المنشورات

إجهاض

1 - التعريف:
الإجهاض في اللغة يطلق على صورتين: إلقاء الحمل ناقص الخلق، أو ناقص المدة، وهذا الإطلاق يصدق على الإلقاء بفعل فاعل أو تلقائيا.
قال ابن منظور: أَجْهَضَت الناقةُ إِجْهاضاً، وهي مُجْهِضٌ: أَلقت ولدها لغير تمام، والجمع مَجاهِيضُ(1). وقال ابن فارس: الجيم والهاء والضاد أصلٌ واحد، وهو زَوَالُ الشَّيء عن مكانه بسُرعة؛ يقال أجْهَضْنا فلاناً عن الشّيء إذا نحَّيناه عنه وغلَبْناه عليه، وَأجْهَضَتِ النّاقة إذا ألقَتْ ولدَها، فهي مُجْهِضٌ(2).
والإجهاض عند الفقهاء، لا يخرج عن هذا المعنى؛ وكثيرا ما يعبرون عن الإجهاض بمرادفاته كالإسقاط والإلقاء والطرح والإملاص.
وفي المصطلح الطبي: الإجهاض هو: إلقاء الحمل ناقص الخلق أو ناقص المدة، ويسمى أيضا الإسقاط والطرح والإملاص، فإذا نزل قبل أن يتم ( 20 أسبوعا ) في بطن أمه أو كان وزنه أقلَّ من ( 500 غرام ) سمي سقطا، ولا يكون قابلا للحياة عادة، أما إذا نزل بين ( 24 - 36 أسبوعا ) فيسمى خديجاً ويكون في الغالب قابلا للحياة ولكنه يحتاج غالبا لعناية طبية جيدة(3).
2 - حكم الإجهاض:-
من المعلوم أن الجنين في بطن أمه يمر بأربع مراحل: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم مرحلة نفخ الروح ؛ وهذا ثابت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح..)(4).
وهذا دليل على أن نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوما.
وحكم الإجهاض في المراحل الثلاث الأولى- التي تسبق نفخ الروح- مختلف فيه بين الفقهاء. 

أما الإجهاض في المرحلة الرابعة - بعد نفخ الروح - فهو جريمة محرمة بالكتاب، والسنة ، والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [ الإسراء 33] . والإجهاض بعد نفخ الروح يعتبر قتل نفس بغير حق.
ومن السنة: ما رواه الترمذي عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع للناس: ( أي يوم هذا؟ ) قالوا: يوم الحج الأكبر ؛ قال: ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا قي بلدكم هذا ؛ ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان أيس أن يعبد في بلادكم هذه أبدا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به )(1).
والإجهاض بعد نفخ الروح جناية. وقد أجمع الفقهاء على تحريمه ، و نصوا على أنه إذا نفخت في الجنين الروح حرم الإجهاض ؛ وقالوا إنه قتل له، بلا خلاف.
3 - عقوبة الإجهاض: الإجهاض المتعمد يترتب عليه عقوبة تعزيرية - في الحق العام - يقدرها القاضي على من تعمد الإجهاض، سواء كانت الأم، أو الطبيب، أو القابلة ؛ أو كل من كان سببا في الإجهاض. أما ما يتعلق بالحق الخاص، فقد اتفق الفقهاء على أن الواجب في الجناية على جنين الحرة هو غرة ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغرة عبد أو وليدة ) رواه البخاري ومسلم(1). واتفق فقهاء المذاهب على أن مقدار الغرة في ذلك هو نصف عشر الدية الكاملة، وإن الموجب للغرة كل جناية ترتب عليها انفصال الجنين عن أمه ميتا، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك، ولو من الحامل نفسها أو زوجها، عمدا كان أو خطأ. واختلفوا في وجوب الكفارة - وهي العقوبة المقدرة حقا لله تعالى - مع الغرة.
4 - الإجهاض المعاقب عليه:-
فقهاء الحنابلة يوجبون الغرة سواء أكان انفصال الجنين ميتا حدث في حياة الأم أو بعد موتها لأنه كما يقول ابن قدامة: جنين تلف بجناية، وعلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه كما لو سقط في حياتها ؛ ولأنه لو سقط حيا ضمنه، فكذلك إذا سقط ميتا كما لو أسقطته في حياتها(2).
ويتفق الفقهاء في أصل ترتب العقوبة إذا استبان بعض خلق الجنين ، كظفر وشعر، فإنه يكون في حكم تام الخلق اتفاقا ؛ ولا يكون ذلك كما يقول ابن عابدين إلا بعد مائة وعشرين يوما ؛ أي بعد أربعة أشهر، وهي مرحلة نفخ الروح كما سبق بيانه(3). 








مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید