولية، وهو في بعض الأنظمة الأوروبية مؤلف من السياسة المقارنة، والنظرية السياسة، والإدارة العامة، وتخصص العلاقات الدولية. غير أن هذا الهيكل ليس ضروريا، ولا طبيعيا، ولا حتى قديما جدا (16)، لكن عندما برز الهيكل الرباعي أخيرا في أواخر خمسينيات القرن العشرين (وبعد وجود عدد من الهياكل شديدة الاختلاف في النصف الأول من القرن العشرين)، سرعان ما أصبح الهيكل مستقرا ويعيد إنتاج ذاته. ويمكن أن يمتد تفسير أبوت إلى الأسفل ليصل إلى مستوى التخصصات الفرعية، ومن أجل التحضير للوظائف في تخصص منظم
حول هذه الحقول الفرعية الأربعة، ينبغي أن يكون لدى الفرد مزملا اعتماد ضمن هذا الإطار (1). لذا أصبحت التخصصات الفرعية الأربعة ذاتية التكاثر، وأصبح لدي تخصص العلاقات الدولية قوة بقاء باعتباره تخصصا فرعئا. |
من بين الأربعة، يبدو أن تخصص العلاقات الدولية لديه أقوى إحساس باستقلاليته التخصصية (قارن الأستخدام الشائع لمصطلح التخصص (discipline) عند كل من تخصص العلاقات الدولية وعلم السياسة، في مواضع مثل هذا الكتاب)، ومن الأسباب وراء ذلك أن تخصص العلاقات الدولية قد انبثق ولديه رؤساء أقسام منفصلون ومؤسسات منفصلة، بشكل مستقل جزئيا عن علم السياسة (خصوصا في المملكة المتحدة والقارة الأوروبية) 18)؛ فالمنظمات المتخصصة الرائدة، مثل جمعية الدراسات الدولية ((International Studies Association
(ISA
)، ونظيرتها البريطانية (BISA)، تعتبر نفسها رسميا متعددة التخصصات، على الرغم من واقع السيطرة الساحقة لعلم السياسة فيها. ولتخصص العلاقات الدولية مجلاته الأكاديمية الخاصة به، ومنظماته المستقلة، ومؤتمراته المستقلة، لذلك يعتبر كثيرون أنفسهم علاقاتيين دوليين، مختصي علاقات دولية] international) (relationists وليسوا العلماء في السياسة، فتخصص العلاقات الدولية هو تخصص ضمن تخصص
يمكن ملاحظة كثير من التحديات ذات الصلة الوثيقة والعوامل الدينامية الفاعلة التي تؤثر في التخصص من خلال نقاشاته المستمرة، لكن غالبا ما يتم ربط العوامل المسائل الخطا بسبب استمرار الاستخفاف بقدرة التخصصات على البقاء. فالعولمة بمعانيها المتعددة، تؤدي بالفعل إلى الإخلال بفتي المحلي والدولي القياسيين، كما تتحدى التوسطية (medialization) مفهوم السياسة، وهكذا دواليك. لكن لا يرجح أن يقودنا (جميعنا هذا الأمر إلى ما وراء التخصص، إلى حقول جديدة تم تعريفها کي تعكس صورة ل اوقائع جديدة»، وإنما هذه هي تحديات مهمة سيحاول التخصص ونظرياته تفسيرها وفهمها بطرائق مختلفة. وعلى نحو مشابه، فمن غير المرجح أن يؤدي التجو المتزايد في التخصص إلى اختفائه، كما أنه لا ينبغي أن يكون سيا في الأسف الرومانسي، والدعوات إلى التو?د؛ فعلينا أن ننظر باسلوب منظم إلى التغيرات في هيكل التخصص، وإلى ما يعنيه هذا بالنسبة إلى أنواع المعارف التي يمكن أن ينتجها.
أخيرا، فإن التردد في الاحتفاء بمتانة التخصصات ربما تقويه دلالات التخصص، ومضامينه، حيث بلعب منظرو ما بعد البنيوية وخصوصا منظرو ما بعد الحداثية (مصطلحات نستخدمها كما عرفها كامبل (Campbell) في الفصل الحادي عشر) على معنى السيطرة الاجتماعية لكلمة discipline [التي تعني الانضباط، أو الضبط، أو التأديب، بعيدا من كلمة «التخصص،] 19). أما هذا الرجوع الزائف إلى أصل معنى الكلمة - مع أنه ممتع - فربما ينبغي له أن يفسح مجالا أمام الأصول الحقيقية لكلمة تخصص (discipline) في الكلمة اللاتينية discer التي تعني «تعلمه. وبما أن هنالك مشكلات بحثية أكثر بكثير من التخصصات الموجودة ... فالجامعة التي يتم تنظيمها حول مشكلات البحث ستكون ملقنة [قمة ومجأة إلى أجزاء صغيرة ومتعددة كدول البلقان بشكل ميؤوس منها (20)، وبسبب انعدام التجريد، فإن المعرفة التي يتم تحديدها من خلال مشكلة محددة، ستكون باستمرار متأخرة عن «المعرفة المحمولة على المشكلات» (
problem - portable knowledge). وتاليا، «فالحدود التخصصية هي، في نهاية المطاف، ضرورية لنمو المعرفة 21)
لا يعني هذا أنه يجب على الجميع أن يتعاطوا مع ايتخصصوا في نظرية العلاقات الدولية، ولا أن المعرفة التخصصية المتعلقة بتخصص واحد فحسب متميزة بطريقة ما، أو أنها أفضل من الأعمال متداخلة التخصصات، اور متعددة التخصصات، أو ما بعد التخصصية؛ وإنما يعني هذا أنه سيكون هنالك ايضا نظرية في العلاقات الدولية لإضافة إلى الفروع الأخرى لعلم السياسة. فهنالك غالبا أسباب جيدة للتركيز على قضية، أو مشكلة، أو مسألة محددة، وهنالك أسباب جيدة لتطوير نظرية خصيصا للهدف ونقاط للالتقاء بين التخصصات المختلفة، إلا أن أحد هذه التخصصات سيكون تخصصا اسمه تخصص العلاقات الدولية، وستكون هناك مجموعة من النظريات التي تعرف باسم نظريات العلاقات الدولية التي سترافق هذا التخصص وتكمله. وسيكون هناك، على وجه الخصوص، كلفة إضافية للاعتراف بها باعتبارها نظرية التخصص ما، لأن هذه المجموعة من النظريات شكل السوق الأكبر والأكثر استقرارا للمرشحين والمجلات الأكاديمية، وتنبثق النظريات الجديدة، عادة، ليس في جوهر التخصص، وإنما في الفجوات بين التخصصات، لكنها آنئذ تواجه خيارات استراتيجية حول ما إذا كانت ستغرس هوية باعتبارها الشريك المزس لحقل جديد (فتبدأ بتأسيس مجلات أكاديمية وجمعيات لها، كما فعلت أبحاث التنمية، والنظرية النسوية، ودراسات الاتصالات، وعديد من الحقول الأخرى في المراحل المبكرة)، أو ستحتفي بتشدها الراديكالي، أو ستطرح مطالبتها بحقها في أن تكون نظرية في العلاقات الدولية (وطبعا تطالب بمطالب مشابهة في تخصصات أخرى؛ قارن، على سبيل المثال، النظرية النسوية وما بعد البنيوية)، وحتى النظريات الجديدة والراديكالية في تخصص العلاقات الدولية، فإنها تعتمد على البنية التحتية المؤسسية نفسها، مستخدمة الأساليب ذاتها في الإقناع في المؤتمرات الأكاديمية، والكتابة في المجلات الأكاديمية المرموقة، والحصول على منح كبيرة من مجلس البحوث، وغيرها. إذا، ففيما قد تذعي [النظريات الجديدة بأنها تشكل «ما بعد تخصص العلاقات الدولية»، فإنها تبدو لعديدين وكأنها خلاف ضمن تخصص العلاقات الدولية.
على سبيل المثال، يلاحظ عادة، وبشكل متزايد، أن المنظور الغربي والتصنيفات الغربية للتخصص (ولا سيما الأميركي) غالبا ما تجعله غير مجد القضايا العالم الثالث (22). غير أنه عند محاولة تطوير اتخصص علاقات دولية ما بعد غربي يضع في الحسبان، وعلى نحو أفضل، المفاهيم والقضايا التي لها أهمية في أجزاء أخرى من العالم، فإن معضلة جديدة تبرز بشكل مباشر، وهي أن هذا النوع من البحث الأكاديمي سيكون أقوى لو تم الاعتراف به كتخصص علاقات والنتيجة أنه سيكون في الساحة تخصص العلاقات الدولية ونظريات العلاقات الدولية أيضا، ومن المرجح أنهما سيبقيان كذلك. لقد كانت هذه هي الخطوة الأولى. أما الأسئلة المتبقية فهي على النحو الآتي: أي نوع من التخصصات هو؟ وما الذي بفعله هذا التخصص؟ وعلى أي نحو يتغير؟ سانظر في القسم التالي، وبشكل أكثر تحديدا، في الهيكل الاجتماعي للتخصص کي اصف بشكل عام الطريقة التي ينظم بها، وما إذا كان هذا التنظيم في تغير. فليس من الممكن أن نفهم التطورات الحاصلة في النظريات من دون أن نفهم كيفية تشكل التخصص وكيفية تغيره. وينظر القسم التالي إلى الهيكل الفكري للتخصص. وهذا يشمل نقاشا حول تشكل النمط ضمن النظريات المحددة وفي ما بينها: أي النظريات هي الموجودة، وتحديدا، ما هو النمط الذي شغله هذه النظريات عندما تجتمع مقا؟ وما هي المحاور الرئيسة للحوار وهل هي تتغير؟ أما الاستنتاج فهو يخاطب المسائل المتعلقة بوثاقية العلاقة، والتراكم، والتقدم.
أي نوع من التخصصات هو تخصص العلاقات الدولية؟ 











مصادر و المراجع :

١- نظرية العلاقات الدولية

المؤلف: تيم دان، ميليا كوركي، وستيف سميث

المترجم: ديما الخضرا

الناشر: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - بيروت

الطبعة: الأولى

تاريخ النشر: كانون الثاني - يناير 2016

تعليقات (8)

مستخدم (2025-03-02 13:00:43)

555

مستخدم (2025-03-02 12:57:07)

555

مستخدم (2025-03-02 12:56:50)

555

مستخدم (2025-03-02 12:56:41)

555

مستخدم (2025-03-02 12:41:09)

555

مستخدم (2025-03-02 12:39:32)

555

مستخدم (2025-03-02 12:39:10)

555

مستخدم (2025-03-02 12:38:53)

555

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید